شرعت السنغال في 14 يوليو/ تموز الجاري، بتشييد مخيم عسكري جديد في غوديري، في مسعى منها للتكيّف مع الظروف الجديدة للتهديد الإرهابي القادم من الشرق بسبب الضغط على الإرهابيين في مالي.
هناك من يستفيد حالياً من الفوضى في غرب أفريقيا والتي تضرب مالي هذه الأيام، من خلال توظيف السخط الشعبي السائد طيلة سنوات على النخبة السياسية والاقتصادية بأكملها. ويتم ذلك باستخدام مجموعات احتجاجية مثل تنظيم (أم-5 أر أف بي) كحصان طروادة للزج بـ "محمود ديكو" كرقم صعب في المشهد السياسي في البلاد. وفي العاشر من يوليو/ تموز الجاري، دعا "ديكو" لعصيان مدني، مع العلم أن هذه الدعوة قد تكون بمثابة الانتحار بالنسبة لمالي، لكن في الواقع، كان ديكو يبحث عن تأسيس بيئة مواتية له للقاء رؤساء البلدان الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (سيداو).
وبالتوازي مع تلك الاجتماعات، يتم عقد لقاءات أخرى معلنة بين الحكومة المالية ومايسمى "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" بهدف البحث عن السلام المفقود، وأخرى غير ملعنة بين جزء من فرع "القاعدة في المغرب الإسلامي"، جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وفرع داعش في الصحراء الكبرى.
وسبق لديكو أن أطلق تصريحات سنة 2013 مفادها أنه يتعين على السلطات المالية أن تحاول التفاوض مع الإسلاميين الماليين، مع "طرد الأجانب الذين جاءوا لفرض الشريعة علينا" على حد وصفه. وإذا كان ديكو لا يزال يحافظ على هذا الطرح، فإن ذلك يعني أنه يؤيد المحادثات مع القاعدة بينما يعارض تدخل داعش في بلده.
ونتساءل هنا: ما الذي يمكن أن ينتج عن كل هذا؟ لا شيء جيد على الإطلاق. وعلى الرغم من أن احتجاجات السكان على سوء الأوضاع في غرب أفريقيا مشروعة، إلّا أن التوقيت الحالي هو الأسوأ للانقضاض على الدولة الضعيفة والهشة أصلاً، ومن شأن مناورات من هذا النوع للحصول على قطعة من الكعكة، أن تؤدي فقط إلى فوضى عارمة.
وإذا انتقلنا إلى البلد المجاور، النيجر، فإن الوضع ليس بأفضل. ويكفي أن نعلم أن الإرهابيين أنفسهم هم من يفرض النظام في شمال نيجيريا بالقرب من حدود النيجر، وكي تتضح لنا صورة عدم الاستقرار في هذا البلد الأفريقي فقد وصل الحال إلى أن لجأ السكان "للإرهابيين" لطلب الدفاع عنهم أمام هجمات قطاع الطرق الذين يختبئون في منطقة دومبوروم في زورمي-زامفارا الغابوية.
وبالانتقال إلى ساحل المحيط الأطلسي، فإن توغو، كحال بقية البلدان الساحلية المجاورة لها، مثل ساحل العاج وغانا وبينين، لديها مشكلة مزدوجة مع الإرهابيين. وتتعلق الأولى بكون المناطق الحدودية هي المكان المفضّل لداعش لتحصيل مداخيل دون الاضطرار إلى القتال لأنها مناطق لاستخراج الذهب بالطرق التقليدية. أما الثانية، فهي وجود أئمة في المنطقة ينشرون خطاباً متطرفاً، وهو نموذج صدّرته منظمة غير حكومية قطرية بهدف "تفريخ" المزيد من الإرهابيين المحليين للانضمام إلى الجماعات القائمة أصلاً.
وفي هذه الأثناء، وبالنظر إلى تدهور الأوضاع، شرعت السنغال، في 14 يوليو/ تموز الجاري، بتشييد مخيم عسكري جديد في غوديري، في مسعى منها للتكيّف مع الظروف الجديدة للتهديد الإرهابي القادم من الشرق بسبب الضغط على الإرهابيين في مالي. وبسبب ذلك، نزحت جماعة "الدعم الإسلامية" إلى كايس بمالي على بعد 200 كيلومتر فقط من الحدود مع السنغال. وتحسباً لأي طارئ، قامت السنغال بنشر مجموعة التدخل السريع والمراقبة في بيلي، في محاولة استباقية لدرء الخطر المحدق. بينما في غضون ذلك، تتصرف أوروبا العجوز كما لو أن هذه المشكلة لا تقلقها، لذلك فهي تتظاهر بالنوم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة