تجسس تحت الماء.. الأمن القومي للدول تحت رحمة «كابل في عمق المحيط»
أضحى ملف كابلات الإنترنت البحرية صداعا في رأس الأجهزة المعنية بالأمن القومي للدول، في ظل كونه ثغرة يمكنن التسلل منها إلى معلومات حساسة، أو بنية هشة يمكن أن تتسبب في الكثير من الاضطرابات بمجرد قطعها.
فعلى سبيل المثال، استهل مواطنو مملكة تونغا (أرخبيل في المحيط الهادئ) الأيام الأولى من عام 2022 بثوران بركاني ضخم تحت الماء كان أقوى بألف مرة من القنبلة التي ألقيت على هيروشيما، ما أدى إلى موجات تسونامي عبر جزر البلاد تسببت في قطع اتصال الإنترنت وحدوث أزمة.
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، عندما تم استعادة الكابل البحري الذي يوفر الإنترنت للبلاد بعد أسابيع كان حجم الاضطراب واضحا، ففي البداية أعاق نقص الاتصال جهود الإغاثة، وعلاوة على ذلك دمر الشركات المالية المحلية، التي يعتمد الكثير منها على التحويلات الواردة من الخارج، وكشفت بذلك الكارثة عن نقاط الضعف الشديدة في البنية التحتية التي تدعم عمل الإنترنت.
الإنترنت.. مصدر الحياة
ونقلت الغارديان عن نيكول ستاروسيلسكي، الأستاذة في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، إن الحياة المعاصرة لا تنفصل عن الإنترنت وبالتالي فهي تشبه إلى حد كبير مياه الشرب، وهي المرافق التي تدعم الوجود ذاته.
ويتم عبر الإنترنت كل شيء تقريبا، بما في ذلك مكالمات زووم، وبث الأفلام، ورسائل البريد الإلكتروني، ووسائل التواصل الاجتماعي وكل ذلك عبر الألياف الضوئية عالية السرعة الموضوعة في قاع المحيط، التي تمتد على مسافة 1.5 مليون كيلومتر تقريبا تحت سطح البحر.
صراع تحت الماء
والبيانات التي تدعم الاتصالات المالية والحكومية وبعض الاتصالات العسكرية تمر عبر كابلات لا يزيد سمكها عن خرطوم المياه، ولا يحميها سوى مياه البحر فوقها، وقد أصبحت في السنوات الأخيرة سبباً للقلق في جميع أنحاء العالم.
وفي عام 2017 أفاد مسؤولون في حلف شمال الأطلسي أن الغواصات الروسية كثفت مراقبتها لكابلات الإنترنت في شمال الأطلسي، وفي عام 2018 فرضت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقوبات على شركة روسية زُعم أنها قدمت "قدرات تحت الماء" لموسكو، بهدف مراقبة الشبكة تحت الماء.
ويعتقد المحللون أن الصراعات العالمية لها تأثيرات غير مقصودة ومدمرة على أنظمة كابلات الإنترنت، ففي فبراير/شباط الماضي هاجم مسلحون حوثيون سفينة شحن في البحر الأحمر، ومن المرجح أن يكون غرق السفينة روبيمار مسؤولاً عن قطع ثلاثة كابلات بحرية في المنطقة، مما أدى إلى تعطيل جزء كبير من حركة الإنترنت بين آسيا وأوروبا.
وأعربت الولايات المتحدة وحلفاؤها عن قلقها الشديد من أن الخصوم قد يستغلون الكابلات البحرية للحصول على "معلومات شخصية وبيانات واتصالات". وسلط تقرير الكونغرس لعام 2022 حول هذه القضية الضوء على الإمكانات المتزايدة لروسيا أو الصين للوصول إلى أنظمة الكابلات البحرية.
طريقة تجسس مألوفة
وتعتبر الكابلات طريقة تجسس مألوفة للغاية بالنسبة للولايات المتحدة، حيث إنه في عام 2013 كشفت صحيفة الغارديان أن جهاز المخابرات البريطاني استغل شبكة كابلات الإنترنت للوصول إلى كميات هائلة من الاتصالات بين أشخاص أبرياء تماما، فضلاً عن مشتبه بهم، ثم نقل هذه المعلومات إلى وكالة الأمن القومي الأمريكي.
كما أظهرت الوثائق -التي كشف عنها المبلغ إدوارد سنودن- أن كابلا بحريا يربط أستراليا ونيوزيلندا بالولايات المتحدة تم استغلاله للسماح لوكالة الأمن القومي بالوصول إلى بيانات الإنترنت الأسترالية والنيوزيلندية.
وعلى الرغم من مجموعة المخاطر والتحذيرات المتزايدة من الحكومات الغربية فإن الدعوات إلى اتخاذ إجراءات أكبر لتأمين شبكة الكابلات لم تتم الاستجابة لها إلى حد كبير، في حين يرى الكثيرون أن التهديدات مبالغ فيها.
وقال تقرير للاتحاد الأوروبي لعام 2022 "لا توجد تقارير متاحة للجمهور وموثقة تشير إلى هجمات متعمدة على شبكة الكابلات من قبل أي جهة، سواء كانت روسيا أم الصين أم مجموعة غير حكومية".
كان أحد الخبراء الذين تحدثوا إلى صحيفة الغارديان أكثر صراحة في تقييمه، ووصف تهديدات التخريب بأنها غير صحيحة، حيث إن البيانات تظهر أن أسماك القرش والمراسي وصيد الأسماك تشكل تهديدا أكبر للبنية التحتية العالمية للإنترنت.
وأظهر تقرير أمريكي حول هذه القضية أن التهديدات الرئيسية للشبكة هي "حوادث عرضية تشمل البشر".
وتم قطع كابل اتصالات تحت البحر عن طريق الخطأ بواسطة سفينة قبالة سواحل الصومال في عام 2017، مما أدى إلى انقطاع الإنترنت لمدة ثلاثة أسابيع بتكلفة 10 ملايين دولار يوميا".
الانتشار غير المتكافئ
ولكن بالنسبة للعديد من الخبراء فإن الخطر الأكبر على الإنترنت ليس التخريب أو التجسس، بل الانتشار غير المتكافئ للبنية التحتية للكابلات التي تمتد عبر العالم، وتربط الشبكات الرقمية العالمية معًا.
واعتبارا من عام 2023 كان هناك أكثر من 500 كابل اتصالات في قاع المحيط، لكن نظرة سريعة على خريطة شبكات الكابلات البحرية في العالم تظهر أنها تتركز إلى حد كبير حول المراكز الاقتصادية والسكانية.
ويعد الانتشار غير المتكافئ للكابلات هو الأكثر وضوحا في المحيط الهادئ، حيث يوجد في منطقة مثل غوام، التي يبلغ عدد سكانها 170 ألف نسمة فقط، التي تضم قاعدة بحرية أمريكية، أكثر من 10 كابلات إنترنت متصلة بالجزيرة.
ونيوزيلندا، التي يزيد عدد سكانها عن 5 ملايين نسمة لديها سبعة كابلات، وفي تونغا يوجد كابل واحد فقط.
وفي أعقاب ثوران بركان تونغا عام 2022 تم حث الحكومات في جميع أنحاء العالم على التحرك، وتكليف برصد نقاط الضعف داخل شبكة الكابلات البحرية الحالية، بينما عملت شركات التكنولوجيا على تعزيز الشبكات لضمان عدم حدوث مثل هذا الحدث مرة أخرى.
aXA6IDE4LjExNy4xODguMTA1IA== جزيرة ام اند امز