الإيجابية السامة.. عالج حزنك بتجاهل الجانب المشرق
هل تكره أن يخبرك أحد بأن تبتهج قليلًا عند مرورك بمشكلة صعبة تجعلك تسقط في بئر الحزن والاكتئاب؟ لا تقلق لأنك لست وحدك.
عندما يتعرض أحد أصدقائنا لمشكلة كبيرة أو أزمة ضاغطة، مثل وفاة أحد أفراد العائلة أو تسريحه من العمل، سرعان ما نمطره بالكلمات الإيجابية؛ لمساعدته على الابتهاج والنظر إلى الجانب المشرق و"نصف الكوب الممتلئ".
هكذا كان الحال مع ماريان باور، الصحفية بصحيفة "ديلي ميل" البريطانية، التي حاولت أن تردد الكثير من الكلمات والجمل الإيجابية للتخفيف عن صديقتها: "لا تقلقي ستجدين شيئًا آخر، هذا أفضل شيء قد يحدث، لقد كنت تكرهين هذه الوظيفة"، هكذا طمأنت صديقتها التي كانت على وشك أن تقول شيئًا ثم تراجعت عنه.
لكن واصلت "باور": "على الأقل جون لا يزال لديه وظيفة، وهناك سقف فوق رؤوسكم"، وبالرغم من أن صديقة "باور" أومأت برأسها في إشارة إلى موافقتها الرأي، كانت الدموع تملأ عينيها ثم أنهت مكالمة الفيديو.
بعدها أدركت "باور" أنها فعلت أسوأ شيء؛ فبدلًا من الاستماع لحديثها عن مدى خوفها وحزنها، "جعلت صديقتي تشعر أنه ليس مسموحًا لها بالحزن على تسريحها من وظيفتها التي تعمل بها منذ 8 سنوات"، بحسب قولها، وقالت: "لقد أمطرتها بشيء أطلق عليه مؤخرًا (الإيجابية السامة)".
كتب الدكتور دين بورنيت، مؤلف الكتاب الأفضل مبيعا "الدماغ السعيد"، عن الأمر بعد رحيل والده (58 عامًا) عقب إصابته بفيروس كورونا المستجد في مارس/آذار.
وقال "بورنيت": "عندما مرض وانتهى به الحال على أجهزة التنفس، كان هناك عدد كبير من الناس يطمئنوني ويعدونني أنه سيكون بخير أو سيمر من ذلك"، لكنه لم يفعل، بل فارق الحياة.
وأضاف: "لم يتصل أي واحد منهم ليقل إنه كان مخطئا.. نعم أنا حزين وغاضب حيال الأمر.. ولدي كل الحق".
وأوضح "بورنيت" أن "الإيجابية السامة" هي عندما تتجاهل الإيجابية الواقع، وعندما يصر الناس على أن يكونوا هم وغيرهم سعداء، حتى ولو كان الموقف يستدعي العكس.
وأشار إلى أن الفكر الحديث هو أن السعادة يجب أن تكون الحالة العامة، وإذا لم تكن سعيدًا فهناك مشكلة، لكنه أكد أن "هذا هراء.. الدماغ لا يعمل بهذا الشكل".
وأظهرت الأبحاث أن قمع مشاعرنا الحقيقية ليس جيدًا على صحتنا العقلية والبدنية، إذ ارتبط إنكار المشاعر بأمراض القلب، ومشاكل الأمعاء، والصداع، والأرق، وأمراض المناعة الذاتية.
كما أظهرت الأبحاث أن الأشخاص المكلومين الذين يبذلون قصارى جهدهم كي لا يشعروا بالحزن يستغرقون وقتًا أطول في التعافي.
وفيما يتعلق بالإيجابية السامة، فهي تتجاهل حقيقة أن جميع المشاعر لها غرض، فمثلا الخوف، موجود لتنبيهنا عند وجود خطر.
وقال ديفيد كيسلر، أحد أبرز خبراء الحزن في العالم، إن العالم يمر بحالة فاجعة جماعية، حتى وإن لم تفقد أحد أحبائك، نحزن على حياتنا الطبيعية وشعورنا بالأمان.
وأشار إلى أن أحد النتائج المؤسفة لحركة مساعدة الذات هي محاولة سحق المشاعر السلبية، مضيفًا: "نخبر أنفسنا بأنه ليس مسموحًا لنا الشعور بالحزن؛ لأن الآخرين يعانون بشكل أسوأ".
aXA6IDMuMTMzLjEyOC4yMjcg جزيرة ام اند امز