جماعات الإخوان المسلمين - وبرغم خصوصية كل حالة - تواجه مرحلة جديدة من الإخفاقات الجديدة ربما ستدفعها إلى العمل على عدة مسارات.
تواجه جماعات الإخوان المسلمين في الإقليم سلسلة من الإخفاقات والانكسارات الجديدة، ولعل ما يؤكد هذا ما تشهده الساحة الأردنية من تطورات مهمة تتعلق بمستقبل جماعة الإخوان المسلمين الأم، وصدور حكم محكمة التمييز والتي أكدت أن جماعة الإخوان منحلة حكما وفاقدة لشخصيتها القانونية والاعتبارية، على خلفية عدم قيامها بتصويب أوضاعها القانونية وفقا للقوانين والتشريعات الداخلية على عكس جمعية الإخوان، والتي تم تأسيسها رسميا وفقا للقانون الأردني، وباتت تحظى بمشروعية قانونية لافتة مما أدخلها في صراع قانوني طويل وممتد على المقرات والعقارات .
ومن المتوقع أن تفتح ملفات الجماعة على مصراعيها قبل أشهر من إجراء الانتخابات التشريعية، وهو ما سيؤثر على ما تخطط له جماعة الإخوان لتحقيق نتائج إيجابية بعد أن انتهت مرحلة المقاطعة السياسية للاستحقاقات الدستورية، وبعد أن أصبحت الجماعة تخطط للحصول على أغلبية في مجلس النواب، وهو أمر مستبعد تماما في ظل تصاعد دور القوى المدنية والعلمانية في الشارع الأردني، ووجود اتفاق جمعي على مخاطر وتوجهات التيار الإسلامي سواء كان السلفي أو الإخوان، خاصة وأن الممارسات السياسية للجماعة لم تكن على أرضية وطنية مما دفع أجهزة الأمن لغلق فروع نقابة المعلمين بمدن الأردن بعد عدة أسابيع من الإضراب العام في ظل محاولات التنظيم اختبار الدولة وقدراتها على المواجهة، برغم ما يتعرض له الأردن من تحديات حقيقية داخلية وإقليمية .
أما الحالة التونسية فتشهد تطورات أخرى سلبية لجماعة الإخوان، حيث تسعى حركة النهضة لضرب الاستقرار السياسي في تونس ودفع البلاد إلى حافة الهاوية، ومحاولة تصدير أزمة هيكلية من داخل البرلمان مرورا بالحكومة، والإشكالية ليست فقط في استقالة حكومة وتولي أخرى، بل في الممارسات السياسية العبثية التي اتبعتها حركة النهضة وعناصرها، وهو ما يدفع إلى وجود مخاطر على الحالة العامة للبلاد في حال استمرار المشهد السياسي الراهن برغم البدء في إجراءات تشكيل حكومة جديدة تحت سقف الوطن، خاصة وأن مبدأ النهضة كان في السابق – وفي إطار مراوغات سياسية معلومة - يركز على فكرة المشاركة لا المغالبة، وهو ما أوهم القوى السياسية في الاستمرار بالعمل معا، واليوم يتغير المشهد السياسي بأكمله حيث لا توجد خيارات وسط، والتربص بإدارة المشهد بأكمله، ودفع البلاد لحافة الهاوية بدون مراعاة مصالح الوطن العليا خاصة وأن تونس ليست بمنأى حقيقي عن التطورات السلبية في الإقليم بكل ما فيه، حيث المواجهات المرتقبة في ليبيا واحتمالات تحرك عناصر الإرهاب من مالي والنيجر وتشاد إلى مناطق التماس، والمعنى أن تونس في قلب تطورات عاصفة، ومع ذلك تفكر حركة النهضة من منظور ضيق وليس وفقا لرؤية وطنية حقيقية .
أما في قطاع غزة فلا تزال حركة حماس تواجه مأزق الاستمرار في حكم القطاع، وبرغم كل التحديات الصعبة التي يشهدها القطاع، فإن حركة حماس تتحرك في دوائر من المصالح الضيقة حيث ترفض تنفيذ استحقاقات المصالحة، كما تسعى باعتبارها حركة نفعية مصلحية لرسم سياسات مباشرة خارج نطاق السلطة الفلسطينية المنهكة في التعامل مع مشروع الضم، وتتجاوب مع الطرح الإسرائيلي في الحصول على تسهيلات اقتصادية، والاستمرار في مخطط التهدئة، والدعوة لتنفيذ الاستحقاقات الاقتصادية في ظل مخطط الحركة للبقاء في الحكم، وعدم العودة إلى وحدة الأراضي الفلسطينية، ولعل تغيير ميثاق حركة حماس واقترابه من رؤية حركة فتح والقبول بحدود يونيو 1967، ما يؤكد على واقعية ونفعية فكر الحركة، والتي أعلنت قولا لا فعلا تفكيك علاقاتها مع جماعة الإخوان المسلمين المركزية، وهو أمر لم يتم بصورة حقيقية، ويتشابه مع ما أقدمت عليه جماعة الإخوان المسلمين في الأردن حيث أثبتت تطورات ممارسات جماعات الإخوان المسلمين في الإقليم، وعلاقاتها بأنظمة الحكم - وبصرف النظر عن المسمى - أنه لم يتم تفكيك أية علاقات بل بالعكس تزايدت عبر التنظيم الدولي للجماعة، ومن خلال مخطط متكامل يدفع بدعم وارتباط هذه الجماعات ومساندتها بصورة كبيرة، ومن الواضح أن حركة حماس، وبعد أن تعرضت لاختراق أمني كبير قام به جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، فإنها ستؤجل الانتخابات الداخلية، والتي كان مقررا أن تجري قبل نهاية العام .
الخلاصة أن جماعات الإخوان المسلمين - وبرغم خصوصية كل حالة- تواجه مرحلة جديدة من الإخفاقات الجديدة ربما ستدفعها إلى العمل على عدة مسارات. الأول : التهدئة والانتظار تخوفا من الخيارات الصفرية مما قد يفقدها ما حققته من "إنجازات حقيقية" داخل الساحة السياسية خاصة المشاركة في الحكم، أو السعي لتحقيق مكاسب برلمانية جديدة، وهو إجراء كثيرا ما تعاملت معه جماعة الإخوان المركزية ومضت جماعات الإخوان في الإقليم على نهجها. الثاني: إعادة تدوير الخطاب الإعلامي والسياسي والذي يتسم بالمراوغة السياسية والدعوة للمشاركة لا المغالبة، مع التأكيد أن لديها إمكانيات الحكم والتولي باعتبارها جزءا من النسيج المجتمعي في الداخل، وهو أمر كان يتطلب منها العمل انطلاقا من حسابات الوطن، وليس الحسابات الضيقة، والتي أدت إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي، والاستمرار في دوائر مفرغة من الممارسات السياسية غير الرشيدة .
ويبقي السؤال مطروحا كيف سيتعامل التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين مع ما يجري من إخفاقات راهنة؟، وهل سيبادر بالتدخل لإنقاذ بعض جماعات الإخوان الفرعية ودفعها لاستعادة دورها في الأردن وغزة وتونس مع نقل رسائل لسائر الجماعات الأخرى؟، إن الإجابة تتطلب التأكيد على أن التنظيم ذاته يعاني من أزمة هيكلية حقيقية قد تضعف دوره في أداء أي دور حقيقي، وأنه فقد التنسيق الحقيقي مثلما كان في مراحل سابقة، وبالتالي فإن حالة الانكسار لجماعات الإخوان الفرعية ستستمر في ظل التطورات السلبية في الإقليم .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة