أردوغان وقع في محظور الشعور بالقوة المطلقة، رغم كونه، أولاً وأخيراً، بشراً محدود ومحدد القوة له وجود وزمن معلوم في هذه الحياة.
ما أسباب «التوتر الشديد»، و«الغضب الجارف» اللذين يسيطران على قرارات وتصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان؟
الإجابة المختصرة: «إن الرجل فقد اتزانه السياسي منذ أن أسكرته خمرة نجاحاته الأولية في وضع بلاده منذ 25 عاماً على خارطة العالم».
«فقدان الاتزان» يجعلك تعتقد أنك -أستغفر الله- قادر على فعل أي شيء وكل شيء.
هذا الشعور المدمر أخطر ما فيه أنه يجعلك تفقد الخطوط الحمراء فيما يعرف بـ«حدود القوة».
أي قوة، محددة ومحدودة، وحده الله سبحانه وتعالى هو صاحب القوة المطلقة.
وقع أردوغان في محظور الشعور بالقوة المطلقة، رغم كونه، أولاً وأخيراً، بشراً محدود ومحدد القوة له وجود وزمن معلوم في هذه الحياة.
هذا الشعور بغطرسة القوة يجعله يعتقد أنه قادر على هندسة العالم من اليمن إلى السعودية، ومن الصومال إلى الإمارات، ومن موسكو إلى بكين، ومن واشنطن إلى لندن، ومن برلين إلى باريس.
غطرسة القوة جعلته يعتقد أنه قادر على الفتك بخصومه السياسيين، واعتقال معارضيه، والتخلص من أقرب مساعديه الذين ساهموا معه في رحلة الكفاح السياسي في حزب العدالة والتنمية لأنهم انتقدوا بعضاً من سياساته.
يستشعر أردوغان أن سيطرته المطلقة على كل خيوط اللعبة في الداخل التركي والخارج بدأت تتقلص بقوة.. كل شيء من الاقتصاد إلى السياسة، من الداخل الحزبي إلى المعارضة، من علاقته بالأمريكان إلى الروس، من مشاكله مع جيرانه إلى شواطئ البحر المتوسط في ليبيا وسوريا من شرق الفرات إلى شماله
وصل الرجل إلى حالة من الاستبداد بالرأي، وعدم قبول الرأي الآخر، ولا حتى قبول النصائح.
أصبح الرجل يحتاج إلى «منفذين لسياساته» وليس صانعين لها!
تناسى أردوغان رفاقه في الحزب الذين كافح وناضل معهم في بناء مشروعهم السياسي.
أصبح رهان الرجل على نفسه وعلى صهره المقرب له «برات البراق» الذي عينه وزيراً للمالية والخزانة ما أثار انتقادات كبرى داخل الحزب وخارجه.
برات البراق «42 سنة» هو رجل أعمال متزوج من «إسراء» أردوغان المقربة جداً لوالدها، وهو الرئيس التنفيذي السابق لشركة «تشاليك» القابضة وكان وزيراً للطاقة منذ عام 2015 حتى يوليو 2018. وهو متشدد سياسي وله نفوذ يتعدى حدود منصبه حيث إن لديه سلطات لوضع شخصيات عامة تحت المراقبة أو قيد الاعتقال.
تناسى أردوغان فضل اثنين من كبار شركائه في بناء الاقتصاد والسياسة في بلاده، هما عبدالله جول وهو الرئيس الحادي عشر في تاريخ تركيا الذي تولى الرئاسة منذ 2007 إلى 2014، وهو سياسي واقتصادي ودبلوماسي وهو من كبار منتقدي سياسات أردوغان «الفردية» المؤذية للحزب والبلاد ويدعو الآن لتشكيل حزب جديد لإنقاذ البلاد.
أما الرجل الثاني فهو أحمد داود أوغلو صاحب التنظير السياسي والاستراتيجي لفكر «العثمانيين الجدد» وتركيا القوية.
«أوغلو» سياسي ودبلوماسي وعالم سياسة وتربوي وكاتب، وبروفيسور، ويجيد العربية والإنجليزية والألمانية، بالإضافة -بالطبع- إلى التركية.
وشغل أوغلو منصب رئيس الحكومة التركية منذ 2014 إلى 2016 وفى عهد رئاسة أوغلو للحزب الحاكم حقق في الانتخابات التشريعية نسبة 49٫5٪ من الأصوات وهي أعلى نسبة في تاريخه، لذلك كان غضب أوغلو كبيراً حينما فقد الحزب لأول مرة منذ 25 سنة مقاعد في مدن تركية كبرى مؤخراً.
أخطر ما قاله أوغلو منتقداً أردوغان عقب خسارة الحزب المؤلمة في انتخابات مقعد عمدة إسطنبول بفارق 730 ألف صوت للدورة الثانية: «إن سياسات أردوغان وتصريحاته وأخطاءه تسببت في هذه الهزيمة».
ووجه أوغلو نقداً شديداً إلى قيام أردوغان بحكم تركيا بسياسة عائلية فردية شخصية، رافضاً إصرار الرجل على الدفع بصهره إلى وراثة الحزب وتوليه منصب وزارة المالية في زمن يتدهور فيه الاقتصاد بشدة وفقدت فيه الليرة التركية أكثر من نصف قيمتها منذ يناير الماضي.
وفي الوقت الذي يؤمن فيه أردوغان «بالتصعيد الأهوج» في المواجهات مع الحلفاء والخصوم على حد سواء، يأتي أوغلو كصاحب نظرية «تصفير المشاكل» التي بين تركيا والعالم.
لا توجد علاقة سهلة أو مريحة لأردوغان مع أي دولة في العالم الآن سوى قطر.
وحتى قطر، التي وعدته بـ15 مليار دولار عقب محاولة الانقلاب، دفعت قسطاً واحداً خلال 34 شهراً، ولم تدفع غيره.
يستشعر أردوغان أن سيطرته المطلقة على كل خيوط اللعبة في الداخل التركي والخارج بدأت تتقلص بقوة.
كل شيء من الاقتصاد إلى السياسة، من الداخل الحزبي إلى المعارضة، من علاقته بالأمريكان إلى الروس، من مشاكله مع جيرانه إلى شواطئ البحر المتوسط في ليبيا وسوريا من شرق الفرات إلى شماله، من داعش إلى الأكراد، من انخفاض الليرة إلى هبوط قيمة العقارات في تركيا.. يقول لأردوغان «أنت في خطر شديد»!
لذلك هو في شدة التوتر والارتباك.
نقلاً عن "الوطن المصرية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة