الشاهد أن الماضي لم ينبت الصلة يوما بالمستقبل، وللإجابة على علامات الاستفهام المتقدمة ربما ينبغي على القارئ أن يتذكر معنا مراحل عديدة
على ضآلتها، وعدم وطنيتها، يستدعي بعض مشاهد الأسبوع الماضي في مصر المحروسة سؤالا جوهريا وجذريا: "ماذا يريدون من مصر، ومن هم أصحاب الأيادي السوداء الخبيثة الواقفة وراء شحن بعض الموتورين ولو بالأكاذيب، وهل يمكن لمثل هذه الأصوات الضالة أن تهز أمن واستقرار مصر أمس واليوم أو غدا؟
تبقى سيناء وما يجري فيها من بناء وتعمير وممرات أمرا يغيظ قلب الأعداء، أولئك الذين يستجلبون بعض الخونة اليوم لترديد أضاليلهم عبر وسائط التواصل الاجتماعي من خارج مصر، متقولين على بطولات الجيش المصري في مواجهة الإرهاب والإرهابيين هناك بالزور والبهتان
الشاهد أن الماضي لم يكن بعيد الصلة يوما عن المستقبل، وللإجابة على علامات الاستفهام المتقدمة ربما ينبغي على القارئ أن يتذكر معنا مراحل عديدة عاشتها مصر طوال أكثر من مائة وخمسين عاما، فمنذ زمن الوالي الألباني الأصل محمد علي، الرجل الذي بدأ بناء مصر الحديثة، وحتى أوان الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي خلص مصر والمصريين من ظلام الأصوليات القاتلة، لم تتوقف المؤامرة.
يكاد المرء أن يقتنع بما لا يقبل الشك أن هناك من يتربص بأي تجربة نهوض مصرية، هذا ما جرى مع الباشا الذي تم إجهاض تجربته من خلال استدراجه إلى معارك بحرية تكالبت عليه فيها أوروبا وحطمت أسطوله، وتاليا جرى إفشال ثورة المصريين بقيادة عرابي ودخول الجيش البريطاني إلى مصر، ومن بعدها تخريب ثورة 1919، وصولا إلى تجربة عبد الناصر بكل ما لها وما عليها، والتي كانت تجربة وطنية في كل الأحوال، استنهضت مصر والعالمين العربي والإفريقي، ولهذا كان ولا بد لها بدورها من أن تتكسر على صخرة نكسة يونيو/حزيران 1967 .
والآن وبعد ست سنوات من زمن البناء والنماء، تبدأ مرة جديدة دوائر الإثم والشر تلقي بخطوطها وتنسج خيوطها، في محاولة مكتوب لها العدم لإرجاع عقارب الساعة إلى الوراء، عبر أصوات يعلم القاصي والداني أنها منحولة وكاذبة، مغرضة ومسخرة لخدمة أجندات أجنبية.
ما الذي يريدونه من مصر، وهل نهضة مصر تخيفهم إلى هذا الحد؟
عبر ست سنوات استنهض السيسي همة وشجاعة المصريين، والرجل في واقع الأمر مستقبله وراءه أكثر من المستقبل الذي أمامه، بمعنى أنه لو لم يكن قد فعل شيئا آخر سوى أنه خلص مصر من الظلاميين لكان ذلك كافيا جدا.
غير أن أحلام وطموحات السيسي في بناء دولة مصرية عصرية لم تتوقف عند الماضي، بل إنها تمتد إلى الأمام تعمر وتعلي، في الحجر والبشر معا، وما يفعله على صعيد البنية التحتية المصرية لم تفعله مصر عبر عقود طوال.
القضية إذن غير موصولة بمجرد ادعاءات لا أساس لها من الصحة حول الإنفاق الخاص في قصر رئاسي أو أكثر، ذلك أنه لو أراد الكائدون أن يعدوا ما قد تم بناؤه سيجدون أن هناك المئات من المشروعات الفائقة التي لم تعرفها مصر من قبل قد وجدت طريقها إلى الواقع، ما يعني نقل مصر إلى مقام أنفع وأرفع لشعبها وإطارها الإقليمي العربي.
المصارحة والمكاشفة هما الحل المؤكد، والأهم الأعلام الواعي الصادق، ذلك القادر على الوصول إلى الآخرين، محليا وإقليميا لمواجهة أضاليل الإعلام التركي، وبقية الدوائر التي تحمل شرا مجانيا لمصر.
باختصار غير مخل، هناك من القوى الإقليمية القريبة جدا، والكارهة تاريخيا للمصريين، والتي تبقى مصر رعبا لهم عبر القرون، ناهيك عن التوجهات الاستراتيجية القاتلة للبعض الآخر في السياق الدولي، لا يود أن يرى مصر في الحال أو الاستقبال دولة ناجحة ناهضة، بالضبط كما يحدث مع الدول العربية الشقيقة في منطقة الخليج العربي في هذا التوقيت .
لقد حاول هؤلاء هدم مصر عام 2011 بنفس الأسلوب، أي الاختراق من خلال جماعات الإسلام السياسي، تلك المعروفة بولائها وانتمائها لمن، ومن الذي كان وراء إنشائها، وما الذي تهدف إليه؟ غير أن المصريين ومن خلفهم مؤسستهم العسكرية الوطنية أفشلوا وأبطلوا تلك المؤامرة، وتحطمت على صخرة 30 يونيو/حزيران 2013، فهل يعاودون الكرة الآن؟
قبل الجواب ينبغي الإشارة إلى بعض النقاط الرئيسة في سياق التحليل، تلك التي تزعج أصحاب استراتيجية هدم مصر، والذين يبقى هدفهم واضحا جدا أمام أعينهم، وإن حاولوا الالتفاف عليه من حول التضاريس الجغرافية والديموغرافية .
تُرى هل كانت تلك الدولة العميقة ترضى أن تتصاعد حظوظ الجيش المصري ليضحى القوة العاشرة حول العالم عدة وعتادا، وبعقيدة عسكرية قتالية وطنية، وهم الذين كانوا يحلمون إلى تحويله لمجرد وحدات كل مهمتها مطاردة الجماعات المارقة، ما يعني تفكيك وتفتيت الجيش المصري؟
المؤسسة العسكرية المصرية هي المستهدفة هذه المرة، ولهذا فإن الأصوات الضالة تحاول أن تجعل من مشروعاتها وطموحاتها التنموية لخدمة مصر والمصريين "كعب أخيل" الذي تنفذ منه لتحطيم مصر، غير أنه يغيب عنها أنها لن تفلح لسبب بسيط هو أن المصريين لا يمكن أن تنطلي عليهم هذه الخدع .
مصر تتحول وبشهادة كبريات مراكز الأبحاث الأمريكية إلى مصدر كبير للطاقة في حوض البحر الأبيض المتوسط، فمن جانب تتعاظم اكتشافات النفط يوما تلو الآخر، سواء على شواطئ مصر، أو في الدلتا، وكافة المؤشرات تشير إلى انفراجة اقتصادية كبيرة، ناهيك عن تحول مصر إلى مركز لإسالة الغاز من دول الجوار ومن ثم تصديره إلى أوروبا، وهنا نتساءل من الذي لا يسره في الصحو أو المنام تلك الصحوة الاقتصادية المصرية؟
ثم خذ إليك جزئية مثيرة جدا وهي أن مصر وحتى الساعة لا تزال رافضة لما عرف باسم صفقة القرن، تلك الصفقة الهلامية التي يراد من خلالها إنهاء عدالة القضية الفلسطينية وإضاعة الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني مرة وإلى الأبد، وهنا تقف مصر رافضة أي طرح آخر سوى حقوق للشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، فهل هناك من يريد معاقبة مصر؟
تبقى سيناء وما يجري فيها من بناء وتعمير وممرات أمرا يغيظ قلب الأعداء، أولئك الذين يستجلبون بعض الخونة اليوم لترديد أضاليلهم عبر وسائط التواصل الاجتماعي من خارج مصر، متقولين على بطولات الجيش المصري في مواجهة الإرهاب والإرهابيين هناك بالزور والبهتان .
يعي المصريون أهمية وخطورة اللحظة الآنية، والمؤكد أن مصر تدرك كل ما يراد بها، وأن النسيج المجتمعي المصري قادر على ضرب المؤامرة من جديد في مقتل.. حمى الله مصر الكنانة في الحال والاستقبال من كل شر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة