بعيدا عن وصفه بأنه مرض جيني أو هرموني أو نفسي أو سلوك شاذ مكتسب، فالشذوذ الجنسي، أو ما يروَّج له اليوم تحت تسمياتٍ مختلفة، كالمثلية والجنس الثالث، وغيرها من تسميات يسعى مروّجوها إلى مأسسة هذا التعدي الصارخ على الفطرة السليمة ومنظومة القيم الإنسانية.
تلك التي تمثل أخلاقيات ومبادئ سامية طالما حرصنا على ترسيخها في مجتمعنا وتنشئة أطفالنا على أسسها القويمة، هذا "الشذوذ الجنسي" بات هاجسًا يؤرق جميع المجتمعات الإنسانية باختلاف دياناتها وأيديولوجياتها وثقافاتها، وأصبح ظاهرة عالمية تدق ناقوس الخطر وتهدد الأسرة والطفل وسلامة البناء الاجتماعي والأخلاقي.
ما دفعني لطرح هذا الموضوع، وفي هذا الوقت تحديدًا، ما نشهده اليوم من حملات ممنهجة وجهود مكثفة مدفوعة من قبل مؤسسات عالمية للترويج للشذوذ تحت مظلة الحريات والانفتاح والقبول والتعاطف مع كونه مرضًا، وباستخدام ذرائع وحُجج واهية بأن جنس الفرد لا يجب أن يحدد سلوكيات ورغبات الشخص، والهدف منها تقنين هذا الوباء العالمي وكسب مزيد من المؤيدين له، لتتسع دائرة الشذوذ ويعم الفساد كل المجتمعات دون استثناء، فالانفتاح لا يعني الانفلات، والحريات لا تعني تجاوز الأخلاقيات، والقبول لا يعني التسليم والرضوخ، والمرض يحتاج إلى علاجٍ ووقاية، لا إلى تأزيم وتفشٍّ في جسد المجتمع.
دولة الإمارات وطن التسامح والتعايش والانسجام الحضاري، وهي بلد الانفتاح المسؤول والقائم على احترام الآخر، وهي نموذج عالمي في تحقيق التوازن بين الأصالة والعراقة والحضارة والحداثة، تكفل لجميع مَن يقيم على أرضها حقوقهم في الدين والمعتقد والعيش الكريم ونبذ خطاب الكراهية والتمييز والتعصب الفكري والسلوكي، وتؤكد كذلك رفضها القاطع لجميع السلوكيات والممارسات الشاذة، التي من شأنها تقويض القيم والأخلاق الإنسانية، وتحترم رغبة شعبها ورفضه للشذوذ، وحرصها المستمر على صون استقرار المجتمع وتحقيق رفاهيته، والحفاظ عليه من مختلف الأمراض الاجتماعية، ليبقى مجتمع الإمارات على الدوام، معطاءً بنّاءً، كريما متسامحًا، قويًّا مُعافى.
وعليه، نطالب المؤسسات كافة بمضاعفة جهودها، وفق ما تم سنّه من تشريعات وقوانين تضمن حماية الطفل من محاولات استهدافه عبر الترويج لسلوكيات تشجع الشذوذ من خلال الأفلام أو القصص الكرتونية أو حملات التواصل الاجتماعي أو بيع المنتجات أو الأفكار المسمومة، خصوصًا في المدارس الخاصة وبعض مدن الأطفال الترفيهية.
احترام الآخر من أبرز سمات المجتمع الإماراتي، وهي سمة كانت ولا تزال محل إعجاب وتقدير جميع شعوب العالم، فعندما نسافر إلى أي دولة في العالم نحترم قوانينها ونتفهم القواعد التي تضعها حكوماتها ونلتزم بها، ونحرص أن نكون سفراء لوطننا وننقل صورة مشرفة عنه، وكذلك الأمر مع كل مقيم أو سائح أو زائر للدولة يشده مدى التسامح والترحيب والاحترام الذي يحظى به من المجتمع، والذي من الواجب أن يُقابَل بتفهم الزوار لقيم المجتمع الإماراتي واحترام ثقافته وعاداته وتقاليده وعدم المساس بها، وكذلك عدم إشهار أي ممارسات أو سلوكيات منافية لقيم وأخلاق المجتمع.
التصدي المجتمعي لظاهرة ترويج الشذوذ أصبح ضرورة وطنية مُلحَّة للحفاظ على منظومة القيم الأخلاقية للمجتمع والحفاظ كذلك على دور الأسرة في تربية الطفل وإعداده، وإرساء البيئة السليمة، التي تضمن التنشئة الاجتماعية المُثلى لجميع الأطفال، لإعداد أجيالٍ واعية ومسؤولة، وقادرة على مواصلة مسيرة الخير والنماء، التي بدأها الآباء والأجداد، فالمساس بسلوكيات أطفالنا أو قيمهم الأخلاقية جريمة لا يمكن السكون عنها، فلا بد أن يكون هناك إجراءات حكومية فعالة للتصدي لهذه الظاهرة وطرحها للنقاش في المجلس الوطني الاتحادي، وإنشاء لجان متخصصة لدراستها، وحماية المجتمع والأطفال من أي سلوكيات لا تتوافق مع الثقافة والقيم الإماراتية، كما أننا بحاجة إلى إعداد دراسات وأبحاث متخصصة لتحديد وتقييم مخاطر المساس بسلوكيات أفراد المجتمع وقيمه، وكذلك دراسة أسباب الشذوذ السلوكي وسبل الوقاية ومعالجته، وتعريف الحالات المرضية الخارجة عن إرادة الفرد، مثل الولادة بعضوين تناسليين، ووضع التشريعات والسياسات اللازمة وتخطيط وتنفيذ برامج التوعية المجتمعية المناسبة وفق المخرجات العلمية لهذه الدراسات.
كما أننا نحتاج اليوم إلى بلورة توجهاتنا وإيصال رسالة واضحة لجميع المنظمات الحقوقية والدول الداعمة للشذوذ، مفادها أن دولة الإمارات دولة قانون ومؤسسات، تحترم إرادة شعبها وتضمن له المشاركة السياسية والمجتمعية كجزءٍ لا يتجزأ من نهجها الأصيل، وترفض المساس بثوابت وقيم المجتمع، وتحترم كذلك رغبة شعبها المتسامح وكل المقيمين على أرضها ورفضهم للشذوذ وجميع الأنشطة والمظاهر الترويجية له.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة