بتنا نتابع الأخبار بألم ونتسمر أمام الشاشات لساعات طويلة وقلوبنا يعتصرها الأسى نتيجة موجة العنف المتصاعدة كلّ دقيقة في غزة وإسرائيل.
مشهد كارثي غريب، بعد أن عاشت منطقة الشرق الأوسط لحظة هدوء سياسي، أقله بعد توقيع الاتفاق السعودي الإيراني في الصين، ومبادرة الولايات المتحدة الأمريكية التي تم تقديمها للسعودية بما يخص العلاقة مع إسرائيل، والتصريحات الإيجابية التي صدرت وقتها على لسان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في آخر حوار تلفزيوني له مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية.
وقد رسمت أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول ملامح مخيفة لصراع قديم جديد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وجعلت منطقتنا العربية تراوح مكانها، لأن العالم كله يراقب ويتابع الأحداث الراهنة، لكن المشهد برمته يحتاج إلى شيء من التفكيك السياسي والميداني، كي نصل إلى حقائق واضحة الآن.
أولاً: أهداف كتائب القسام التابعة لحماس كانت - كما قالوا - أسر العديد من الإسرائيليين، وبالتالي إطلاق سراحهم مقابل إطلاق سراح كل الأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل، لكن تل أبيب - على ما يبدو - قامت بتفعيل "كود هانبيعل" القاضي بالتخلص من عبء الأسرى إذا استدعى الهجوم على حماس قتلهم مع سجانيهم.
ثانياً: المدنيون في غزة هم الحلقة الأضعف، فالأنفاق تحت قطاع غزة بحسب قيادي كبير في حماس صممت لحماية المقاتلين الفلسطينيين، وأما المدنيون فوق الأرض فلا أماكن تحت الأرض تقيهم شرّ القصف الجوي، لأنهم من مسؤولية إسرائيل كقوة احتلال والأمم المتحدة، والكلام لقادة حماس طبعاً، وبالتالي يمكن لنا القول أيضاً: المدنيون دروع بشرية لا حول لها ولا قوة.
ثالثاً: مع تراجع الدول الغربية عن مواقفها الداعمة لحلول آنية للأزمة، بات الموضوع أكثر تعقيداً، لأن أمريكا ومن خلفها الأوربيون يدعمون ما يسمونه "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وبالتالي لا مجال لوقف فوري لإطلاق النار ولو عبر قرار جديد لمجلس الأمن الدولي تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة ومعها كل العرب لإصداره منذ أسابيع.
رابعاً: محور إيران بكل أذرعه المسلحة ومليشياته يمارس عبثاً عسكرياً خطيراً، ففي لبنان تجتهد مليشيات حزب الله للزج بهذا البلد في أتون صراع خطير إذا أتت الأوامر من طهران بدخول الحرب وفتح بابها على مصراعيه، وأما الحوثيون فلديهم من الإرهاب العابر للحدود صواريخ ومسيرات باتت تستهدف شمال البحر الأحمر، ويتم إسقاطها على يد الأمريكان والإسرائيليين بحسب بيانات عسكرية منفصلة.
خامساً: المسار المتدرج لعنف متدحرج رويداً رويداً، جعل العراق أمام خطر كبير، إن من خلال استهداف القواعد العسكرية الأمريكية في العراق وسوريا، أو حتى التجمعات المليشياوية المسلحة المتزايدة على الحدود الأردنية العراقية دون سبب أو تبرير، وهذا أمر يترتب عليه الكثير من الحذر الشديد من وقوع المحظورات التي يتجنبها العقلاء.
سادساً: الموقف الأمريكي يراهن على معطيات تبدو غريبة، لكن الاتصالات الجارية مع واشنطن لا تزال غامضة، وحتى زيارة وزير خارجية الصين إلى واشنطن في ظل الظروف الراهنة، تلقي بظلالها على رسالة أمريكية مباشرة لطهران قد ينقلها الصينيون كما تذكر وسائل إعلام أمريكية مطلعة على ماهية الزيارة الصينية وتفاصيلها السرية.
سابعاً: لا شك أن فوهات المدافع ستصمت، والحرب ستتوقف، ولكن الثمن كبير جداً، لا سيما على المستوى الإنساني والبشري، والثقة بتعديلات على العلاقات مع المليشيات شبه معدومة، فالمليشيات خطر على أمن أي دولة، وحتى نتنياهو الذي استثمر كثيراً في العلاقة مع حماس وإيصال الأموال لها على مدى سنوات بات في مرمى الاتهامات ودوائر الاتهام التي تحيط به بعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وأخيرا وليس آخراً، قد يكون السباق الانتخابي الأمريكي المطل برأسه قريباً هو طوق النجاة المتوقع، لأن مفاتيح السلم والحرب لا تزال بيد أمريكا القادرة وحدها على إجبار إسرائيل على العودة إلى التهدئة، وإقناع الحلفاء لواشنطن بالضغط على حماس لتقديم تنازلات كبيرة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة