مارس نظام الحمدين تنبؤات متناقضة حول شكل المنطقة ومستقبلها
لقد تحوَّلت قطر وخلال سنوات قليلة من ثورة الابن على أبيه إلى شيء مختلف لم يكن من السهل تفسيره: تدخلات هنا وهناك ومال يجري في مواقع مشبوهة واحتواء مثير للأسئلة يدور حول شخصيات فكرية وثقافية ودينية، وشيء كبير من التناقض الغريب عبر احتواء قيادات الإسلام السياسي، وتحديداً جماعة الإخوان المسلمين، التي تجمَّع قادتها ومناصروها في الدوحة بشكل مثير للتساؤل حول الأهداف المطلوب تنفيذها.
الحقيقة الصعبة التي يجب أن يتجرعها نظام الحمدين أن النفق المظلم الذي دخلته قطر قبل عقدين من الزمن ينتهي اليوم إلى نتيجة طبيعية يقررها التاريخ قبل دول المقاطعة، بأن اللعب بقواعد السياسة له نتائج كثيرة لعل من أقلها نفقاً مظلماً آخر تدخله قطر كنتيجة لأعمالها وقناة سلوى أكبر دليل
في نظام سياسي افتقد فهما تاريخياً للواقع، حاول "الحمدين" البحث عن معنى لمفهوم دولتهم الصغيرة وكانت الخيارات أمامهم كثيرة لتحقيق أهدافهم التي تصوروا أنهم يمكن أن يتجاوزوا بها المسار التاريخي، لقد كانت الفكرة التي تبناها "الحمدين" تقتضي أولاً عزل المجتمع القطري عن المسار السياسي عبر إغراقه بالمال، ومن ثم التفرد بالدولة عبر بناء مشروع يحتاج إلى غطاء سياسي أكبر من مساحة قطر كلها، فكان هذا الغطاء التعاون المباشر مع جماعة الإخوان المسلمين وجلب قياداتها إلى الدوحة بهدف الحصول على شرعية يمكن تسويقها محلياً وإقليمياً، والمسار التاريخي لمثل هذا التصرف يثبت بشكل مستمر أن الغطاء الأيديولوجي يقوم بخنق كل مَن يضع نفسه رهينة له، فهل حدث غير ذلك؟!
مارس نظام الحمدين تنبؤات متناقضة حول شكل المنطقة ومستقبلها، ولذلك كانت كل تصرفات الدوحة خلال عقدين تُبنى على أن التغيير في المنطقة يمكن أن يحدث عبر لعبة التناقض وعبر التدخلات وتحفيز الأفكار المنحرفة، وقد شاهدنا مساهمة الجزيرة ونظام الحمدين خلال الأزمات التي اجتاحت العرب خلال السنوات الماضية، لقد كان نظام الحمدين يرى أن التحولات يمكن صناعتها بعيداً عن السياق الاجتماعي والتاريخي والثقافي للشعوب عبر استخدام المال والإرهاب حتى أن هذا النظام اعتقد أنه من السهل فهم التغيير أو إحداثه في دول خليجية يقترب عمر بعضها من أربعة قرون، حيث لم تُولد قطر بعد.
هذه النتيجة التي وصلت إليها قطر ليست من صنع جيرانها بل هي من صنع الجهل بالتاريخ وحقائقه بل الجهل بالسياسة؛ فمَن يقترب من شجرة التاريخ دون أن يعرف قوة تأثير ثمرها سوف تنزع ملابسه بسرعة ليقع في الأزمة، الحقيقة الصعبة التي يجب أن يتجرعها نظام الحمدين أن النفق المظلم الذي دخلته قطر قبل عقدين من الزمن ينتهي اليوم إلى نتيجة طبيعية يقررها التاريخ قبل دول المقاطعة، بأن اللعب بقواعد السياسة له نتائج كثيرة لعل من أقلها نفقاً مظلماً آخر تدخله قطر كنتيجة لأعمالها وقناة سلوى أكبر دليل، ومع كل ذلك فإن الفرصة الأخيرة للتصحيح ما زالت متوفرة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة