الحل يبدأ بدفع عملية السلام من خلال بناء الثقة من جديد بين الفرقاء التاريخيين، فما يجمعهم أكثر بكثير مما يفرقهم
في مارس 2011 اندلعت مظاهرات مؤيِّدة للديمقراطية في مدينة درعا الجنوبية، مستوحاة مما يُطلق عليه بالربيع العربي في البلدان المجاورة، وكان الشعب السوري يتوقع مساراً مشابهاً لما حدث في تونس ومصر حينها، لكن المسار تغيَّر، فقد استخدمت الحكومة القوة المميتة لسحق المعارضة، وانتشرت الاضطرابات وتم تكثيف الحملة، وحملت المعارضة السلاح، أولاً للدفاع عن أنفسهم وتخليص مناطقهم من قوات الأمن، ثم تغيَّرت لغة الحكومة، فالمعارضون أصبحوا إرهابيين، وحدثت بعد ذلك الكارثة..
لن تعود سوريا إلى وحدتها التاريخية إلا من خلال خطاب داخلي مدني ومؤثِّر، ويجمع مختلف الفرق تحت سقف واحد، قوامه الهوية المشتركة والعدالة والمساواة تحت مظلة القانون، ولو حدث ذلك لخرجت إيران وتركيا وروسيا من الأراضي العربية، وإذا لم يحدث ذلك ستكون الكارثة بحدوث التقسيم حسب الطوائف والأعراق
المفارقة في الأمر أن ذلك حدث، والعالم يتفرّج، وكأنه أمراً لا بد أن يحدث، وكانت النتيجة إخراج الشعب السوري من بلاده، وقد وصلوا إلى رقم قياسي، والإحصاءات تتكلم عن 13 مليون سوري نزحوا منذ اشتعال الصراع، وهو ما يمثِّل نحو 60 في المئة من عدد السكان قبل الحرب، وهي نسبة نزوح لم تشهدها دولة من قبل خلال العقود الأخيرة، حسب مركز بيو للأبحاث.
دخلت الحرب إيران وفرعها اللبناني، ثم جاءت روسيا، وتم وأد التغيير، ولكن لمصلحة من يحدث هذا؟ ولماذا لم تضغط الدول الكبرى لفرض السلام وإخراج المليشيات الإيرانية وحزب الله من أراضي سوريا؟ فهل كانوا حمام سلام أم جاءوا لسحق الشعب السوري، ثم تفريقه في كل الأرض لفرض الحل الطائفي في سوريا؟ والآن تدخل تركيا من أجل مصالحها، وهو نتيجة لما يحدث في الأرض السورية، فقد تحولت إلى أوكار طائفية وعرقية.
قد لا يخلو الأمر من مؤامرة، فالغرض منع وصول الأغلبية للسلطة في سوريا، وإذكاء حروب الأقليات معها، وكأنهم بذلك يريدون إرسال رسالة إلى دولة مجاورة، وهي العدو الإسرائيلي، فهم حلفاؤها في السر، ويشتركون مع اليهود في ثقافة الأقلية، والموقف السياسي من العرب السنة في الشام قديم، وتمت دراسته جيداً من قبل الخبراء الاستراتيجيين الغربيين، لذلك تبدو الحرب السورية السورية مفتاحاً ذهبياً لسيطرة الكيان الصهيوني على المنطقة.
الحل يبدأ بدفع عملية السلام من خلال بناء الثقة من جديد بين الفرقاء التاريخيين، فما يجمعهم أكثر بكثير مما يفرِّقهم، وسيكون المسار الصحيح أن تلتزم القوى المعارضة بمبادئ حقوق الإنسان، والخروج تماماً عن الطائفية والشعارات غير الوطنية، من أجل توحيد الصفوف لعودة سوريا إلى الصف العربي، وخروجها من الاصطفاف الطائفي.
لن تعود سوريا إلى وحدتها التاريخية إلا من خلال خطاب داخلي مدني ومؤثِّر، ويجمع مختلف الفرق تحت سقف واحد، قوامه الهوية المشتركة والعدالة والمساواة تحت مظلة القانون، ولو حدث ذلك لخرجت إيران وتركيا وروسيا من الأراضي العربية، وإذا لم يحدث ذلك ستكون الكارثة بحدوث التقسيم حسب الطوائف والأعراق.
نقلاً عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة