الشعرة التي قصمت ظهر العراق أن الوضع الاقتصادي للناس تدهور إلى أدنى مستوياته
كيف تعبر الصورة الكبرى عن الأحداث الجسام في ميادين العراق وساحاته وشوارعه؟ وهل هي نهاية مرحلة وبدء أخرى؟ فالواضح أن الشعب العراقي يكسر قيد المرجعيات واحدة تلو الأخرى، بعد أن قرر خلعها بيديه إلى غير رجعة.
الصراع الأيديولوجي والتناحر السياسي على المال والمصالح في غاية القبح والبشاعة، وهو ما أفسد منظومة المصالح العليا، كذلك أسهم التدخل الإيراني المؤدلج بمصالحها إلى تفاقم الوضع، فالإنسان تحول إلى رقم على الهامش في معارك سرقة ثروات العراق
هو حراك أكبر مما يحاول البعض أن يختزله في كلمات، فخروج العراقيين في الجنوب في ظاهره كسر للقيد الإيراني، لكنه في حقيقة الأمر يعبر عن درجة غليان ضد التدهور الاقتصادي والفساد المالي بسبب الفساد السياسي.
التصورات الشائعة عن اليمين أو عن اليسار في عوالم السياسة محكومة بالحالة الاقتصادية للشخص أو للمجتمع، فالمرجعيات تحولت إلى مصدر من مصادر الثراء، لذا تدفع في اتجاه الطاعة والأخلاق الطائفية، وقد راقبنا كيف كونت بعض الرموز الدينية ثروات خيالية، بسبب مواقفهم التي تسهم في حالة استقرار سياسي ما.
الشعرة التي قصمت ظهر العراق أن الوضع الاقتصادي للناس تدهور إلى أدنى مستوياته، بينما تتراكم ثروات المرجعيات والسياسيين الفاسدين، وهو ما أسقط آخر الشعرات على ظهر الجمل العراقي، فكان الخروج الفوضوي في الشوارع أو الثورة.
ما يحدث في العراق ليس حالة أيديولوجية تعبر عن حق أو ضلال، ولكنْ تعبير شعبي سياسي غاضب من حالة الفقر والمرض التي أنهكت شعب دولة من أغنى الدول العربية، بعد أن سرقت الأيديولوجيا منهم الحلم بعد الاستيلاء على ثروات العراق.
على مدار العقود المتوالية عملت المرجعيات الدينية أو الثقافية على بناء منظومة من الأخلاق التي تخدم مصالحها، وتحقق لهم السيطرة على عقول الناس، لكنها الآن تنهار من أعلى الهرم بعدما وصل الوعي بأساليبها الملتوية إلى حالة التمام، وهو ما أدى إلى انهيار تلك القيم، والعمل الآن يقوم على بناء أخرى تتوافق مع العهد السياسي الجديد.
ذلك لا يعني أن الأيديولوجيات التي تظهر القيم وتبطن المصالح لا تكسب أحياناً، فقد تكسب إذا استطاعت أن تحافظ على الأمن الاجتماعي والاقتصادي للسكان، وهي بذلك تمسك زمام المبادرة أمام الجميع، وتحافظ على السلم الاجتماعي، ويبدو ذلك جلياً في كثير من دول العالم.
في العراق الوضع يختلف نوعاً ما، الصراع الأيديولوجي والتناحر السياسي على المال والمصالح في غاية القبح والبشاعة، وهو ما أفسد منظومة المصالح العليا، كذلك أسهم التدخل الإيراني المؤدلج بمصالحها إلى تفاقم الوضع، فالإنسان تحول إلى رقم على الهامش في معارك سرقة ثروات العراق.
ما يحدث في العراق لم يكن وليد المرحلة، فسرقات ثرواته بدأت منذ أيام الغزو عندما استباح الغزاة ثرواته وسرقوا متاحفه ومجوهراته، وبعدها سمحوا للعدو التاريخي أن يجتاح بلاده، وحدث ما حدث بعد أن كان سداً منيعاً ضد الغزاة.. لكن الشعب العراقي يعيد للعراق الآن كلمته، فهل ينجح؟
نقلاً عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة