يفصلنا من الزمن أسبوعان لانطلاق "قمة جدة"، وحضور الرئيس جو بايدن في أول زيارة له لمنطقة الشرق الأوسط، وبحضور دول مجلس التعاون الخليجي وقادة مصر والأردن والعراق في توقيت مهم جدا.
يتزامن هذا التوقيت مع ضبابية الاتفاق النووي، والتصعيد في الأزمة الأوكرانية وما نتج عنها من تبعات، كالأمن الغذائي وارتفاع أسعار الطاقة.
ستكون قمة جدة فرصة قيمة للإدارة الأمريكية لترميم عَلاقاتها مع الدول العربية، بعد مرور فترة عام ونصف العام من تولي الرئيس "بايدن" السلطة، تخللتها مواقف لم ترتقِ لمستوى العلاقات التاريخية بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربي بشكل خاص، كان أبرزها إزالة "الحوثيين" من قوائم الإرهاب الأمريكية، وما نتج عنها من هجمات إرهابية استهدفت المنشآت المدنية في السعودية والإمارات، استغل بها الحوثيون انتهاج إدارة "بايدن" سياسة استرضاء إيران، كما كان لتباطؤ واشنطن في إعادة "الحوثيين" إلى قوائم الإرهاب، والاكتفاء بإدانتهم، الأثر السلبي في العلاقات الخليجية الأمريكية.
تُولي الدول العربية المحورية زيارة الرئيس "بايدن" للمنطقة أهمية كبيرة، فهي فرصة مهمة لإعادة مسار العلاقات العربية-الأمريكية إلى سياقه الطبيعي.
لذلك، شهدت المنطقة تحركات كبيرة في الأسابيع الماضية تكررت بها اللقاءات العربية، استعدادا للقمة، واستباقًا عبر تنسيق المواقف، وتوحيد الرؤى المشتركة للقادة العرب في ظل تصاعد التحديات الراهنة.
الاستدارة الأمريكية تجاه المنطقة العربية لها دلالات عديدة، فلم نعد نسمع عن ملفات حقوق الإنسان، التي طالما استخدمتها لوبيات الحزب الديمقراطي كأداة ضغط على الدول العربية، فلم تعد هذه السياسة لها جدوى في ظل واقعية التغيرات في المنطقة العربية، والثقل السياسي والاقتصادي والعسكري، الذي وصلت إليه دول الاعتدال العربي، وعلى رأسها السعودية والإمارات ومصر، فظهرت إدارة "بايدن" وهي تستخدم منهجا مزدوج المعايير لسبب بسيط، أنها وقعت في مأزق الأزمة الأوكرانية والانتخابات النصفية القادمة، وإنْ حاول "البيت الأبيض" تغليف مبررات زيارة "بايدن" إلى المنطقة في هذا التوقيت الدقيق، لكن جميع المؤشرات تؤكد أنها متعلقة بتداعيات ارتفاع أسعار الطاقة وتأثيرها على الاقتصاد الأمريكي.
ستحاول واشنطن الضغط على الدول العربية -الأعضاء في أوبك- لرفع الإنتاج خارج سياق منظومة "أوبك"، إلا أن الطموحات الأمريكية لن تتحقق في ظل التزام دول "أوبك" سياق المنظومة، كما أنها اتفقت استباقيا على رفع الإنتاج بشكل مرحلي، بما يتناسب مع استراتيجيات الدول الأعضاء ووفقًا لمصالحها الوطنية.
ومن الملفت الوجود العربي في قمة جدة، والمتمثل في حضور الأردن ومصر والعراق، والذي سيعطي القمة غطاءً عربيا أوسع، فهناك توافق كبير بين القادة العرب حول تحديات المنطقة، تحديدًا السياسة الأمريكية تجاه إيران، وماهية الإجراءات الأمريكية، التي ستحد من خطورة الصواريخ الباليستية وامتلاك إيران لسلاح نووي، والفراغ الأمني، الذي ستستغله إيران بسبب انخفاض الوجود الأمريكي في المنطقة.
تضع إيران شرط إزالة "الحرس الثوري" من قوائم الإرهاب للعودة إلى طاولة المفاوضات، بينما نجحت الضغوط الإقليمية والداخلية على الإدارة الأمريكية لرفض الشروط الإيرانية، وما يتقاطع مع ذلك، هو التوجه الغربي للاستغناء عن الغاز الروسي، والذي ظهر جليًّا في مخرجات مجموعة الدول الصناعية G7، ما يعني فرصة لإيران لاستخدام ملف الطاقة كأداة ضغط على المعسكر الغربي، الباحث عن بدائل لسد حاجة السوق الأوروبية.
تأتي أهمية قمة جدة لتكون نقطة التحول في استراتيجيات السياسة الأمريكية، وتعزيز التعاون مع الدول العربية لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية، وإيذانًا عمليًّا بتشكيل نظام عالمي جديد تظهر فيه بصمة سياسية لمحور الاعتدال العربي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة