لديّ أمل أنه بعد هذا الفوز الساحق، أن تحرير القدس وفلسطين من الاحتلال الإسرائيلي سيكون على يد الرئيس رجب طيب أردوغان.
بانتشاء كبير قال لي صديقي المفتون بسحر السلطان: انتظرنا بشغف وصبر نتيجة التصويت، وها هي دعواتنا لرجب طيب أردوغان بالنصر لم تخب، وها هو السلطان يفوز على أعداء الدين، ويخلّد اسمه في الذاكرين بعد غزوته الأخيرة في صناديق الاقتراع.
نثر كلماته بسرعة ثم رشف من فنجانه رشفتين، ودون أن ينتظر الرد عاد ليكمل مرافعته بنشوة غامرة قائلا: تظهر على هذا الرجل علامات أولياء الله الصالحين في طريقة تعامله مع المواطنين، وبعدما أفشل انقلابا كاد يطيح به، وكان سيتركنا عراة أمام الأعداء الذين يتربصون بالمسلمين الدوائر.
قلت مازجا الجد بالهزل، أعرف انتماءك الأيديولوجي والسياسي، لكن هل تم تجنيسك بهوية تركية في غفلة مني يا صديقي، فأنت تتحدث وكأنه كان لك الفضل على هذا الرئيس وحزبه عندما فاز في انتخابات 2003، لتدافع عن خلوده في المنصب إلى غاية 2029؟
لا- قالها بحزم- لديّ جنسية واحدة ولدي أمل أنه بعد هذا الفوز الساحق أن تحرير القدس وفلسطين من الاحتلال الإسرائيلي سيكون على يد الرئيس رجب طيب أردوغان، وأنا مؤمن أنها ستكون حقيقة واقعة.
أنت طيب فعلا يا صديقي المفتون بسحر السلطان، ولا علاقة لك بالعوامل الحقيقية التي تحدد قرارات أصحاب القرار السياسي، ودون أن أتكئ على الخطاب الإقصائي فلك حرية الرأي وأن تفكر كما تشاء، ولا اعتراض لي على كيفية ممارسة مواطنتك كحق دستوري ما دمت تلتزم ببنوده وواجباته.
صديقي المفتون بسحر السلطان أردوغان، ما هي إلا سنوات قليلة حتى يتبين لك الخيط الأسود من الأبيض بخصوص سياسة تركيا الأردوغانية المبنية على الواقعية والبراجماتية، ولا علاقة لها بتثبيت أركان الإسلام أو محاولة إعادة فتح القسطنطينية، وآنذاك ستبحث عن وهم آخر تتعلق بأهدابه
اسمع يا صديقي، الذين يقولون إن الغرب يحارب أردوغان المسلم المنافح عن القيم الإسلامية يحتاجون إلى غربلة مسلّماتهم، فالولايات المتحدة وأوروبا التي تشاركها تركيا الحدود والممرات المائية والاهتمامات الاستراتيجية داخل حلف شمال الأطلسي، مازالت تحتاج إليه شريكا تحت الطلب في ملفات كالإرهاب والهجرة، ورغم كل شيء سيواصلون التعاون معه.
أردوغان وظف العقل الاقتصادي لتحقيق مشروعه السياسي، ونجح فعلا في مسعاه داخليا، ولاعب بشكل براجماتي، سياسيا وعسكريا، الأطراف الإقليمية والدولية للتموقع في المسألة السورية والعراقية والليبية، ولم يتوانَ في توطيد علاقاته التجارية والعسكرية والأمنية مع إسرائيل، وعمل كغطاء لأصحاب المصلحة على إعادة انتشار بلاده في أفريقيا على المستويات كافة.
بدا صديقي منصتاً دون اعترافه بالإحراج البادي على ملامحه، ومع ذلك قلت له تذكر جيدا صديقي المفتون بسحر السلطان أن أردوغان لا يعرفك سوى رقم في لائحة بناء تقوية ميزان بلاده التجاري، واقرأ جيدا أن تخليه عن سنة ونصف من ولايته ما هو إلا خطوة ذكية مقصودة لتكريس حضوره لسبع سنوات قادمة ليس لك فيها سوى متابعة مسلسل أرطغرل أو القرن العظيم والسلطان محمد الفاتح والأسد الباسل، واقتناء ماركة كوتون أو واككو، واعلم أن مشاركتك بالتطبيل والتصفيق بسذاجة لفوز سيفيد فقط بلاده أولا، وحزبه ثانيا، مجرد استنفاد غبي لطاقتك الاستيعابية وتفريغا لفشلك في التقييم والتقدير.
يبدو أنه لم ينتبه إلى ما قلته عن مسلسلات مثل السلطان محمد الفاتح والأسد الباسل مع حمولتهما الدعائية الواضحة لمشروع إمبراطورية عثمانية بمواصفات معاصرة، حيث أجاب بثقة زائدة قائلا: ألم تنصت إلى خطاب أردوغان عقب فوزه بانتخابات الرئاسة التركية، لقد أكد أمام الجموع الغفيرة من أنصاره، تأخرت عليكم لأن طفلا تعرض لحادث سير واضطررت لمرافقته إلى المستشفى وأتيت إليكم بعد أخذ الإذن من العائلة.
قلت من حقي أن أتساءل دون تجريح: أين وقعت الحادثة؟ وهل سائقه من ارتكبها حتى يضطر إلى مرافقة الطفل إلى المستشفى؟ وهل الطريق الفاصل بين محل إقامته وساحة الخطاب غير مؤمّنة كفاية حتى تقع تلك الحادثة أمام عينه؟
ومع ذلك لن تنطلي حيل الشعبويين سوى على من يجعل من نفسه- عن طيب خاطر ودون مقاومة- حقل اختبار لهم، سألت الصديق المفتون بحب السلطان، ألم تنتبه إلى أنه قبل المرور إلى صناديق الاقتراع سجن صلاح الدين دميرتاش المرشح الرئاسي عن حزب الشعوب، وزاد من القيود المفروضة على حرية التجمع وتكوين الجمعيات والتعبير، وغيرها من التدابير الاحترازية للمرور إلى ولاية ثانية.
أذكرك يا صديقي أن أردوغان قد وضع يده في يد حزب الحركة القومية اليميني المتطرف، ولولا دعمه لن يتمكن من تمرير مشاريعه داخل البرلمان رغم السلطات الضعيفة لهذا الأخير أمام حكم الفرد الواحد الأوحد، إذن قومية أردوغان وبراجماتيته في الدفاع عن شعبه وهويته فوق كل اعتبار ديني أو سياسي، وبها حَكَمَ وبها سيحكم.
أجاب صديقي بصوت قوي: ألا ترى معي أن الانتخابات نزيهة. لقد فاز أردوغان بنسبة 52.6 في المئة من أصوات الناخبين، وهي نسبة يتم تضخيمها في بلداننا العربية لتزوير الانتخابات بسهولة، واعترف خصمه بفوزه.
أي نعم، أتفق أن البلاد العربية مازالت لم تطبع مع أعراف الديمقراطية بالكامل، لكن في المقابل ماذا تقول مع تصريحات محرم إينجه، المرشح الرئاسي لحزب الشعب الجمهوري المعارض، الذي فاز بالمرتبة الثانية بنسبة 30.6 في المئة من الأصوات، عندما اعترف بالتزوير متسائلا: "هل سرقت الأصوات؟ ليجيب بنفسه: نعم لقد فعلوا".
هي فعلا انتخابات غير مثالية، وتمثل أصحابها ومن هم مقتنعون بجدواها، ولن تعود عليك بالنفع ولا بالضرر يا صديقي. ألم يتبادر إلى ذهنك أن النتيجة كانت مضمونة سلفا بدليل أن الخطوة الأولى لتثبيت أركان حكمه بدأها بالتعديل الدستوري الذي حول البلاد من نظام برلماني إلى نظام رئاسي، وألغى دور رئيس الوزراء، وحدّ من السلطة التشريعية وختمها بتطبيق حالة الطوارئ منذ محاولة الانقلاب في يوليو 2016.
صديقي المفتون بسحر السلطان أردوغان، ما هي إلا سنوات قليلة حتى يتبين لك الخيط الأسود من الأبيض بخصوص سياسة تركيا الأردوغانية المبنية على الواقعية والبراجماتية، ولا علاقة لها بتثبيت أركان الإسلام أو محاولة إعادة فتح القسطنطينية، وآنذاك ستبحث عن وهم آخر تتعلق بأهدابه.
ودون اكتراث لتكشيرته المعهودة عندما يتم إفحامه بالحجة، أضفت قائلا: صديقي المفتون بسحر السلطان لا تترك وهْمَ السلطان يسيطر عليك، فكل شيء عنده خاضع لميزان المصلحة العليا، ولا تنتظر انفكاك حالك بالتمني، وخد مثالك من معارضة تركيا الأردوغانية التي هُزمت بأوراق الانتخاب بطريقة أو أخرى في صندوق الاقتراع، لكن من خلال إصرارها على أن تبقى الديمقراطية لغة الحديث والممارسة السياسية لن تعدم طريقة للحفاظ على وهجها وسلطتها المعنوية، مع دفاعها عن سيادة القانون والحرية الفردية.
نقلا عن "العرب اللندنية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة