أوكرانيا تكشف "عوار" الدفاعات الأوروبية
عندما شنت روسيا الحرب على أوكرانيا في فبراير/شباط عام 2022، بدا الأمر وكأنه لحظة تحول لأمن أوروبا.
لكن، بحسب تحليل نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، مع دخول الحرب عامها الثاني، لم يتحقق مثل هذا التحول؛ ويقع الجمود المستمر على عاتق عدة أطراف – الدول الأوروبية، وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، والاتحاد الأوروبي، وحتى الولايات المتحدة – الذين لجأوا جميعهم إلى ممارسات تحافظ على وضع راهن غير مقبول.
لكن هذا لا يعني أن القارة العجوز لم تتغير جراء الحرب؛ حيث حشد الأوروبيون وقادتهم الدعم لأوكرانيا وحافظوا على دعمهم رغم الارتفاع في أسعار الطاقة والتضخم.
وقدمت الدول الأوروبية كميات هائلة من الأسلحة إلى أوكرانيا بالرغم من أنها ليست بنفس القدر الذي قدمته الولايات المتحدة، كما تقدمت فنلندا والسويد بطلبات للانضمام إلى الناتو.
وقدمت أوروبا معدات قوية إلى أوكرانيا بقيمة المليارات وتدرب القوات الأوكرانية، كما ينعكس شعور قادة أوروبا بالصدمة والضرورة الملحة في استجابتهم للحرب الروسية على أوكرانيا بوضوح في زيادة الإنفاق على الدفاع.
والآن تقترب معظم الدول الأوروبية في الناتو من هدف الحلف بإنفاق جميع الأعضاء ما لا يقل عن 2% من إجمالي الناتج المحلي الخاص بهم على الدفاع، مع إنفاق بعض الدول مثل بولندا ودول البلطيق أكثر من ذلك حتى.
لكن بالنظر عن كثب، قد لا تبدو تلك التغييرات تحولية، وبالرغم من أن الطفرة في الإنفاق ترجح وجود تحول، قد لا يكون أمرا يذكر إذا ظلت المشاكل التي تواجه الدفاع الأوروبي دون حل.
واعتبر تحليل المجلة الأمريكية أن الحرب كشفت الحالة المزرية للدفاع الأوروبي؛ حيث لم تستثمر القارة ما يكفي في قواتها المسلحة على مدار العشرين عاما الماضية، وتركز الإنفاق الضئيل على بناء قوات للمهام الإنسانية، ومواجهة التمرد، ومكافحة الإرهاب بعيدا عن القارة، كما في أفغانستان. ولذلك تفتقر الجيوش الأوروبية الأساسيات اللازمة لحرب تقليدية في فنائهم الخلفي.
وأشار التحليل إلى افتقار معظم الدول إلى مخزونات الذخيرة الأساسية، مستشهدا بمثال القوات المسلحة الألمانية التي تمتلك مخزونات من الذخيرة لساعات قليلة من أيام القتال، وأن أساطيل الدبابات في شتى أنحاء أوروبا ضعيفة من حيث الأعداد والجاهزية.
وبحسب التحليل، تمتلك ألمانيا 300 دبابة من طراز ليوبارد 2 على الورق، لكن 130 منها فقط قيد التشغيل، ليست ألمانيا وحدها هكذا، حيث تمتلك إسبانيا أكثر من 300 دبابة ليوبارد، لكن ثلثها لم تعد نشطة وبحاجة إلى الإصلاح إلى حد كبير.
كما يفتقر الأوروبيون إلى كميات كافية من المدفعية ويستنزفون قواتهم للغاية لدعم أوكرانيا.
وأرسلت فرنسا، على سبيل المثال، أكثر من ثلث مدافع الهاوتزر الخاصة بها إلى أوكرانيا، في حين أرسلت الدنمارك عمليا جميع مدفعيتها. وبالرغم من أن الدول الأوروبية ألزمت نفسها في وقت سابق من هذا العام بإرسال دبابات ليوبارد إلى أوكرانيا، من غير الواضح كم المدة التي ستحتاجها لجعلها جاهزة للقتال.
ولفت التحليل إلى أن القاعدة الصناعية الدفاعية الأوروبية أصبحت فارغة؛ والسبب الأساسي في ذلك هو انخفاض الإنفاق الدفاعي الأوروبي، لكن تتمثل المشكلة الأكبر في عدم امتلاك أوروبا لسوق دفاعي مشترك يلبي احتياجات أمنها، ويجعل هذا المشهد المتفرق إجراء تعاون مجدي في عمليات الشراء مهمة سياسية وبيروقراطية؛ ولذا يكون الإنفاق الدفاعي الأوروبي مفكك إلى حد كبير وغالبا ما يوجه إلى دعم المجمعات الصناعية العسكرية الوطنية.
ويفاقم الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة الوضع؛ إذ قوبلت جهود تحسين التعاون بمجال صناعة الدفاع، لاسيما من خلال الاتحاد الأوربي، معارضة شرسة من الولايات المتحدة. ففي النهاية، يستفيد جميع متعاقدي الدفاع الأمريكيين بشكل كبير من إبرام العقود بشتى أنحاء أوروبا والتي تحرم الشركات الأوروبية من الأعمال.
وفي عام 2021، بحسب وكالة الدفاع الأوروبية، مثل التعاون في الإنفاق على المعدات العسكرية – أي تجميع الدول الأعضاء لأموالهم لشراء الأسلحة بشكل مشترك – 18% فقط من إجمالي مشتريات الدفاع للدول المعنية. وهذه نسبة أقل بكثير من هدف الاتحاد الأوروبي المتمثل في 35% من عمليات الشراء التي يتم التعاون فيها.
وقال التحليل إن ذلك يسفر عن استخدام جميع القوات الأوروبية معدات مختلفة، مما يصعب على القوات العمل معا، موضحا أن الأوروبيين يستخدمون 29 مدمرة مختلفة، و17 دبابة أو حاملات جند، و20 طائرة مقاتلة – مقارنة بأربعة، وواحدة، وستة على التوالي، في الولايات المتحدة.
ويخلق ذلك ثغرات في القدرات، لاسيما في النقل، والاستطلاع، والمراقبة، والدفاع الجوي؛ ليقع الأمر بعد ذلك على عاتق الولايات المتحدة لسد تلك الثغرات، مما يعني استمرار اعتماد الجيوش الأوروبية على واشنطن حتى في المهام العسكرية الأساسية.
وللالتزام بعمليات الشراء المشتركة، سيتعين على الاتحاد الأوروبي وأعضائه تخصيص الأموال اللازمة لذلك، وهنا يعتبر تشجيع واشنطن أمرا بالغ الأهمية.
وبالرغم من أن إدارة بايدن تستحق إشادة كبير نظير تواصلها مع أوروبا وقيادتها استجابة للحرب الروسية في أوكرانيا، لم تدفع الولايات المتحدة لأي إصلاحات هيكلية كبيرة في الدفاع الأوروبي. وبدلا من ذلك، نفذت إدارة بايدن مبادرات وسعت نطاق الدور الأمريكي في القارة.
كما زادت واشنطن، بحسب التحليل، عدد القوات الأمريكية المتمركزة في أوروبا، بإضافة قوات إلى الجهة الشرقية، وتأسيس قاعدة في بولندا، وتوسيع الوجود البحري الأمريكي في إسبانيا. وفيما تعتبر كل هذه الخطوات معقولة واستقبلتها أوروبا بامتنان، فإن استدامة عمليات النشر المتزايدة تلك إلى أوروبا غير واضحة، لاسيما مع تركيز البنتاغون على نحو متزايد على الصين.
وتبدو إدارة بايدن الآن محرومة على نحو متزايد من الأفكار بشأن كيفية جعل أوروبا أقل اعتمادا على الولايات المتحدة؛ والآن مع إنفاق الدول الأوروبية أخيرا ما يكافئ 2% من إجمالي الناتج المحلي على الدفاع، هناك حديث عن دفع الولايات المتحدة لهدف إنفاق جديد بالناتو بنسبة 3% تقريبا.
ورأى التحليل أنه إذا ظل الإنفاق دون تنسيق، لن يكون له سوى تأثير هامشي على دفاع أوروبا.
وفي الوقت نقسه، سيكون أي هدف جديد غير عملي بمثابة مصدر للتوترات والاستياء داخل الحلف، لافتا إلى أنه للخروج من هذا المأزق سيتعين على الولايات المتحدة التراجع عن معارضتها لمبادرات التكامل الدفاع الأوروبي والتشجيع ظاهريا لمزيد من التمويل لمثل هذه الجهود.
aXA6IDE4LjIyMy4yMDYuODQg
جزيرة ام اند امز