رحيل أمريكا من النيجر.. تحرك مفاجئ على رقعة التنافس والإرهاب
تجهز القوات الأمريكية أمتعتها للرحيل من النيجر، تاركة هذا المجال الاستراتيجي لـ"لعبة كراسي موسيقية" سواء بين الدول الكبرى، أو التنظيمات الإرهابية.
رحيل اضطراري بعد نحو 12 عاما، في وقت تحاول فيه نيامي الاعتماد على نفسها في مكافحة الإرهاب بالتحالف مع بوركينا فاسو والنيجر، وعزم المجلس العسكري بالبلاد أخذ روسيا بديلا مساعدا عن القوات الفرنسية والأمريكية في مكافحة الإرهاب بالمنطقة.
ووفق محللين، فإن "الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تخطط لأخذ موقع فرنسا التي انسحبت قواتها من قبل من النيجر، باتت مهددة بفقد نفوذها في المنطقة، لصالح روسيا".
واعتبروا أن الانسحاب قد يؤدي إلى "وضع قلق في منطقة بالغة التعقيد والتشابك، وسط مخاوف أن تستغله الجماعات الإرهابية للتمدد والانتشار"، إلا "إذا تحركت النيجر بسرعة ونظمت نفسها واعتمدت على إمكاناتها الذاتية بالتعاون مع دول الجوار ر ومن ثم التقليل من الآثار السلبية".
الانسحاب الأمريكي يأتي بالتزامن مع انعقاد مؤتمر أبوجا لمكافحة الإرهاب بالمنطقة، والذي يتوقع أن تخرج توصياته بضرورة تكوين قوة أفريقية مشتركة لمكافحة الإرهاب.. فهل ستنجح منطقة الساحل الأفريقي وغرب أفريقيا في مواجهة هذا التحدي الكبير؟
غير مفاجئ
مدير جامعة المغيلي الأهلية الدولية بالنيجر، عبدالمهيمن محمد الأمين، اعتبر أن انسحاب القوات الأمريكية من النيجر كان متوقعا من خلال الأحداث التي تجري في كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو.
وفي حديث لـ"العين الإخبارية"، قال الأمين إن هذا التحالف الثلاثي يسير في اتجاه الابتعاد عن أوروبا وأمريكا، وإنها بدأت تسير بشكل واضح نحو بناء علاقات متميزة مع روسيا خاصة في الجانب العسكري والأمني، مضيفا أن الشعب النيجري ينظر إلى القوات الأمريكية بنفس النظرة التي كانت تنظر إليها إلى القوات الفرنسية عندما كانت موجودة في البلاد، فمع كل الإمكانات التي كانت موجودة لهذه القوات فإن الجماعات الإرهابية تنشط بقوة في مثلث الموت بين الدول الثلاث، وكذلك حركات تهريب البشر والمخدرات على الحدود بينها، وأيضا مع حدودنا مع ليبيا والجزائر
"لم يظهر للناس بشكل قوي تأثير هذه القوات في الميدان"، وفق الأمين، الذي أكد أن "تأثير خروج هذه القوات له اتجاهان وهو أن النيجر ستصبح أمام الأمر الواقع الآن، وعليها أن تعتمد اعتمادا كليا على ما لديها من إمكانات وهي متواضعة عسكريا وأمنيا، وأن تحاول أن تتحرك على ضوء هذه الإمكانات".
وأشار إلى أن "النيجر تقوم على مرحلة بناء الذات من جديد وفق القدرات التي تتوفر لديها من أجل أن يكون لديها إدارة للشأن الأمني في بلادها سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي".
وبينما توقع أن "دول التحالف ستحاول أن تدعم هذا التحالف بأن يكون فاعلا وحقيقيا، وأن يحاول تسخير كل الإمكانات مع الدول الصديقة التي ستتعاون معها"، لم يستبعد أيضا اعتماد الدول الثلاث على روسيا كبديل عن الولايات المتحدة وفرنسا في القضايا الأمنية.
تبعات الانسحاب
وبحسب مدير جامعة المغيلي الأهلية الدولية بالنيجر فإن التأثير السلبي لهذا الانسحاب هو لعبة المخابرات بين الدول الكبرى، وأن أمريكا وفرنسا اللتين خسرتا مصالحهما بالنيجر ربما ستقومان بردود فعل تقلق الأمن في المنطقة، وأيضا كان يجب أن يكون هناك نوع من التخطيط بعيد المدى في قضية التخلص من القوات الأجنبية، فما زلنا بحاجة إلى أن يكون لنا حلفاء نعتمد عليهم في المجال اللوجستي.
الجهات التي لها مصلحة في النيجر، وفق الأمين، ستجد أن هذه فرصة سانحة وقوية من أجل تعزيز نشاطها في النيجر، وأن تثبت وجودها وأن تنفذ عمليات أكثر سواء ما يتعلق بالحركات الإرهابية أو بحركات التهريب، متوقعا أن تكثف هذه الحركات من نشاطها نتيجة لهذا الانسحاب.
قبل أن يستدرك: "لكن إذا تحركت النيجر بسرعة ونظمت نفسها واعتمدت على إمكاناتها الذاتية بالتعاون مع دول الجوار بجانب التحالف الثلاثي، ونسقت فيما بينها أمنيا ربما ستستطيع التقليل من الآثار السلبية".
ضربة لواشنطن
حمدي عبدالرحمن، الخبير المصري في الشؤون الأفريقية، قال إن "النيجر كانت محطة مهمة جدا للولايات المتحدة لمحاربة الإرهاب في الساحل وشرق وغرب أفريقيا، وإن واشنطن كانت تأمل أن تستمر بعد طرد القوات الفرنسية في كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو".
وأضاف عبدالرحمن في حديث لـ"العين الإخبارية" أن "الحكومة العسكرية التي أطاحت بالرئيس محمد بازوم في نهاية العام الماضي اعتبرت هذا الاتفاق مجحفا، وأن وجود القوات الأمريكية غير قانوني، ومن ثم طلبت انسحاب القوات الأمريكية من النيجر".
وأوضح أن "خروج فرنسا والولايات المتحدة يعني أن الدول الغربية سوف تفتقد نقطة انطلاق أساسية في هذه المنطقة، ولا سيما أن تشاد هي الأخرى هددت بطرد الأمريكان".
روسيا بديل
ولفت الخبير المصري في الشأن الأفريقي إلى استخدام روسيا لهذه الفجوات، وإلى أنها ستحل محل فرنسا والولايات المتحدة، وقال إن موسكو غيرت من اسم فاغنر لتصبح الفيلق الأفريقي تحت إشراف وزارة الدفاع الروسية، وأنه تم توقيع اتفاق بينها وبين نيامي لتوريد أسلحة، ومدربين روس للجيش في النيجر.
"هذا تثبيت لقدم لروسيا في المنطقة"، وفق عبدالرحمن، الذي أكد أنه "سيمهد لتنافس دولي قوي مع الولايات المتحدة وفرنسا".
واعتبر أنه "على الولايات المتحدة أن تعيد مرة أخرى تقييم سياستها الخاصة بمحاربة الإرهاب والوجود الأمني في الساحل وغرب أفريقيا".
وعن تداعيات الانسحاب، قال إنه "سوف يؤدي إلى وضع قلق في منطقة بالغة التعقيد والتشابك، وأن الجماعات الإرهابية ستستغل هذا الوضع للتمدد والانتشار وحتى الوصول إلى المناطق الساحلية مثل بنين وتوغو وغانا، وأحيانا يحدث تعاون بين هذه الجماعات على الرغم من اختلافاتها الفكرية والأيديولوجية".
وتابع أن عقم هذه المقاربات الدولية للتعاون الأمني مع المنطقة، وإعلاء مسألة التنافس الدولي قد يكون ورقة رابحة لتمدد الجماعات الإرهابية والتأثير على الأمن الإقليمي والدولي في منطقة الساحل وغرب أفريقيا".
ضربة قاتلة
الباحث السوداني في الشأن الأفريقي، محمد تورشين، أوضح أن الغرض من إبعاد القوات الفرنسية من النيجر كان رسالة إلى أمريكا بشأن التوصل إلى تفاهمات بينها وبين حكومة الانقلاب.
وأضاف تورشين لـ"العين الإخبارية" أن "النيجر لديها مصالح في أن تبقى أمريكا حاضرة لتعزيز وجودها وتعزيز شرعية الحكومة العسكرية، فالعسكريون تتقاطع مصالحهم مع الولايات المتحدة، باعتبار أن القوات الأمريكية بالنيجر ذات طبيعة استخباراتية لاستطلاع الأوضاع في المنطقة.
خروج القوات الأمريكية من النيجر يمثل "ضربة قاتلة" للوجود الأمريكي في أفريقيا، وفق تورشين، الذي أكد أن "ذلك سينعكس بشكل سلبي على مستقبل العلاقات الأمريكية الأفريقية".
وأشار إلى أن "هامش المناورة الذي منحه العسكريون للإدارة الأمريكية لم يتم توظيفه بشكل جيد"، متوقعا أن "تكون الأمور معقدة بشكل أكثر في الأيام المقبلة، وأن العلاقات الأمريكية الأفريقية بهذه الخطوة ستكون لها تداعيات وبعض المؤشرات التي ستعقد وستعمل بشكل أو بآخر على تراجع حظوظ وحضور واشنطن في أفريقيا".
غير مؤثر
من جانبه، قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي النيجري محمد سيدي إن الاتفاقية العسكرية بين النيجر وأمريكا في عام 2012، أقرت بوجود قوات أمريكية في قاعدة أغاديز التي تبعد عن العاصمة نيامي 1000 كيلومتر، وأن بها قاعدة جوية تقوم برصد جميع أنحاء البلاد والجماعات الإرهابية بالمنطقة.
وأضاف سيدي لـ "العين الإخبارية"، أن إلغاء الاتفاقية هو ما دفع الولايات المتحدة لإعلان اعتزامها الانسحاب من البلاد، وهو قرار لقي قبولا من الشعب النيجري والذي طالما نادى بخروج هذه القوات عبر عدة مظاهرات في جميع الأقاليم والمحافظات.
وفي المقابل، اعتبر أن خروج القوات الأمريكية من النيجر لن يكون له تأثير كبير للغاية على أمن النيجر، "لم نتابع أو نشاهد أي نتائج إيجابية حققتها الولايات الأمريكية بالنيجر منذ 2012 حتى اللحظة، ولا يوجد أي تطور في مجال مكافحة الإرهاب على أرض الواقع".
وأشار إلى أن "جيش النيجر هو من يحارب الإرهابيين وحقق نتائج إيجابية في مكافحة الإرهاب، وأنه يسيطر بشكل كبير على الأراضي النيجرية، وليس هناك أي شبر تحت سيطرة الإرهابيين، صحيح أن الإرهابين ينفذون هجمات إرهابية داخل البلاد ولكنهم ينسحبون بعدها، ولذلك لا أعتقد أنه سيكون هناك تأثير بمعنى الكلمة بعد هذا الخروج".
وأمس الإثنين، أعلن البنتاغون أن الولايات المتحدة بدأت بإجراء مناقشات مع النيجر بشأن سحب أكثر من ألف جندي أمريكي من البلاد التي تعد قاعدة رئيسية لعمليات مكافحة الإرهاب.
وأكدت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (يو إس آيد) في نيامي أنها ستواصل تعاونها الثنائي مع النيجر، معلنة اتفاقا جديدا سيحل محل اتفاق سابق ينتهي في سبتمبر/أيلول 2024، وأنها ستواصل استطلاع الخيارات بشأن كيفية ضمان قدرتها على الاستمرار في مواجهة التهديدات الإرهابية المحتملة في أعقاب الانسحاب.