الكل في مصر يترقب انطلاق الحوار الوطني، الذي دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال حفل إفطار الأسرة المصرية في رمضان الماضي.
تلك الدعوة، التي باركتها القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني.
ومن خلال المتابعة، منذ الدعوة لهذا الحوار حتى إعلان موعد الانطلاق المرتقب في الأسبوع الأول من يوليو حسبما أُعلن، هناك ملاحظات تدعو للتفاؤل بنجاح الحوار، وهناك أهداف ينتظر الجميع تحقيقها من مخرجات هذا الحوار.
ويمكن أن تكون الملاحظة الأولى كامنة في السؤال، الذي يطرح نفسه منذ إعلان الرئيس "السيسي" عن الحوار: هل قامت الدولة المصرية بدورها لإنجاح هذا الحوار؟
والإجابة الدقيقة، أنه بمجرد أن تدعو الدولة -ممثلة في شخص رئيس الجمهورية- لمثل هكذا حوار، وهي في عز قوتها ورسوخ مؤسساتها، فهذا يعني أن الدولة قامت بالخطوة الأولى لإنجاح الحوار.
لقد جاءت الدعوة لحوار وطني يجمع المصريين "دون استثناء" من الرئيس "السيسي"، الذي لا ينتمي لأي حزب في المجال السياسي المصري، وهذه الدعوة من الرئيس تعد حجر الاتكاء الأول لنجاح الحوار الوطني.
وحينما تُسند إدارة الحوار الوطني في مصر لشخص يتسم بالقبول من قبل تيارات سياسية مختلفة، على يمين السلطة ويسارها، وهو ضياء رشوان، نقيب الصحفيين المصريين ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات، والقريب من دوائر السلطة في مصر وليس مولودًا منها، فضلا عن إسناد أمانة الحوار لشخص مشهود له بالكفاءة في عمليات التنسيق والترتيب، مثل المستشار محمود فوزي، الأمين العام للهيئة الوطنية للإعلام والأمين العام لمجلس النواب المصري سابقا، والمستشار السابق في مجلس الدولة، بالإضافة إلى أعضاء مجلس أمناء الحوار الذين يغطون أطياف المصريين... كل هذه الاختيارات المتوازنة، التي تتسم بالكفاءة والتنوع، تمثل بادرة أمل أخرى على نجاح هذا الحوار ومخرجاته.
انتقاء أعضاء مجلس أمناء الحوار الوطني جاء ممثلا للمجتمع المصري بالكامل، فقد تم اختيارهم من قبل إدارة الحوار الوطني، دون معرفة من المُختارين، وهذه إشارة لافتة على الشفافية في الاختيارات وتنوعها وتكاملها، ما يوجب التفاؤل أكثر فأكثر بنجاح الحوار الوطني المصري الخالص.
السؤال الثاني، الذي يفرض نفسه: ما أهداف هذا الحوار؟ وهل يمكن أن تكون هناك مكاسب للقوى السياسية المشاركة فيه؟
وهنا أجيب عن الشق الثاني من السؤال حول المكاسب، والحقيقة التي يجب أن تكون واضحة أنه لا توجد غنائم لتُوزّع، فوسط تحديات كثيرة داخليا وخارجيا يجب أن يتحمل الجميع مسؤوليته تجاه وطنه، لأن الجميع بالتأكيد حاضر من أجل تحقيق أهداف المصريين، دون النظر إلى مكاسب لطَيْف دون آخر، وإنْ كان البحث عن مكاسب ليس هدفًا غير مشروع، ولكن التوقيت يفرض على الجميع اقتسام المسؤولية قبل التفكير في الأرباح، وأظن أن المشاركين المدعوين للحوار على قدر كبير جدا من المسؤولية في هذا الاتجاه وفي هذه اللحظة المهمة من تاريخ المنطقة والعالم.
أما إجابتي عن الشق الأول من السؤال سالف الذكر، الخاص بأهداف الحوار، فالحقيقة أن الدعوة للحوار جاءت من أجل أهداف ربما أهمها هو الاصطفاف الوطني وراء الدولة في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، خصوصا التحديات الاقتصادية، التي خلفتها جائحة كورونا والأزمة الروسية-الأوكرانية، ولكن حتى يكون حوارًا ناجحا وجب تحقيق أهداف ثلاثة:
الأول، وضع استراتيجية واضحة يشارك فيها الجميع من أجل تقديم توصيات للحكومة للعمل بها في مواجهة التحديات الراهنة، وهذا أمر سهل المنال في ظل وجود نخبة متنوعة من المشاركين من أصحاب الخبرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا هو الشغل الشاغل لهم عبر هذا الحوار، فيما يمثل الخروج بحُزمة مشاريع قوانين تُقدم للبرلمان من أجل تسهيل مهمة الحكومة ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية الهدفَ الثاني من الحوار، أما الهدف الثالث ربما يكون تطوير الحياة الحزبية المصرية بالوصول إلى توافقات ليكون لدينا 4 أحزاب مثلا تكون فاعلة ومتنافسة بشكل حقيقي، وذلك عبر اندماج بعضها المتشابه في الأفكار والأهداف بالطبع، بدلا من وجود قرابة 106 أحزاب مصرية لا يعرف الجمهور غالبيتها، وهو الأمر الذي اقترحه الرئيس "السيسي" منذ أكثر من عامين، حينها سيكون الوضع الحزبي في الداخل المصري ديناميكيا ومتفاعلا وأكثر فائدة للأطراف كافة، ولنأخذ من التجارب الدولية نموذجًا لذلك يتناسب مع وضعنا الحزبي والسياسي والاجتماعي، وهذا أمر سهل المنال أيضا في ظل الاتفاق على أرضية وفاق وحوار للوصول إلى الأفضل.
إن مقدمات الحوار الوطني في مصر تسير نحو طريق جديد، فلأول مرة في مصر يتم الدعوة لحوار وطني بأساليب جديدة، كشف عنها الترحيب والإقبال الكبير من قبل القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني، ولكن يبقى في النهاية سؤال: إلى متى سيبقى هذا الحوار مفتوحًا؟ وهل توجد مدة زمنية للإعلان عن مخرجاته؟
إجابة ننتظرها مع الأيام القادمة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة