المرأة اليمنية المنتجة.. حرف تقليدية تتحدى قهر الحوثيين
"العين الإخبارية" ترصد في جولة ميدانية قصص نجاح لنساء يمنيات منتجات يمارسن الحرف التقليدية وسط ظروف حرب قاهرة.
باتت الحرف النسوية التقليدية، أحد أبرز الأنشطة الذاتية التي لجأ إليها المجتمع اليمني منذ خمس سنوات، من أجل قتل البطالة وتحدي ما أفرزه الانقلاب الحوثي من معاناة إنسانية.
- الروائية اليمنية شذا الخطيب: الكتابة ضرورة في زمن الأزمات
- الحكومة اليمنية: جرائم الحوثي تفوق إرهاب القاعدة وداعش
وعقب تفشي البطالة، لم تستسلم اليمنيات للواقع وخلقن واقعا جديدا تمثل في احتراف إنتاج الملابس العصرية وأزياء الأعراس، والحصير، والفخار، والهدايا، وكذلك المأكولات والعطور، وغيرها من الأشغال اليدوية.
فبين بلدات الحديدة المحررة وتعز المجاورة لها، تنقلت "العين الإخبارية" في محاولة لاستكشاف الجانب الآخر لآثار الانقلاب الحوثي، وتسليط الضوء على قصص المرأة اليمنية المنتجة، آخر نواة قادرة على تعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي لهذا البلد.
وتزامن ذلك، مع جهود أممية تستهدف تعزيز فرص السلام ودمج المرأة في جهود حل الصراع ورعاية النساء والفتيات من العنف والاضطهاد عقب معاناتها خلال النزاع المسلح.
قصة نجاح
منال وهناء الشرجبي، شقيقتان غادرتا مدينة تعز إثر حصار الانقلاب الحوثي، لكنهما أسستا وسط مخاض النزوح مشروع "عسجتي غير" كمصدر رزق وقصة نجاح وليدة لمعاناة حرب عبثية ضد الشرعية.
ففي متجرها بمركز تسوق المرأة المنتجة بتعز، التقت "العين الإخبارية"، منال تحيطها ملابس تراثية تتوسطها لافتة صغيرة تدون "سأكتب قصة نجاحي على جدار منزلي المقتحم من أعداء تعز الانقلابيين".
وعن رمزية اللافتة، تقول منال: "إن ظروف الحرب الصعبة إبان اجتياح الحوثيين لتعز وقطع الرواتب الحكومية، أجبرت على مغادرة المنزل وخوض تجربة نزوح مليئة بالمواجع لكن عند عودتها في ظل التهدئة المزعومة وجدت منزلها قد تحول إلى ثكنات عسكرية بعد اقتحامه من الحوثيين".
تسكن منال وشقيقتها مع أسرتهما في منزل متواضع بالأحياء البعيدة عن الاستهداف المدفعي بتعز ويقومان بسداد إيجاره من عملهما في مشروعهما "عسجتي غير" والذي ينتج الأزياء الشعبية والتراثية صلب رأس مالهما.
وتضيف لـ"العين الإخبارية": صحيح الحرب محنة كبيرة غير أنها منحة أيضا، هذا ما تعلمته بعد 5 سنوات من الحرب و3 أعوام من إدارة هذا المشروع، إذ تستعد لتلبية طلبات عملائها مع قدوم عيد الأضحى.
وبينما تبتاع منال المنتجات، تعكف شقيقتها هناء على الترويج عبر وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك، وواتساب) بتصاميم تستدعي الهوية اليمنية وتلبي حاجيات الأعراس كالديكورات وزي العروس بطابعها التراثي العصري وبتوزيعات عقود الفضة القديمة.
بجانب مشروع "عسجتي غير" لمنال وهناء، تملك أكثر من 60 امرأة، يجتمعن تحت سقف واحد بتعز، مشاريع نسوية تبيع الـتحف والهدايا المزخرفة يدويا، بجانب مأكولات، وملابس تراثية وشعبية، وعطورات، وبخور، وإكسسوارات، وأشغال يدوية متنوعة.
الإمارات تعيد الحياة للمشغل النسوي
"أم زكريا" طالبة متدربة في المشغل النسوي الحرفي للتطريز والخياطة في مديرية الخوخة، أولى مديريات الحديدة المحررة (غربا) تقول إنها تعلمت إنتاج الملابس لإعالة أطفالها الثلاثة بعد فقد زوجها العائل الوحيد للأسرة، بنيران مليشيا الحوثي أواخر عام 2017.
وتابعت في حديثها لـ"العين الإخبارية"، أنها تدير أعمال المنزل ثم تتفرغ للتعلم والإنتاج في المشغل النسوي الحرفي والذي يستعد هذه الأيام رفد أسوق البلدات الساحلية بمتطلبات عيد الأضحى، مضيفة أنها تقبل هذه الأعباء لضمان مصدر رزق يعينها وأطفالها على المعيشة.
واستعاد المشغل الحرفي النسوي بالخوخة نشاطه بعد سنوات من التوقف إثر اجتياح الحوثيين للبلدة الساحلية وابتلاع مفاصل الحياة، لكن فور التحرير تدخلت هيئة الهلال الأحمر الإماراتي بزمن قياسي لتأهيل وإعانة الفتيات كأول إمدادات دولية إنسانية تصل للساحل الغربي.
وباتت 100 امرأة على وشك التخرج في دورة تعليمية استمرت 3 أشهر، إذ ترعى المنحة الإماراتية تعليم ألفي امرأة يستوطن مع أسرهن 9 مديريات بين الحديدة وتعز، وتستهدف تأمين مصدر رزق لنساء أسر الشهداء والأشد فقرا.
خديجة محب، وهي مدربة في المشغل، ثمنت جهود الهلال الأحمر الإماراتي الذي بث الحياة مجددا في المشغل بعد نهبه وتدميره من قبل آلة القتل لمليشيا الحوثي المدعومة من إيران.
وأوضحت في حديثها لـ"العين الإخبارية"، أنها تعمل في المركز على تدريب الفتيات ممن فقدن عائلهن في الحرب على خياطة الملابس بأنوعها المختلفة والتطريز الحرفي، وذلك بتدريب دفعات تشمل الدفعة الواحدة منها 100 امرأة.
وأعربت محب عن أملها في استمرار الرعاية الإماراتية، وأن تواصل باقي المنظمات الدولية ذات النهج في ضمان رواتب المدربات ليواصلن تعليم النساء المهن التقليدية والحرف المنزلية.
ولفتت إلى أن توفير الفرص لدى النساء الأكثر حاجة وتشجيع إنتاجها على المستوى المحلي يدفع بالبلد للاستقرار الاجتماعي والسياسي.
دور اقتصادي
الناشطة اليمنية عبير الأصبحي اعتبرت نماذج المرأة المنتجة، بأنها إثبات على أن نسوة البلاد قادرات على النهوض بالاقتصاد انطلاقا من سياسة الاعتماد على الذات على المستوى المحلي.
وتقول لـ"العين الإخبارية": إن المرأة المنتجة تحتاج للتشجيع وتسويق منتجاتها للسوق المحلية في ظل ظروف اقتصادية قاهرة جراء الحرب الشعواء الذي يشنها الانقلابيون.
وأضافت، وهي ناشطة في الجمعية اليمنية لتشجيع الإنتاج المحلي: الجميع هنا واجهن مآسي موجعة وقصصا صادمة، ويكافحن لتحسين مستواهن المعيشي في ظل آلة قتل حوثية تسعى يوميا لتوسيع فجوة المجاعة ونشر الموت في كل بيت.
بدوره، وصف الناشط المجتمعي، حسن السراجي، حياة المرأة اليمنية وسط مآسي الحرب بـ"المهمة المستحيلة" لافتا إلى أنها لا تزال، أمًّا كانت أو أختا أو زوجة، تساند الرجل في الحقل والمزرعة وفي الحرف التقليدية أيضا، وتلعب دورا لا يقدر بثمن إنسانيا وخدماتيا.
وقال في حديثه لـ"العين الإخبارية": إن مد يد العون لنساء اليمن يساعد في تنمية قدرات المرأة لتكون رقم ذات قيمة في التنمية على المستوى المحلي؛ لكونها تساعد شريك حياتها في بناء وتماسك النواة الأولى للمجتمع ماديا.
وحث الناشط اليمني على تعليم نسوة المجتمعات الريفية للحفاظ على تماسكه أمام الهجمات الحوثية المتواصلة، وذلك بتبني هذه الحرف غير الموسمية والتي تحتاج القليل من رأس المال.
aXA6IDEzLjU4LjQwLjE3MSA= جزيرة ام اند امز