كان كلام السفير واضحاً في أن السعودية والإمارات ومصر والأردن تريد علاقات «معلمنة» مع بقية دول المنطقة وليست مثل قطر وإيران اللتين تسعيان لإلباس علاقاتهما البينية مع دول المنطقة بلبوس الأيديولوجيا
أزمة قطر تأكل مسبباتها. وتذهب بعيداً في بحر الوقت. النسيان يدور حول الأيام الطيبة التي كانت بين قطر وشقيقاتها. وحال الخلاف الدائم تصبح العنوان الرئيس للمشهد الخليجي.
قطر تعاند سياسياً. وتستخدم كل ورقة تجدها في طريقها، صالحة كانت أم محترقة، في المكايدة السياسية. والدول الأربع المقاطعة تعقد الاجتماعات على طريقة: بصبحٍ ... وما الإصباح منك بأمثل! بين كل اجتماع واجتماع ملايين من الثواني، وكل ثانية تمتلئ بخبر من هنا أو قصة من هناك، مع صورة ملونة شديدة الوضوح.
لا أهمية للوقت عند الدول المقاطعة الأربع. فلتطل فترة الخصام. ولتبق قطر كل الوقت معزولة في زاوية الخريطة. ما الذي سيتغير؟ لا اقتصاد هذه الدول سيتأثر ولا ستتململ شعوبها. لتبق قطر على هامش الحياة اليومية، لا صبح سيتأخر، ولا ليل سيبكر في الحضور!
تريد الدول الأربع من قطر أن تمتنع عن ارتكاب الخمس الموبقات: توقف تمويل الإرهاب، وتتوقف عن دعمه عسكرياً وسياسياً واستخباراتياً، وتُخرج الإرهابيين «المطلوبين في دولهم» من أرضها، وتكف عن التدخل في شؤون جيرانها باستخدام أذرع وأدوات وعناصر محلية، وتتوقف عن التحريض الإعلامي الممنهج.
تتمنى الدول الأربع أن تكون قطر في موقع المسؤولية وتعلن للرأي العام الخليجي والعالمي عن خضوعها للحقيقة وعودتها للطريق القويم، لكن هذه الدول تعرف أن السلوك السياسي لقادة قطر غير قادر في الوقت الحالي على التفكير في المصلحة الخليجية والعربية العليا، لذلك هي تعرف أن تحقيق هذه المطالب الخمسة، أو في شكل أدق، الامتناع عن ارتكاب هذه الموبقات الخمس، يحتاج إلى وقت طويل جداً قد يمتد إلى سنوات.
كان كلام السفير واضحاً في أن السعودية والإمارات ومصر والأردن تريد علاقات «معلمنة» مع بقية دول المنطقة وليست مثل قطر وإيران اللتين تسعيان لإلباس علاقاتهما البينية مع دول المنطقة بلبوس الأيديولوجيا
اليوم حُجّم الدور القطري في تمويل الإرهاب إلى أدنى مستوياته من خلال توقيع الاتفاق الأميركي - القطري، وأصبحت الممرات المالية للدوحة تحت عيون العالم، لا ريال يخرج إلا بشهادة ولا دينار يدخل إلا بإذن مرور. ذنب واحد سقط خلال الشهرين الماضيين، لكن الذنوب الأربعة الأخرى تحتاج لزمن طويل للسقوط، لذلك لا ترى الدول الأربع مشكلة أبداً في ممارسة حياتها اليومية فيما قطر موضوعة على قائمة الانتظار!
القيادة القطرية تراهن على الوقت، لكن بدرجة أقل. تراهن على الوقت القريب وتخشى الزمن الطويل. تفعل ذلك لهدفين رئيسين: الأول محاولة استجلاب ضغط خارجي على الدول الأربع، سواء أكان هذا الضغط في صيغة تقرير في صحيفة متوسطة التوزيع في أميركا أو دراسة لمعهد مجهول في أوروبا، أو تصريح لمسؤول في حكومة ما في أقصى الأرض أو موقف غير متوازن لمنظمة دولية معينة غير متوازنة أيضاً. تركض خلف هذه الضغوط الصغيرة لعلها تجد فيها ما يخفف عنها عزلتها ويخلق حلولاً مخففة تحفظ لها ماء وجهها. والثاني تعويلها على خلاياها «الإخوانية» النائمة في دول المنطقة في العمل على ضرب روابط الحلف الرباعي في كل سانحة لكسره وبالتالي إفشال المقاطعة!
تسحب الوقت الطويل معها، لتذهب إلى المنظمات الدولية وتجيء منها. تكذب على شعبها وتكذب على العالم، وتعود وحيدة في كل مرة لتصدق نفسها بنفسها ما يخلق لها وجوداً وهمياً يدفعها في الفضاء بضعة سنتيمترات لبضع ثوان!
الزمن متسارع بلا شك في عقل القيادة القطرية، لكن ذلك لا يمنعها من التقاط ما يمكن التقاطه من الأرض لتحقيق هذين الهدفين! ومن ضمن ما التقطته خلال هذا الأسبوع مسألة حج القطريين وتصريح السفير الإماراتي لدى أميركا سعيد العتيبة في شأن علمانية دول الشرق الأوسط.
الحج بالنسبة لها فرصة عظيمة لتحقيق الهدف الأول. فرصة لا تتكرر، لا للعودة والاعتذار والتخلص من الذنوب، وإنما لاتهام السعودية بأنها تعرقل إجراءات سفر الحجاج. تمنع حجاجها من فرصة العمر برؤية المشاعر المقدسة، لعلها بذلك تلفت نظر منظمة أو حكومة أو معهد أو صحيفة، لتمارس ضغطها الضئيل على الدول الأربع.
هدف هش لا مواجهة مناسبة له – في تقديري – إلا بإعلان حكومي سعودي يعلن عن استضافة 1600 حاج قطري بالمجان، كما تفعل السعودية مع ذوي الشهداء في البلاد العربية المختلفة. إذا لم تستطع الحكومة القطرية أن تكون في موقع المسؤولية في ما يتعلق بمهام حج القطريين، فالسعودية الشقيقة الكبرى أولى بهم.
أما تصريح العتيبة فهو يمثل لها الهدف الثاني، وهو محاولة كسر التحالف السعودي - الإماراتي، عبر استخدام أدوات «إخوانية» في وسائل التواصل الاجتماعي! فسّر إعلامها الموجه تصريح العتيبة بشكل يتناسب مع «فهم القطيع» وأطلق «المظلومية السعودية» عبر أبواقه لعل ذلك يستنفر في السعوديين حميتهم الدينية ليهاجموا الإمارات، ما يعجّل بقدوم القطيعة المنتظرة.
هذه المحاولة العبثية مصيرها معروف سلفاً كسابقتها، إذ إن الجميع يعرفون أن حديث السفير العتيبة كان خاصاً بالعلاقات الدولية ما بين دول المنطقة. كان كلام السفير واضحاً في أن السعودية والإمارات ومصر والأردن تريد علاقات «معلمنة» مع بقية دول المنطقة وليست مثل قطر وإيران اللتين تسعيان لإلباس علاقاتهما البينية مع دول المنطقة بلبوس الأيديولوجيا. إيران تريد أن تسيطر على المنطقة من خلال نشر رؤيتها الدينية التي توجب الخضوع للمرشد الأعلى، وقطر تريد أن تخترق المنطقة بأدوات ومنهجية «إخوانية» تجعل من الدوحة مرجعية عليا لدول المنطقة كافة!
العتيبة يريد أن يقول فقط إن العلاقات الدولية تقوم على «لكم دين... ولي دين» ولم يتحدث أبداً عن أنظمة علمانية تضع الدين على الرف في تعاملها مع شعوبها. كان في المقابلة التلفزيونية يتهم قطر بأنها غير علمانية في علاقاتها الدولية، ويريدها أن تلتحق بالدول الأربع التي تقيم علاقات مع مختلف دول العالم بصرف النظر عن دين هذه الدول.
الوقت يمر، والدول الأربع ستجتمع من جديد ربما بعد شهر أو شهرين أو ثلاثة. لكن، هل ستكون قطر في ذلك الوقت حريصة كذلك على الحصول على فسحة زمنية جديدة؟
نقلا عن "الحياة"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة