التقارب مع روسيا سيُعزِّز من قبضة أنقرة في الملف السوري والأوكراني وقضية شبه جزيرة القرم
عندما يدعو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهو في طريقه إلى سوتشي للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين، مَنْ يَرون أن لا حل عسكرياً في سوريا، إلى سحب قواتهم من هذا البلد، ويردّد أن الولايات المتحدة لديها 13 قاعدة عسكرية وروسيا لديها 5 أخريات هناك، فهذا يقود إلى استنتاج وحيد أن أنقرة غاضبة ومتخوِّفة من سيناريو أميركي روسي يتقدم في سوريا، وسيكون على حسابها.
ما قيمة أن يلتقي أردوغان وبوتين 8 مرات خلال 15 شهراً وتكون النتيجة أن تتفاهم موسكو مع واشنطن على خطة التسوية السياسية في سوريا، ويتم إبلاغ تركيا بعدم عرقلة خارطة الطريق المتفق عليها هذه المرة؟.
الإعلام التركي المقرب من الحكم عنوَن حول التفاهم التركي الروسي على التسوية السياسية في تركيا، بينما حقيقة ما قاله أردوغان هو إن "تركيا وروسيا اتفقتا على التركيز على حل سياسي في سوريا"، وكذلك ما قاله بوتين "سنواصل العمل مع تركيا للمساعدة في حل الأزمة السورية".
البعض يريد أن يتحدث عن إنجازات تاريخية مبكرة في الملف السوري مع أن صورة المشهد ما زالت غامضة ومشوَّشة ومربكة بالنسبة لتركيا . الذي يقلق أنقرة هو احتمال حصول التفاهم الأمريكي الروسي حول المشروع الدستوري والسياسي لبناء سوريا الجديدة على حسابها.
البعض يريد أن يتحدث عن إنجازات تاريخية مبكرة في الملف السوري مع أن صورة المشهد ما زالت غامضة ومشوَّشة ومربكة بالنسبة لتركيا. الذي يقلق أنقرة هو احتمال حصول التفاهم الأميركي الروسي حول المشروع الدستوري والسياسي لبناء سوريا الجديدة على حسابها .
الكثير من المؤشرات والمعطيات تقول إن الملف الأول والأهم على طاولة الحوار بين الرئيسين، الروسي والتركي، في لقائهما الأخير بمدينة سوتشي، كان مناقشة نتيجة المحادثات والتفاهمات الأميركية الروسية، وتصورهما المشترك لسبل الحل في سوريا، وتبرع بوتين بنقلها إلى الأتراك ومناقشتها معهم طالما أن المواقف التركية والأميركية ما زالت متضاربة ومتباعدة حول هذا الموضوع .
إعلان نائب الرئيس الأميركي مايك بنس أمام رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم العائد من واشنطن مؤخراً، أن بلاده ستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية حتى بعد القضاء على داعش في سوريا، لا يعكس حجم استمرار التوتر والتباعد التركي الأميركي في هذا الملف وحسب، بل حقيقة أن واشنطن وموسكو لعبتا ورقة ترامب المتمسك بتعزيز التحالف مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا، وترك أنقرة أمام خيار وحيد هو الإمساك بحبل الخلاص الروسي، وتبني ما يقوله بوتين كصيغة حل مرضية .
إبراهيم كالن المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أعلن أن بلاده لا تنوي حضور المؤتمر الوطني السوري، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن أنقرة ستتمسك بموقفها هذا حتى النهاية، وأن العروض التي ستُقدَم لها ستدفعها حتما لتغيير ما تقوله، والدليل أن كالن نفسه قال إن "الكرملين اتصل بنا ليقول إن اللقاء قد أُرجئ، ولن يُعقَد في 18 بل في موعد لاحق" .
تمسك موسكو، كما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بفكرة عقد مؤتمر شعوب سوريا أو مؤتمر الحوار الوطني السوري، وتوسيع دائرة المشاركين في عملية التسوية تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الذي يدعو لتوفير مفاوضات شاملة بين الحكومة وجميع أطياف المعارضة، ومع جميع المجموعات السياسية والعرقية في سوريا، تمسك يعكس حقيقة وجود الرغبة الأميركية الروسية حول تواجد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، الذي تصفه تركيا بالإرهابي أمام الطاولة، فكيف ستتعامل أنقرة مع تفاهم من هذا النوع؟، وما هو المخرج المحتمل الذي طرحه بوتين على أردوغان للالتفاف على العقبة التركية على طريقة "لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم"؟.
لافروف قال إﻥ ﻣﻮﺳﻜﻮ ﻭﺟﻬﺖ ﺍﻟﺪﻋﻮﺍﺕ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﺍﻷﻃﺮﺍﻑ، ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳﺔ ﻭﻛﻞ ﻓﺼﺎﺋﻞ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺍﺳﺘﺜﻨﺎﺀ، ﺳﻮﺍﺀ ﻛﺎﻧﺖ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﺃم ﺧﺎﺭﺟﻬﺎ ، وهو من الصعب أن يقدم على خطوة من هذا النوع دون أن يناقشها مع واشنطن، وهذا ما حصل كما هو واضح حتى الآن .
البيان المشترك للرئيسين الأميركي والروسي الذي صدر في أعقاب لقائهما الأخير يدعو إلى الحفاظ على قنوات الاتصال العسكرية الموجودة؛ لضمان أمن القوات المسلحة للولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الروسي. كما اتفقا على أن"الصراع في سوريا ليس له حل عسكري"، مشيرين إلى أن التوصل إلى تسوية سياسية نهائية للصراع يجب أن يكون في إطار عملية جنيف، وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254، بما في ذلك تغيير الدستور والانتخابات الحرة والنزيهة، وتحت إشراف الأمم المتحدة وإعطاء الحق لجميع السوريين، بمن فيهم من هو موجود الآن في الشتات، الحق بالمشاركة فيها، وهي رسالة تعني تركيا وإيران قبل غيرهما .
روسيا وأميركا وصلتا إلى قناعة ضرورة حسم الدور الإيراني في الملف السوري، فما الذي ستقوله وتفعله أنقرة هنا؟ . هذا كان أساس النقاش التركي الروسي الأخير في سوتشي، ربما ما قاله الإيراني خامنئي حول أن معركتهم المشتركة في سوريا هي ليست من أجل وضع حد لأطماع أمريكا في المنطقة، بل إخراجها منها أيضاً، قابله التحرك الأميركي الروسي الأخير نحو تركيا لإبلاغها بحسم موقفها وخياراتها الإقليمية .
الرئيس التركي ردد أكثر من مرة أن بلاده تتعاون بالكامل مع روسيا في المجال العسكري في سوريا . وأنقرة تريد إخراج مجموعات سوريا الديمقراطية من مدينة منبج إلى شرق الفرات ، وهي تريد تسريع عملية إدلب وحسم موضوع عفرين، فهل تكون الصفقة الثلاثية الأميركية الروسية التركية هناك مقدمة لإقناع أنقرة بتغيير مواقفها في مسألة مشاركة هذه المجموعات الكردية بحلة ومخرج جديدين في مؤتمر الحوار الوطني السوري؟.
هل يكون المزيد من الضمانات الروسية لتركيا في تسريع وتيرة التعاون بين البلدين في مجالي الصناعات الدفاعية والطاقة النووية، وإنهاء ملفات التوتر في أقليم قره باغ ومنطقة القرم، وإشراك روسيا في مشروع خط الحرير الحديدي الجديد الذي وُضِعت أسسه بين تركيا وأذربيجان وجورجيا، وتستعد الصين للالتحاق به، إلى جانب تسريع الأعمال في مشروع السيل التركي لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر تركيا، ومحطة " أك كويو " للطاقة النووية السلمية في تركيا الذي تشرف عليه روسيا، جزءاً من مواد التفاهمات التركية الروسية التي تفتح الطريق أمام التسوية السورية؟.
الإعلام التركي نقل عن مصدر رفيع المستوى في رئاسة الجمهورية قبل فترة، بأن التقارب مع روسيا سيعزّز من قبضة أنقرة في الملف السوري والأوكراني، وقضية شبه جزيرة القرم، وهذا ما يعكس حقيقة وجود خارطة تفاهمات واسعة قد تقود إلى مراجعة مواقف والتخلي عن مواقف أخرى .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة