في اتفاقية باريس للمناخ عام 2015، وضعت الدول الكبرى ميثاقا للحد من احترار الأرض وتحقيق الحياد الكربوني لضمان حياة آمنة لسكان كوكبنا.
ورُصدت ميزانية ضخمة قُدرت بـ100 مليار دولار من أجل مساعدة الدول الفقيرة على التخلص من المصادر "القذرة" للطاقة، وعلى رأس قائمتها الفحم.
توالت القمم والتجمعات الدولية من أجل كوكب آمن ومناخ مستقر، لكن هناك مَن لم يلتزم التعهدات ولا الخطط ولا حتى التمويل.
أما الملتزمون فكان على رأسهم دولة الإمارات العربية المتحدة، التي لم تدخر جهدا من أجل قضايا وهموم المُناخ العالمية، بميزانية ضخمة تعادل تقريبا ما رصده صقور الصناعة العالميون بالكامل.
والحديث عن دولة الإمارات لا يقتصر على الميزانية الضخمة من أجل المناخ، بل إنه وعلى مدار 15 عاما ماضية، عززت دولة الإمارات ريادتها على مستوى المنطقة في استثمارات الطاقة المتجددة والنظيفة على الصعيدين المحلي والدولي، حيث استثمرت 50 مليار دولار في الطاقة النظيفة، وأعلنت مؤخرًا خطتها لاستثمار أكثر من 50 مليار دولار خلال العقد المقبل في مزيد من المشاريع، بما فيها الهيدروجين "الأخضر والأزرق" والأمونيا.
كذلك تمتلك دولة الإمارات ثلاثا من كبرى محطات الطاقة الشمسية وأقلها تكلفة في العالم، ولديها استثمارات في مشاريع الطاقة المتجددة في 70 دولة، وتشمل هذه الاستثمارات تقديم أكثر من مليار دولار في شكل منح وقروض لـ27 دولة جزرية تعاني من شُح الموارد وأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ.
اللافت بعد كل هذه الأرقام المشجعة والهادفة لحماية الكوكب من الدمار الشامل جراء كوارث المناخ، التي لا تخفى على أحد توابعُها، أن هناك من التكتلات العالمية الكبرى من وقع في الردّة، بل وصلت إلى حد الانقلاب على مبادئ الحياد الكربوني، ومقصدي هنا أوروبا، تلك القارة العجوز التي دفعتها الحرب الروسية الأوكرانية إلى فخ الانقلاب المناخي لتعود مجبرة إلى "أخطر" أنواع الطاقة في العالم، وهو الفحم.
وإذا كانت أوروبا مضطرة بسبب حاجتها إلى الطاقة، التي أصبحت تحصل عليها بكلفة أكبر من كلفة الطاقة الروسية "الغاز والنفط" بسبب موقفها من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، فإن الموقف الأوروبي من قضايا المُناخ أصبح يحمل الكثير من التناقضات.. إذ اعتبرت موسكو دول الاتحاد الأوروبي "دولا غير صديقة" بعد أن أمطرت روسيا بوابل من العقوبات، التي استهدفت قطاع الطاقة الروسي والمالي أيضا.
تلك التناقضات، التي لم تكن في الحسبان، تتعلق في المقام الأول بالبديل السريع للطاقة الروسية، ولا يخفى على أي أوروبي، بل أي إنسان على وجه الأرض، أن أوروبا تحصل على 40% من احتياجاتها من الطاقة من روسيا، لكن بعد الحرب والعقوبات المضادة الصادرة من موسكو تجاه التكتل الأوروبي قلبت موازين اللعبة بالكامل.
فأمريكا، التي دفعت أوروبا دفعا لعقوبات ضد روسيا مقابل تطمينات بإمداد من الغاز المُسال لأوروبا، دخلت هي الأخرى إلى دوامة "الشح" وارتفعت أسعار الوقود فيها إلى مستوى قياسي، 5 دولارات لجالون البنزين لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة، كذلك عدم امتلاك أوروبا لمحطات تسييل الغاز بالقدر الكافي، والذي يدعمها في الاستيراد من دول غير روسيا عقّد الأمور وباتت أوروبا تنتظر شتاءً هو الأصعب في تاريخها.
وبعيدًا عن الأرقام الصعبة، التي يستهدفها الاتحاد الأوروبي، الذي وضع خطة للتخلص من الاعتماد على الطاقة الروسية بنهاية 2022، حيث يهدف إلى ملء مخزون الغاز بنسبة 90% على الأقل بحلول بداية ديسمبر 2022، علما بأن مستوى تخزين الغاز حاليا وصل إلى 56%، ويجب أن يصل إلى 65% بحلول الأول من أغسطس 2022، و80% على الأقل بحلول أكتوبر من العام نفسه.. نقول بعيدا عن هذه الأرقام فإن أوروبا على طريقة "أنا لا أكذب، ولكني أتجمّل"، وقفت لدول البلطيق بالمرصاد من أجل وقف محطات الطاقة العاملة بالفحم، كذلك فعلت مع الصين، أكبر منتج ومستهلك للفحم عالميا، لكنها سمحت لألمانيا وبمباركة أمريكية بإعادة تشغيل 15 محطة طاقة تعمل بالفحم، لتفتح المجال إلى 3 دول أخرى، هي إيطاليا والنمسا وهولندا، لتبدأ في تشغيل محطات تعمل بالفحم.
الخلاصة في تقديري أن أمريكا ورّطت أوروبا في مواجهة مع روسيا حول أهم ملفات البقاء، ملف الطاقة، ما دفع الأوروبيين إلى انقلاب على مبادئ المُناخ والطاقة الصديقة للبيئة، لتعود أوروبا إلى إدمان الفحم، الذي لن يقضي على رئة أوروبا وحدها، بل رئة العالم، التي انتظرت كثيرا أن يُقلع أهل الأرض عن إدمان الفحم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة