لا يزال جنون ارتفاع سعر صرف الدولار مستمرا بعد أن انهارت الليرة اللبنانية إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق.
الأمر الذي أدى إلى استمرار الزيادات في أسعار السلع الاستهلاكية، ما أثار موجات غضب شعبية عارمة في لبنان، حيث قام آلاف الأشخاص بإشعال إطارات السيارات وقطع الطرق في مختلف المناطق وسط تحذيرات من تفاقم الأوضاع نتيجة الغضب الشعبي وتدهور سبل المعيشة بشكل غير مسبوق، وهو ما ينذر بأن الأيام المقبلة ستكون صعبة على جميع الأصعدة والمستويات، مما يُصعب الحديث عن القعر الذي يمكن للانهيار اللبناني بلوغه في ظل العجز التام من رئيس الجمهورية ميشال عون وحليفه حسن نصر الله، وبقية مكونات الأحزاب الأخرى، وعدم استيعابهم لأبعاد ذلك الأمر.
لبنان يبدو في طريقه للانهيار كليا، ولم يبق سوى كتابة وثيقة الوفاة، فالوضع اللبناني "مخيف جدًا"، ويكمن الخوف في أن الطرف الذي يتحكّم بكلّ المفاصل السياسية "حزب الله"، حيث ليس لديه أيّ همّ لبناني سواء بقي لبنان أم زال، فهو أمر ثانوي بالنسبة إلى الحزب الذي يمتلك أجندة تتمثّل في خدمة المشروع التوسّعي الإيراني في المنطقة، ولم يعد لبنان سوى ورقة إيرانية تستخدم في لعبة التجاذبات الدائرة في هذه المرحلة بين طهران والإدارة الأمريكية الجديدة، وبِتنا اليوم في مرحلة لم يعد يُفاجأ بها اللبنانيون بما قد تحمله من أحداث بعد كل ما حلّ بهم على يد المنظومة المسيطرة من "مآسٍ، وخراب، ودمار"، حتى أصبح اللبنانيون يتقاتلون من أجل الحصول على علبة حليب لأطفالهم، وعبوة زيت وسكر في هذا المتجر أو ذاك.
إن استمرار سيطرة المنظومة نفسها سيؤدي إلى المزيد من الكوارث والتعقيدات والانهيارات، فقد سقط لبنان في بئر ربما حفرها أهله، لكن أهله باتوا أضعف وأفقر من أن يخرجوا منها بشتى رسائلهم الذاتية، وحتى الرهان على التدويل للإنقاذ لم يعد يجد آذاناً صاغية ولم يعد يهمّ أحداً، لا عربيّا ولا دولياً، ليستمر في خضم أوجاعه.
لا شك أن تأخير تشكيل الحكومة يحرم لبنان الكثير من أمل البقاء بعد أن باتت أرضه بكل أماكنها الجميلة موضعاً للبؤس ومرتعاً لأمراء الانقسام والطوائف التي تنتهج سياسة المراوغة والتسويف، فهم يخبئون رؤوسهم لا خوفاً من الشعب، وخشية أن تُقطع رؤوسهم من قبل حزب الله، وهم أنفسهم يسعون لإبقاء لبنان بلا حكومة، ولا دولة، ولا إدارة سياسية عبر سيناريوهات تتكرر منذ عام 1995 حتى يومنا هذا، بعدما استهتروا بمصير البلد وأهملوا القيام بواجباتهم وسرقوا أمواله، ليس ذلك فقط، بل تركوا الشعب يواجه عاقبة تلك الأفعال غير المسؤولة، وهم "الطبقة الحاكمة" التي تضع مصالحها قبل مصالح لبنان واللبنانيين، وتجعل البلد عرضة لاحتمالات مجهولة سوداء، كل همهم احتواء انتفاضة الجوع التي توحد اللبنانيين ضدهم.
نعم، هناك جوانب عدّة للمأساة اللبنانية لكن أهمها: انتخاب ميشال عون مرشّح "حزب الله" رئيساً للجمهورية، ما يجعل لبنان بلا قيادة سياسية، فهو الذي يعطل تشكيل الحكومة، واللائحة التي وضعها سعد الحريري بين يديه؛ ليضمن عدم إجراء أي انتخابات في لبنان مستقبلا، لا انتخابات نيابية ولا انتخابات رئاسية، وهو مستعدّ للاستغناء عن وجود الحكومة في حال لم تكن هذه الحكومة مجرّد وسيلة يضمن من خلالها مستقبله ومستقبل صهره السياسي، ليبقى السؤال: ماذا يبقى لـ"سلطة" حين تثور عليها غالبية الشعب، وتعارضها غالبية القوى السياسية، ويتذمر منها حتى الجيش؟
ما يحدث للشعب اللبناني من شقاء غير مبرر، رغم حراكه الذي فقد بوصلته وأحقية مطالبه المشروعة، إلا أنه ما زال يسلك طريق العقل، واختيار مشروع الدولة، وتجديد الإيمان بالكيان، بالرغم من فقدان السلطة اللبنانية مبرر وجودها وشرعيتها، فهي التي تؤخر وتتجاهل الحل، وهي التي تفاقم الفشل والانهيار والغرق، فهل يبقى بلد اسمه لبنان؟ وهل يثور الشعب وقد فرغ جيبه من المال؟ لا سيما بعد أن قررت السلطة وحليفها حزب الله "التصدي" لقرار الشعب بالثورة عليهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة