من غير المرجح أن يدعو أردوغان إلى انتخابات مبكرة في ظل الظروف الحالية.
صعدت أحزاب المعارضة التركية من دعوتها إلى إجراء انتخابات مبكرة، وذلك حسب هذه الأحزاب لأن النظام الرئاسي الذي طبقه أردوغان في عام 2018 قد فشل، وأوصل البلاد إلى طريق مسدود، وتضيف "أن أي إصلاح في ظل حكم حزب العدالة والتنمية الحاكم لم يعد ممكنا، وأن الأوضاع الاقتصادية في تدهور مستمر، وعلى المستوى الخارج ورط أردوغان البلاد في حروب عبثية، جلبت العديد من الأضرار لتركيا، ولصورتها في العالم".
أمام هذه الدعوات يكتفي أردوغان بالصمت، فيما أوساط حزبه تسرب بأن لا انتخابات قبل الموعد المقرر للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في عام 2023، والسؤال هنا، هل يمكن الدعوة إلى انتخابات مبكرة ؟ وكيف؟ قانونيا لا يمكن الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة في تركيا إلا من خلال طريقين. الأول: أن يدعو البرلمان إلى هذه الانتخابات، ويتطلب ذلك 360 صوتا، وهذا غير ممكن في ظل الخريطة الحزبية الحالية في البرلمان، حيث يشكل تحالف الجمهور بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الحركة القومية المتطرفة دولت باهجلي الأغلبية في البرلمان . الثاني: أن يدعو أردوغان بنفسه إلى هذه الانتخابات، ويبدو هذا الخيار ضعيفا أن لم نقل مستحيلا في المرحلة الحالية لأسباب كثيرة، سنأتي على ذكرها في سياق هذ المقال. أمام انسداد المسار القانوني للدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة، تتجه الأنظار إلى دولت باهجلي الذي كانت له دوما الكلمة الحاسمة في الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة، واللافت أن دعوة زعيم المعارضة، رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو إلى انتخابات مبكرة قبل أيام جاءت إلى باهجلي وليس إلى أردوغان، ولعل كليجدار أوغلو هنا، كان يراهن على انسحاب باهجلي من تحالفه مع أردوغان في ظل تدهور شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم، ولكن رغم ذلك، فإن مثل هذا الأمر يبدو مستبعدا حاليا في ظل الانقسامات التي يشهدها حزب باهجلي، وربط الأخير مصيره السياسي بسلطة أردوغان. لكن السؤال الأهم هنا، لماذا يرفض أردوغان الدعوات إلى إجراء انتخابات مبكرة ؟ في الواقع، هناك أسباب كثيرة لموقفه هذا، لعل أهمها:
1- التراجع الكبير في شعبية أردوغان كما تشير معظم استطلاعات الرأي التي جرت في الفترة الأخيرة.
2 - تفكك حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يرأسه أردوغان، حيث بات القادة المؤسسون للحزب من أمثال عبدالله غل وأحمد داود أوغلو وعلي باباجان وعبداللطيف شنر وغيرهم خارج الحزب، بل إن داود أوغلو وباباجان أسسا حزبيين ليكونا منافسين لأردوغان، فيما حزب الأخير يشهد تراجعا غير مسبوق في شعبيته، حيث أشارت للمرة الأولى بعض استطلاعات الرأي إلى تقدم المعارضة عليه.
3- تفاقم الأزمات المالية والاقتصادية في البلاد، وهو ما أدى إلى انهيار قيمة العملة التركية أمام الدولار، وزيادة البطالة، والفقر، وتراجع مستوى المعيشة، وهروب الاستثمارات إلى الخارج، وتوقف المشاريع الكبرى، وتراجع مستوى التصنيف الائتماني لتركيا من قبل الوكالات الدولية، كل ذلك في ظل تبخر كل الوعود التي أطلقها ويطلقها أردوغان وصهره وزير المالية بيراءات ألبيرق بالإصلاح. ويدرك أردوغان جيدا أن ذلك بخر من شعبيته التي جاءت خلال الفترة الماضية بفضل الوضع الاقتصادي الذي كان يعيشه الأتراك.
4- حالة الاحتقان الشعبي في الداخل التركي، نتيجة سياسة القمع التي يتبعها أردوغان ضد المناوئين لسياسته، حيث حملات الاعتقال على قدم وساق ضد كل من يناهض حكمه، طبعا كل ذلك يجري بحجة مكافحة الإرهاب، تلك الحجة التي لم يعد يصدقها أحد، خاصة وأن هذه الحملات أدت إلى ضرب مصداقية القضاء التركي بسبب تدخل السلطة فيه .
5- فشل أردوغان في إيجاد حل سلمي للقضية الكردية في تركيا، واعتماده النهج العسكري في التعامل مع هذه القضية، وهو ما يتسبب بهدر المزيد من الأموال والأرواح، ويلحق بتركيا وشعبها خسارة كبيرة. ويدرك أردوغان أن كل سياسته الإقصائية ضد الحركة الكردية، من إقصاء لنوابها في البرلمان، وعزل رؤساء البلديات الأكراد المنتخبين.. وغير ذلك لم تنجح في تراجع شعبية حزب الشعوب الديمقراطية الموالي للأكراد وحقوقهم في تركيا.
6- أن أردوغان عندما يفكر بالانتخابات المبكرة، يتذكر جيدا الهزيمة الكبيرة التي مني بها حزبه الحاكم في الانتخابات المحلية الأخيرة، ولاسيما خسارته إسطنبول والعاصمة أنقرة أمام حزب الشعب الجمهوري المعارض، وبزوغ نجم أكرم إمام أوغلو الذي فاز برئاسة بلدية إسطنبول، وهو ما زاد من شعبيته إلى درجة أن البعض يرجح أن يكون إمام أوغلو منافسا لأردوغان في أي انتخابات رئاسية مقبلة، وهو ما يدفع بأردوغان إلى التفكير للمرة المليون وعدم الدعوة إلى الانتخابات المبكرة.
في الواقع، للأسباب السابقة وغيرها، من غير المرجح أن يدعو أردوغان إلى انتخابات مبكرة في ظل الظروف الحالية، ولعل لسان حاله يقول "لن أفرط بالسنوات الثلاث المتبقية من فترة ولايتي"، خاصة وأن كل المؤشرات تشير إلى وصول نظامه إلى طريق مسدود في سياسته الداخلية والخارجية، ولكن ما سبق يعطي قوة دفع كبيرة للمعارضة التي تتعاظم شعبيتها، مع التأكيد على أهمية توافق المعارضة إن لم نقل وحدة صفوفها، باتت أكثر من ضرورة ملحة لتحقيق تطلعها في وضع نهاية لنظام أردوغان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة