من المؤّكد أنّ روسيا ومنذ بدء تدخلها عسكرياً في سوريا كانت تبحث عن غطاء عربي مؤّيد لها في حربها على من تسميهم المجموعات المتطرفة
من المؤّكد أنّ روسيا ومنذ بدء تدخلها عسكريا في سوريا كانت تبحث عن غطاء عربي مؤّيد لها، لم يقبل التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة مشاركة روسيا في حربها على تنظيم "داعش المتطرف" فما كان من موسكو سوى تشكيل تحالف بدأته بنفسها وضمت إليه لاحقا وإن لم يكن بشكل علني في بادئ الأمر تركيا المبتعدة في علاقتها عن الولايات المتحدة، وإيران المنبوذة من أصحاب القرار في واشنطن.
لاشكَّ أنّ اختلاف الأهداف بين روسيا الساعية لدعم حليفتها دمشق والتحالف الداعم للمعارضة المسلحة حال دون دخول روسيا هذا التحالف المكوّن من ستين دولة تعمل جميعها على الحّد من نفوذ تنظيم "داعش"، والقضاء على خلاياها في العراق وسوريا خصوصا أن السنتين الأخيرتين شهدتا الكثير من الأعمال الإرهابية التي ضربت عمق أوروبا، باريس كانت صاحبة النصيب الأكبر والأكثر دموية، الطريق أمام روسيا في سوريا بات معبّداً تماما ولكن الرّوس يدركون تماما أنّ الأمور لن تسير على ما يُرام في المستقبل، وإن استطاعت الآلة العسكرية فرض هيمنتها على الأرض بالسيطرة على أغلب الأراضي السورية وطرد "داعش" منها وإضعاف المعارضة في أماكن وجودها.
لذلك باتت موسكو تبحث عن أرضية صلبة لها في سوريا بعد تحقيقها النصر على التنظيمات المتطرفة كما تقول، وهذا لن يأتي لها فقط بمجرد تحالفها العسكري مع إيران وتركيا اللتين ساعدتاها بتنفيذ خططها على الأرض فيما يخصّ مناطق خفض التوتر وإبرام عمليات التسوية بين المعارضة والنظام في قاعدة حميميم، ما ساهم بشكل مباشر في تقليص خسائر الروس العسكرية منها والسياسية كذلك.
التناغم الروسي المصري لا يعني بالضرورة تطابق الموقفين بشكل كامل فيما يخصّ النظرة الروسية للحل في سوريا، والأكيد أن التدخل الإيراني الخبيث لا يُرضي مصر ولا عروبتها، فهمس طهران بأنّها استولت على أربع عواصم عربية يَصِلُ الأذن المصرية وبشكل دائم، وهو ما لن تسكت عنه أرض الكنانة وإنّ تأخر ردها
من الذي يمنح روسيا هذه الأرضية التي تبحث عنها؟، لا إيران قادرة على ذلك ولا تركيا، فهاتان الدولتان مُقتصرٌ تأثيرهما في الوقت الراهن على البلد المتجذّر في محيطه العربي؛ والمرتبط عقل أبنائه الجمعي بمصير الأمة العربية من محيطها إلى خليجها.
مصر والسعودية هما الدولتان اللتان تبحث فيهما روسيا عن ضالتها رغم تشارك موسكو وأنقرة وطهران في مسألة ضمان الهُدن المبرمة على الأرض السورية، الرئيس الروسي سيصل مصر يوم الإثنين 11 ديسمبر الجاري كما أعلن الكرملين للقاء الرئيس عبد الفتاح السياسي في زيارة عمل لم تكن مجدولة فيما سبق ، زيارة تأتي عقب جولات مباحثات متتالية مكثفة لمبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى الشرق الأوسط والبلدان الأفريقية، وكيل وزارة الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف في المملكة العربية السعودية التي شكرتها موسكو على جهودها بتوحيد المعارضة في اجتماع الرياض مؤخراً، المبعوث الروسي التقى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان .
فما الذي يبحث عنه الرئيس الروسي في مصر فيما يخصّ سورية على وجه التحديد؟
في مراجعة بسيطة للموقف المصري من التدخل الروسي في سوريا نجد أنّه ثمّة موافقة على ذلك، فعقب أيام فقط من التدخل قال وزير الخارجية المصري سامح شكري إنّ دخول روسيا بما لديها من إمكانات وقدرات في هذا الجهد، هو أمر ترى مصر أنّه سوف يكون له أثر في محاصرة الإرهاب في سورية والقضاء عليه.
ليس هذا فحسب فكثيرا ما ارتفعت يدُ المندوب المصري مؤيدة قرارات روسية في مجلس الأمن الدولي عندما يتعلق الأمر بسوريا.
في الشكل يبدو أنّ الانسجام كبيرا تجاه سوريا ما بين موسكو والقاهرة التي تردد دائما أن العناصر المتطرفة "النصرة "و"داعش "تهدد بشكل مباشر مصر وأمنها القومي، وهذا ماقاد الرئيس المصري لتحذير جهاز مخابراته من أنّ من وصفهم بالإرهابيين الذين فروا من حلب وريفها سيدخلون بلاده.
التناغم الروسي المصري لايعني بالضرورة تطابق الموقفين بشكل كامل فيما يخصّ النظرة الروسية للحل في سوريا، والأكيد أن التدخل الإيراني الخبيث لايرضي مصر ولاعروبتها، فهمس طهران بأنّها استولت على أربع عواصم عربية يَصِلُ الأذن المصرية وبشكل دائم وهو ما لن تسكت عنه أرض الكنانة وإنّ تأخر ردها بسبب وضعها الداخلي، والتهديدات الأمنية التي تتعرض لها والتي كان آخرها الاعتداء الإرهابي على المصلّين الأبرياء في مسجد الروضة شمال سيناء .
مباحثات المسؤولين الروس في الرياض لم تجد طريقا سهلا من الأخيرة لتسويق حلِّ على الطريقة الروسية من دون ضمانات تقدمها روسيا للبدان العربية المتهجسة والحذرة من تعاظم الدور الإيراني، وكذلك التركي في سورية على حساب الدور العربي، لذلك يطرق القيصر الروسي هذه المرة الباب المصري ليدخل منه بغية إقناع المسؤولين السعوديين بوجهة النظر الروسية التي تعتمد تحجيم الدور الإيراني في سورية، وهذا مايرضي الرياض وبقية الدول العربية المؤيدة لها تجاه الخطر الذي تمثله طهران تجاه المنظومة العربية برمتها، وكذلك تسعى موسكو إلى شرعنة النظام عربياً بعد حصولها على إشارات إيجابية بذلك من الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي لاتزال تطالب وفد المعارضة الحاضر جنيف 8 التحلي بالواقعية السياسية لتسوية النزاع من خلال تجميد شرط رحيل الأسد في بداية المرحلة الانتقالية، وهذا ما يبحثه الروس في المنطقة العربية ومصر والسعودية على وجه التحديد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة