مع جموح الأسعار.. هل بدأ عصر فقر الطاقة في أوروبا؟
حذر مفوض الاتحاد الأوروبي للوظائف والحقوق الاجتماعية من تزايد فقر الطاقة في أوروبا مع ارتفاع الأسعار.
فقر الطاقة
وقال نيكولاس شميت لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، اليوم الأحد، إن هناك ملايين بالفعل يعانون من فقر الطاقة في التكتل، وقال إن العدد قد يستمر في الزيادة.
وأشار شميت إلى أن المفوضية الأوروبية يمكن أن تساعد دول الاتحاد في الحد من تأثير ارتفاع أسعار الطاقة الحالي على الجمهور، لكن اتخاذ التدابير متروك للحكومات الوطنية في المقام الأول.
وكانت المتحدثة باسم الحكومة الألمانية مارتينا فيتز قد قالت يوم الجمعة إنه من المهم أن يكون هناك تنسيق على مستوى أوروبا والعمل وفقا للقواعد الحالية للسوق الداخلية للاتحاد الأوروبي.
وقالت فيتز إنه سوف يتم مناقشة القضية في قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل يومي الخميس والجمعة المقبلين.
وقال اتحاد النقابات العمالية الأوروبية في شهر سبتمبر الماضي إن البيانات تشير إلى أن أكثر من 2.7 مليون شخص في أوروبا لم يعد بإمكانهم تحمل تكاليف تدفئة منازلهم، على الرغم من كونهم يعملون.
الأسوأ يبدأ من إسبانيا
تحاول كل دول أوروبا أن تعالج مشكلة ارتفاع أسعار الطاقة عبر وسائل مختلفة –من وضع حدٍّ أقصى للأسعار بالنسبة إلى نظام الرسوم المتغيرة لحماية 11 مليون مواطن في المملكة المتحدة، إلى زيادة استخدام النفط في السويد، وخطط إنشاء مفاعلات نووية صغيرة في فرنسا.
أما في إسبانيا التي تعاني من مواجهة الأزمة، فقد اكتشفت الحكومة في مدريد، والداعمة للاتحاد الأوروبي، أنَّ بروكسل غائبة وعاجزة. فقد ذهب اقتراحها لدفع الكتلة الأوروبية إلى التعاون في شراء إمدادات الطاقة ومشاركتها، أدراج الرياح، ولم تختلف في ذلك عن مبادرة الاستحواذ المشترك من الاتحاد الأوروبي على لقاحات كوفيد-19.
وفي الوقت الراهن، كشف الاتحاد الأوروبي فعلاً عن محدودية قدرته في وضع خطط مشتركة بهدف تخفيف آثار الأزمة، وهي خطوة زادتها صعوبة اختلاف مصادر الطاقة لدى الدول الأعضاء، ومصالحها الاستراتيجية، ما يعني أنه بات من الصعب جدًا إيجاد علاجًا مؤقتًا وسريعًا لأسواق الطاقة.
رسالة من إسبانيا جاءت مخيبة للآمال، ومفادها أنَّ "الحكومات لا تستطيع أن تفعل الكثير"، فبعد أشهر من إعداد سياسات تهدف إلى وضع حدٍّ للمعاناة بسبب الصعود القياسي في أسعار الغازوالكهرباء وسط نقص المعروض، اتخذ رئيس وزراء إسبانيا الاشتراكي، بيدرو سانشيز، موقفاً عكسياً، معترفاً من الناحية الفعلية بأنَّ ضرر الإجراءات الحكومية أكثر من نفعها.
وتعتمد إسبانيا على الاستيراد في تغطية احتياجاتها من الطاقة، أكثر من معظم الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وبرغم أنَّها تعدُّ في ذلك حالة متطرفة استثنائية؛ فإنَّ تجربتها تكشف عمَّا يحمل المستقبل للمنطقة التي تتقدَّم نحو أشهر الشتاء الباردة التي يزيد فيها استهلاك الغاز.
في الوقت الذي تفرض فيه أزمة الطاقة نفسها على جدول أعمال قمة الاتحاد الأوروبي في 21 و22 أكتوبر الجاري؛ إذ يتنظر أن يوافق الأعضاء على مجموعة من الإجراءات الطارئة لتخفيف وقع الأزمة؛ تكشف الحالة الإسبانية عن ندرة الوسائل والأدوات المتاحة في مواجهة صعود الأسعا.
وبغض النظر عن أي نسبة تخفيض في الضرائب؛ تواصل الأسعار العالمية ارتفاعها، مما يجعل هذه الإجراءات عبثية، وهي إهدار لإيرادات الدولة بلا عائد يذكر. وليس أمام هذه الحكومة أو الحكومات الأخرى فرصة لمقاومة ارتفاع الأسعار، بل إنَّ الأوضاع سوف تتدهور نحو الأسوأ، وسوف تبدو أزمة الكهرباء مجرد مزاح عندما يدخل فصل الشتاء ونعاني من نقص الغاز.
وتدرك إسبانيا مدى ضعفها في مواجهة مخاطر الأزمة، ولذلك بدأت معركتها مبكرًا في يونيو الماضي، بهدف تخفيف تأثير ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، ونقص الإمدادات، وقامت بتطبيق إعفاءات ضريبية مؤقتة بهدف خفض تكلفة فواتير الغاز على المستهلكين.
من البديهي أن تتعرَّض إسبانيا بصفة خاصة، لمخاطر تقلُّبات أسعار الغاز العالمية. فهي لا تملك خطوط أنابيب للغاز تربطها ببقية أوروبا، وبالتالي؛ تضطر إلى الاعتماد على استيراد كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال من بلدان شمال أفريقيا. وعندما يكون الطلب على الغاز الطبيعي المسال مرتفعًا في مناطق أخرى من العالم مثل اليابان، تصبح المنافسة أكثر صعوبة. وتشكل الواردات نحو 75% من استهلاك إسبانيا من الطاقة.
ويبدو أن أزمة الطاقة آخذة في التفاقم، مع بقاء داول الغاز الطبيعي بما يقرب من 200 دولار أمريكي للبرميل الواحد في أوروبا، وهو الأمر الذي يتعزز معه الطلب العالمي على النفط بمقدار 0.5% أخرى، حيث تسارع الشركات لتأمين أي وقود يمكن استخدامه كبديل، بدءاً من الديزل إلى زيت الوقود وحتى النفط الخام، ويتداول خام برنت اليوم بالأسواق العالمية فوق مستويات الـ84 دولارًا للبرميل.