نمو الطلب على النفط والغاز سيهبط بشكل تدريجي في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)
تعتري سوق الطاقة العالمية حاليا عدة تطورات من المتوقع أن تزداد ترسخا بمرور الوقت. ومن المنتظر أن يترتب على ذلك تغير شبكة المصالح والعلاقات الاقتصادية إجمالا بين المنطقة العربية (خاصة في الخليج العربي) وأقاليم العالم المختلفة. ويمكن الإشارة إلى أهم تلك التغيرات فيما يلي:
- تذهب التوقعات إلى أن وزن موارد الطاقة الأحفورية (الفحم والنفط والغاز) سينخفض قليلا في مزيج الطاقة الكلي، إلا أنها ستظل ولمدة ربع قرن قادم على الأقل هي الموارد الأكثر استخداما إذ سيبلغ وزنها نحو 75-80% من كافة مواد الطاقة المستخدمة، مقارنة بنحو 86% عام 2013. ومن المنتظر أن يكون كل نوع من أنواع الطاقة الأحفورية مسئولا عن نحو ربع الطلب العالمي على الطاقة تقريبا (ما بين 26-28%)، وبحيث يكون الربع المتبقي من نصيب الموارد الأخرى مثل الوقود الحيوي والطاقة النووية والمصادر المتجددة والطاقة الهيدروليكية...إلخ. ولكن التغير المهم سيتمثل في تغير ترتيب الأهمية داخل مزيج الطاقة الأحفورية، حيث سيتم زيادة استخدام الغاز الطبيعي ليحل محل الفحم (خاصة في محطات توليد الكهرباء) ومحل النفط أيضا في عدد من الاستخدامات ومنها النقل، وإن كان بشكل محدود في الاستخدام الأخير. وسوف يترتب على ذلك تدهور مكانة كل من الفحم والنفط في مزيج الطاقة من الوقود الأحفوري المستخدم عالميا مقابل ارتفاع مكانة الغاز الطبيعي ليحتل المرتبة الأولى في الاستهلاك العالمي من موارد الطاقة الأحفورية، لكن كما سبق التوضيح سيظل النفط يشكل نحو ربع الاستهلاك العالمي من كافة موارد الطاقة.
- إن نمو الطلب على النفط والغاز سيهبط بشكل تدريجي في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) والتي تضم بشكل رئيسي البلدان الصناعية المتقدمة في عالمنا اليوم. وفي مقابل هذا الهبوط ستحدث زيادة في الطلب من البلدان النامية والاقتصادات الناشئة. وقد قفز فعلا طلب الدول النامية والاقتصادات الناشئة منذ النصف الثاني لعام 2014 ليكون أكبر من طلب دول منظمة التعاون الاقتصادي للمرة الأولى. ومن المتوقع أن تهيمن الصين على نمو الطلب على الطاقة حتى منتصف العشرينيات (أي حتى عام 2025)، ولكن مع ثبات مستوى سكانها وتباطؤ معدل نموها الاقتصادي عند هذا الوقت، سوف تحتل الهند مكانها باعتبارها قاطرة العالم في الطلب على الطاقة.
احتلت الهند المركز الأول في قائمة أسرع البلدان نموا في معدل الاستهلاك خلال الأعوام الأخيرة تليها الصين ثم كوريا الجنوبية. وأضحت قائمة أكثر البلدان استهلاكا للنفط في العالم تضم الولايات المتحدة في المركز الأول تليها الصين والهند واليابان في المراكز من الثاني إلى الرابع، ثم كوريا الجنوبية في المركز الثامن
- ستحدث نتيجة لما سبق تغيرات بارزة في التجارة العالمية في النفط والغاز، حيث من المتوقع أن تصبح آسيا غاية 80% من الفحم الذي تتم المتاجرة فيه بين أقاليم العالم، كما يقدر أنه سيتوجه إلى هناك نحو 75% من النفط، ونحو 60% من الغاز في عام 2040. وقد أضحت الصين بالفعل منذ عام 2014، ومع زيادة إنتاج الولايات المتحدة من النفط، هي أكبر مستورد للنفط عالميا، بينما من المنتظر أن تصبح الهند ثاني أكبر مستورد له في منتصف عقد الثلاثينيات.
- شهدت قائمة البلدان الأكثر استهلاكا للنفط في العالم تبدلا خلال الفترة الماضية، بالتوازي مع الزيادة الكبيرة في نمو الطلب على النفط حيث احتلت الهند المركز الأول في قائمة أسرع البلدان نموا في معدل الاستهلاك خلال الأعوام الأخيرة تتلوها الصين ثم كوريا الجنوبية. وأضحت قائمة أكثر البلدان استهلاكا للنفط في العالم تضم الولايات المتحدة في المركز الأول تتلوها الصين والهند واليابان في المراكز من الثاني إلى الرابع، ثم كوريا الجنوبية في المركز الثامن. وفي هذا السياق شهدت الصين قصة مغايرة تماما لما حدث مع الولايات المتحدة. إذ نتيجة انخفاض الواردات الأمريكية مع زيادة إنتاج النفط الصخري تحركت الصين من مرتبة ثاني أكبر مستورد صافي للنفط ومنتجاته عالميا إلى مرتبة أكبر مستورد صاف خلال عام 2014، بينما كانت بعض التقديرات السابقة تذهب إلى أنها لن تبلغ هذه المكانة سوى في حدود عام 2020. وتستورد الصين ما يزيد على 60% من جملة استهلاكها من النفط حاليا، بعد أن كانت تلك النسبة لا تزيد على 30% في عام 2000. وأضحت الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية بالفعل الأكثر اعتمادا على نفط منطقة الشرق الأوسط مقارنة بأي بلد أو إقليم آخر في العالم.
كان من الطبيعي في ضوء هذه التغيرات التي تشير كافة التقديرات إلى أنها ستتعمق بمرور الزمن أن تولي دول الخليج العربي المصدرة للنفط اهتماما فائقا بتعزيز علاقاتها الاقتصادية بهذه البلدان التي تشكل السوق الرئيسية لصادراتها النفطية وغيرها من المنتجات. من هنا يمكن فهم تعزيز شركة أرامكو السعودية استثماراتها النفطية في الهند مؤخرا بإطلاق مشروع جديد بالقرب من العاصمة نيودلهي، مستفيدة من زيادة الطلب والاستثمار في الهند التي باتت تحتل مرتبة ثالث أكبر مستهلك عالمي للطاقة، وتم افتتاح مكتب لشركة "أرامكو آسيا الهند" يوم الاثنين 9 أكتوبر الجاري. كما يمكن أيضا في هذا السياق فهم ما تضمنته زيارة ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد للهند في شهر فبراير الماضي من توقيع 16 اتفاقية للتعاون والاستثمار شملت استثمارات في مجالات الطاقة وتخزين نفط الإمارات في الهند. وينطبق الأمر نفسه على قائمة طويلة من الاستثمارات المشتركة الخليجية مع الصين. هذا علاوة على سعي شركات النفط الصينية واليابانية والهندية إلى الدخول في مجال الاستثمار في الحقول النفطية في المنطقة لتأمين حاجاتها المستقبلية.
والواقع أن الأمر لا يقتصر بالطبع على القطاع النفطي، إذ أن شبكة المصالح تزداد اتساعا مع احتلال البلدان الآسيوية خاصة الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية قائمة أهم الشركاء التجاريين للبلدان العربية وعلى رأسها بلدان الخليج العربي. إذ تشير بيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2016 إلى أن آسيا كانت الوجهة الأولى للصادرات السلعية العربية في عام 2015، حيث استوعبت ما يزيد على 46% من جملة الصادرات العربية، كما كانت أيضا الجهة الأولى الموردة للدول العربية، حيث كانت مصدرا لنحو 36.5% من جملة الواردات العربية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة