المعطيات تشير لوجود أطرافا رابحة وأخرى خاسرة من استمرار إدارة ترامب
تتعدد التقديرات السياسية التي تتناول نتائج الانتخابات الأمريكية مسبقا، ويتكرر الحديث في ثوابت ومعطيات الانتخابات المقبلة وتأثيراتها المتوقعة، والتي تشير إلى وجود أطراف رابحة وأخرى خاسرة من استمرار الإدارة الأمريكية الراهنة في موقعها لصالح ما تم من توجهات مفصلية لهذه الإدارة، أو القادمة بصرف النظر عن كونها ديمقراطية أو جمهورية، وهو الأمر الذي سيعيد ترتيب الأوضاع العربية الإقليمية والدولية على أسس جديدة، خاصة أن الإدارة الأمريكية الحالية اشتبكت مع العالم في ملفات عديدة، وصنفت العالم إلى دول متعددة منها الشريك والحليف، ومنها المعادي، والذي سيؤثر على المصالح العليا للأمة الأمريكية بأكملها خاصة في ظل تباين المواقف والتوجهات في الملفات الاقتصادية والسياسية، وهو ما ينطبق على دول مثل الصين اقتصاديا، وإيران على المستوى السياسي، وبالتالي فإن المصالح الأمريكية ستظل تعلو على أي مصالح أخرى.
فعلى سبيل المثال، عارض الحزب الجمهوري الاتفاق النووي الإيراني، ورفْع العقوبات الدولية المفروضة على طهران، وإتاحة مئات المليارات من الدولارات للنظام السياسي في إيران، باعتبار أن هذا الاتفاق قد ساعد طهران على رعاية الإرهاب في جميع أنحاء المنطقة، ودفع بها لتطوير السلاح النووي، واختبار الصواريخ الباليستية وانتهاك حقوق الإنسان الأساسية لمواطنيها. مع تأكيد الجمهوريين على ضرورة احتفاظ الإدارة الأمريكية بجميع الخيارات في التعامل مع وضع يهدد بشكل خطير أمنها ومصالحها وبقاء أصدقائها.
والتأكيد على القضاء على تنظيم داعش الذي يمتد إلى ما هو أبعد من منطقة الشرق الأوسط، إلى كل قارة تقريبا، فيما أكد برنامج الحزب أن إسرائيل تربطها مصالح استراتيجية مشتركة مع الولايات المتحدة، حيث تشارك واشنطن قيمها الأساسية، وتبرز بين الدول كمنارة للديمقراطية والإنسانية، وأنها الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي توجد فيها حرية التعبير وحرية الدين. مع التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل وضمان تفوقها العسكري النوعي على أي من خصومها، وكذلك دعم حق إسرائيل والتزامها بالدفاع عن نفسها ضد الهجمات الإرهابية، وضد الأشكال البديلة للحرب التي تشن عليها قانونيا واقتصاديا وثقافيا وغير ذلك.
في المقابل ركز الحزب الديمقراطي على انتقاد السياسة الخارجية للرئيس ترامب، وعلى خفض التورط العسكري الأمريكي في حروب طويلة الأمد، وتعظيم استخدام الأداة الدبلوماسية، كما انتقد البرنامج مقاربة إدارة ترامب لقضايا السياسة الخارجية، والتي زادت من استخدام القوة العسكرية في السياسة الخارجية الأمريكية، وكذلك فشله في إخراج البلاد من دائرة الحروب طويلة الأمد. مع العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني لعام ٢٠١٥ حيث يرفض برنامج الحزب سياسات "تغيير النظام" التي تتبعها إدارة ترامب تجاه إيران.
وسيعيد الديمقراطيون تنشيط الدبلوماسية الأمريكية لضمان بقاء الولايات المتحدة قوة العالم المحورية وقوة مبدئية من أجل السلام والازدهار، ويعتقدون أن الدبلوماسية يجب أن تكون إحدى أولويات التحرك الأمريكي بدلا من عسكرية السياسة الخارجية الأمريكية. ويعتقد الديمقراطيون أن التحالفات الأمريكية هي حجر الزاوية الذي لا بديل عنه للأمن القومي الأمريكي، وأنها تقدم ميزة استراتيجية للولايات المتحدة.
وفي إطار الجهود الأمريكية لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي يؤكد برنامج الحزب على حل الدولتين الذي من شأنه إقامة دولة فلسطينية مستقلة تضمن حق الفلسطينيين في العيش بحرية وأمان في دولة قابلة للحياة إلى جانب إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية ذات حدود معترف بها.
في إطار ما سبق من عرض لبعض الرؤى عامة للحزبين تجاه القضايا الخارجية، وأيا كانت النتائج المتوقعة، التي ستأتي بها نتائج الانتخابات الأمريكية، فإن هناك دولا في الإقليم والعالم ستكون رابحة من استمرار الإدارة الأمريكية الراهنة بصرف النظر، عما هو مطروح سلفا من رؤى لبرنامج الحزبين الديمقراطي أو الجمهوري، وفيما سيأتي من رئيس أيًّا كان.
وهناك في المقابل دول ستكون خاسرة تماما من رحيل الإدارة الأمريكية الراهنة؛ فالجانب الفلسطيني يتفق مع الجانب الإيراني على سبيل المثال في تبني رحيل الإدارة الأمريكية الراهنة لاعتبارات متعلقة بما هو مطروح من سياسات تؤثر على مصالحهما، وربما تدخل إثيوبيا على خط الموقفين أيضا بعد تصريح الرئيس ترامب الأخير المتعلق بسد النهضة، وهو ما فسر بتفسيرات متعددة.
كما أن دولا أخرى في المقابل ستربح من بقاء الرئيس ترامب لاستكمال ما قام به من سياسات، ومواقف ليس في الشرق الأوسط فقط، وإنما في مناطق ودول وأقاليم أخرى، وبعد أن بدأ مسار تحريك المشهد السياسي المجمد منذ سنوات في منطقة مثل الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، والتي عبرت عنها معاهدات السلام العربية الإسرائيلية، وإبرام اتفاقيات تجارية مع مجموعة الآسيان، والتي ستتوالى في الفترة المقبلة، والرسالة المهمة أن دول في الإقليم، وفي نطاقها الدولي، ترى في ما ستأتي به نتائج الانتخابات الأمريكية تأثيرا مباشرا على مصالحها خاصة وأن هناك توقعا عاما بأنه إذا جاء بايدن إلى البيت الأبيض رئيسا فإن ولايته ستكون الولاية الثالثة للرئيس أوباما، ومن ثم لا تغيير جوهري في السياسات، التي تشابه توجهات السياسة الجمهورية الراهنة، والإشكالية الكبرى تتمثل في آليات التفاعل والتعامل، فقد وعد بايدن بأن إدارته ستكون "روزفلتيان"، أي ستسير على نهج الخطط الاقتصادية للرئيس الأمريكي الأسبق "فرانكين روزفلت" خلال مواجهته للكساد العالمي. وهذا يعني أن بايدن سيقوم بحزمة تحفيزية من الإصلاحات.
ومن المتوقع أن تعود الولايات المتحدة في حال فوز بايدن إلى اتفاق باريس ومبادرة البنية التحتية الخضراء، وسيضغط الأعضاء التقدميون في الإدارة والكونجرس من أجل إدراج عناصر من برنامج "بيرني ساندرز" الانتخابي. ورغم تقدم بايدن حاليًّا على حساب ترامب؛ إلا أن أزمة فيروس كورونا تفرض حالة من عدم اليقين على المشهد الأمريكي والعالمي، وتجعل من الصعب توقع مسار أحداث الأيام المقبلة التي تسبق الانتخابات، وكذلك توقع أو ترجيح هوية الرئيس الأمريكي القادم ليبقى المشهد مفتوحا أمام سيناريوهات متعددة، ولكن من المؤكد أن هناك دولا رابحة وأخرى خاسرة من نتائج الانتخابات المقبلة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة