لا يسَعُ المراقب للانتخابات الإيرانية إلا أن يقرأ مقدمات قاتمة لنتائجها، التي أسفرت عن فوز المرشح المتشدد إبراهيم رئيسي.
ويعني هذا الفوز استمراراً للنهج المتشدد، الذي يتحكم بمفاصل إيران منذ عقدين من الزمن، وصولاً إلى انكشاف الدور الأول للمرشد الإيراني كحاكم فعلي وأوحد لها عبر قوات الحرس الثوري، التي تمثل الجيش الحقيقي للدولة.
فبالتزامن مع فوز "رئيسي"، كان هناك أكثر من حدث محلي في إيران، وإقليمي في المنطقة العربية، يمكن أن تُعتبر إشارات واضحة على اتجاهات السياسة الإيرانية في المنطقة، ففي يوم إعلان الفوز، بلغت هجمات "الحوثي" على المملكة العربية السعودية بالطائرات المسيرة أكثر من عشرين هجمة، وفي الأسبوع نفسه ازدادت الهجمات على القوات الأمريكية في العراق، كما تولت الفصائل العراقية الموالية لإيران مهمة الترويج لسياسات إيران القادمة، والتي تطلب المستحيل من العالم، بينما لا تقدّم له شيئاً.
فمن جهة، يصعب على أحد تصديق أنّ هناك تحولاً في السياسات الإيرانية في ظل ما تشهده المنطقة من توترات متصاعدة، وصولاً إلى الفرز العمودي بين الأطراف المختلفة في ساحات العراق وسوريا ولبنان على وجه الخصوص، فلا يمكن أن نتوقع اتفاقاً نووياً مع إيران يسمح لها بتخصيب اليورانيوم على نسبة 60 أو أعلى، كما لا يمكن أن نتوقع أن يكون مقبولاً بقاء السياسات الإيرانية التخريبية في المنطقة على ما هي عليه من تعنّت وازدواجية معايير.
فهي من جهة تطالب برفع العقوبات عنها، وفي الوقت نفسه تمارس أشد أنواع التدخل السافر عبر نقل تقنيات الصواريخ والطيران المسيّر وحرب العصابات إلى أتباعها في لبنان والعراق واليمن.
ومن جهة أخرى، يصعب على أحد تصديق أن إيران قد تعلمت مما مرت به من عقوبات وانهيار اقتصادي، أو أن السلطة الحاكمة فيها على الأقل، والمتجسدة اليوم في "رئيسي" المُعيَّن من المرشد عام 2019 في منصب رئيس السلطة القضائية تأكيداً لثقته المطلقة فيه، وهي سلطة غير قابلة لإحداث تغيير جذري في سياسات إيران الداخلية والخارجية على السواء.
هنا يصبح المطلوب من إيران أكثر مما يعبر عنه رئيسها بعد أسابيع حكمه الأولى، فقد أعلن سعيه لخفض التدخلات الأجنبية في شؤون المنطقة للصفر، فكيف يمكن أن نسمع منه هذا دون أن نُجبَر على مطالبته بكف يد مليشيات إيران في الإقليم؟، وكيف يمكن أن يتم فعلا خفض التدخلات الإيرانية في شؤون دول الجوار العربي؟ وهو السبيل الوحيد لقبول إيران مجددا شريكاً في الجغرافيا والاقتصاد، وصولاً إلى بناء مستقبل مشرق لشعب إيران وشعوب المنطقة، مستقبل قائم على السلام والحوار والتفاهم وحقوق الإنسان، وفي مقدمها حرية الرأي والتعبير، التي حُرم منها الإيرانيون ولا يزالون، حتى أن كثيرين منهم كان نصيبهم منذ عام 1988 الإعدام بقرار من "رئيسي" نفسه يوم كان الأشدَّ قسوة وقوة بين القضاة الأربعة، أعضاء ما أُطلق عليه "لجنة الموت"، التي كانت تقرر مصير آلاف المعتقلين الذين أُعدموا عند انتهاء فترات محكومياتهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة