نساء الإخوان.. حاضنة لصناعة التطرف وأداة تنظيمية للإرهاب
الأدوار التنظيمية للنساء داخل تنظيم الإخوان اختلفت في 2013 مع بداية اعتصام رابعة العدوية المسلح
في ظل سيطرة أمنية صارمة على كافة معاقل تنظيم الإخوان الإرهابي بمصر لجأت الجماعة إلى إعادة التمحور، بهدف ضمان البقاء على قيد الحياة السياسية والاجتماعية، مستغلة عددا من الأدوات التي كانت تشكل جانبا هامشيا في إطار عمل التنظيم فيما مضى، أهمها المرأة الإخوانية.
اقتصر دور المرأة في تنظيم الإخوان قبل سقوط الجماعة على تنظيم المناسبات الاجتماعية وحضور الدروس الدينية، ثم ظهرت كدرع بشري بمواجهة قوات الأمن المصري في الاعتصامات والمظاهرات التي نظمتها الجماعة بعد سقوطها لكسب التعاطف.
وأخيرا ظهر الدور الأخطر لنساء الإخوان منذ نشأة التنظيم، وهو المشاركة في تنفيذ العمليات الإرهابية بتوفير التمويل ونقل السلاح.
ويرى الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية إبراهيم ربيع أن دور تنظيم الأخوات داخل الجماعة الإرهابية زادت خطورته خلال السنوات الماضية بشكل كبير، بعد تقلص دور الرجال بسبب الملاحقة الأمنية وهروب عدد كبير منهم خارج مصر.
وأوضح ربيع لـ"العين الإخبارية" أن الضربات الأخيرة التي تلقاها تنظيم الإخوان فرض على نساء الجماعة دورا بديلا يتمثل في دعم العمليات النوعية وجمع التبرعات، خاصة أنهم يستطعن التحرك بحرية أكبر بعيدا عن الأمن.
- الإفتاء المصرية: تنظيم الإخوان حاضن للعنف والتطرف
- دماء الأبرياء بمعهد الأورام تكتب نهاية الإخوان الإرهابية
نظرة دونية للمرأة
لم تسمح طبيعة الجماعة الإرهابية على مدار نشأتها منذ عام 1928 من تمكين المرأة أو التعامل معها باعتبارها عنصرا فعالا في التنظيم، بل مُنعت عنها كل المناصب على قمة الهرم التنظيمي، أبرزها مكتب الإرشاد الذي يضم 16 عضوا، ومجلس الشورى العام الذي يضم نحو 114 عضوا، جميعهم من الرجال.
وصلت النظرة الدونية للمرأة في أيديولوجية الإخوان إلى أن من يرأس "قسم الأخوات" داخل التنظيم يجب أن يكون رجلا، وفقًا للائحة العمل الداخلية، واقتصرت المشاركة النسائية على تشكيل المكاتب الإدارية بالمحافظات كعضوات.
ويرى الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية إبراهيم ربيع أن نساء الإخوان لديهن الكثير من المميزات والإمكانيات التي لا تتوافر عند الرجال، فهن يستطعن بسهولة الوصول إلى سيدات المجتمع في النوادي والأماكن العامة، واختراق بيوت المسؤولين بالحكومة والمناصب السيادية عن طريق زوجاتهم، وهو أمر خطير يجيد الإخوان تدبيره.
وبشكل صارم حددت لائحة الجماعة الداخلية دور المرأة حسب أيديولوجيتها، في "المساهمة في صياغة الشخصية الإسلامية من خلال التربية الأسرية، والدروس الدعوية، والعمل على بناء وحدة البيت المسلم، والمشاركة في المناسبات الاجتماعية وحل المشكلات في محيط العائلة الإخوانية".
قسم مثل عشرات الأقسام داخل التنظيم خصص له نشاط محدد لم يخرج عن النطاق الاجتماعي والمشاركة السياسية على استحياء، لأن نظام الانتخابات في مصر كان يفرض مشاركة النساء كعنصر أساسي في القوائم الانتخابية، مما اضطر الجماعة للدفع بعدد قليل من نسائهم، كانت أولهم الإخوانية جيهان الحلفاوي التي ترشحت لانتخابات مجلس النواب المصري عام 2010.
الطبيعة الهادئة للتنظيم النسائي في حقيقتها قناع مزيف خلفه بركان من الأفكار الإرهابية التي ظلت مكبلة بسبب قيود فرضتها عنصرية التنظيم، لكن الوحش الكامن خرج عدة مرات على مدار التاريخ ليكشف عن نفسه حاميا للجماعة ومحورا أساسيا عمل على إعادة إحيائها، وهو الدور الأخطر الذي حاولوا لعبه بمصر خلال السنوات الماضية.
الخروج من الظل بعد 2013
الأدوار التنظيمية للنساء داخل الجماعة اختلفت في 2013 مع بداية اعتصام رابعة العدوية (وسط القاهرة) المسلح، الذي شارك فيه نساء الإخوان واستخدموا كدروع بشرية في وجه الأمن وفقا لشهادة الإخوانية المنشقة عزة عفيفي، التي أكدت أن الجماعة حرصت على استخدام النساء في المظاهرات والاعتصامات في مواجهة الأمن لكسب قدر من التعاطف.
الدور المهم للأخوات كان يتمثل في تدبير أمور التظاهر على مستويات أوسع، وجمع التبرعات لرعاية أسر المحبوسين ودعم المحكوم عليهم ماديا للهروب، من خلال جماعات تهريب، فضلاً عن جمع الاشتراكات الشهرية من أعضاء التنظيم لدعم المجموعات النوعية، لتنفيذ عمليات إرهابية ضد قوات الجيش والشرطة.
وحول دور الأخوات في الوقت الحالي، قال ربيع إنهن مسؤولات عن عدد من المهام، أبرزها جمع التمويل اللازم للعمليات النوعية تحت غطاء أعمال الخير، وتلقى التمويلات من الخارج عبر حسابات بنكية بعيدة عن أعين الأمن، ونقل المعلومات والتكليفات من القيادات المحبوسين إلى الشباب في الخارج لتنفيذ العمليات الإرهابية، ونقل السلاح بين بعض المحافظات والمدن لتنفيذ العمليات الإرهابية.
وقود اللجان الإلكترونية
كشفت تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا التي جرت بمصر مؤخرا دورا جديدا لنساء الإخوان في ممارسة الإرهاب، من خلال العمل في اللجان الإلكترونية، التي تستهدف ترويج الشائعات وتشويه مؤسسات الدولة وانهيار الأوطان.
وكشفت التحقيقات في القضية رقم 485 لسنة 2015 أمن الدولة العليا، والمعروفة إعلاميا بقضية "اللجان الإلكترونية والإعلامية لتنظيم الإخوان الدولي"، والمتهم فيها عدد من نساء الإخوان أبرزهن إسراء الطويل، اتفاق قيادات بتنظيم الإخوان الدولي الهاربين خارج البلاد على إعادة صياغة بنود مخطط التنظيم بالداخل والخارج لإثارة الفتن والتحريض على مؤسسات الدولة ومنشآتها العامة، بهدف إسقاط النظام القائم والاستيلاء على السلطة.
وفي إطار ذلك جرى تفعيل عمل (اللجان الإلكترونية والإعلامية) للتنظيم، ودعمها لتنفيذ ذلك المخطط عن طريق نشر الشائعات لتكدير السلم والأمن العام والتحريض على تنفيذ عمليات إرهابية ضد القضاة وأفراد وضباط الشرطة والقوات المسلحة وضد المنشآت العامة والحيوية.
وذكرت التحقيقات أن المتهمة إسراء الطويل، التي خرجت من السجن لاحقا، أقرّت في تحقيقات النيابة العامة بدأبها على تصوير تجمهرات جماعة الإخوان وأحداث أخرى منذ يناير 2011، وتعرفها لذلك على أسماء البلتاجي وأخرى من أعضاء جماعة الإخوان.
زينب الغزالي وتأصيل الإرهاب النسائي
لعل أبرز الوجوه النسائية داخل التنظيم المحظور هي زينب الغزالي بنت الرعيل الأول ومؤسسة التنظيم النسائي، ورئيس جمعية النساء المسلمات التي تأسست في عام 1937، ورفعت شعارا ظاهريا للعمل الخيري لكنها شاركت في تنفيذ عدد من العمليات الإرهابية في ذلك الوقت، كان أبرزها العمليات المسلحة ضد السلطة في ذلك الوقت، والتي عرفت إعلاميا باسم "عملية الفنية العسكرية".
كانت الغزالي على رأس المقبوض عليهم في "تنظيم 65 "، الذي اتهم بالتخطيط لاغتيال الرئيس المصري جمال عبدالناصر وضرب القناطر الخيرية وأبراج الكهرباء والمنشآت الحيوية بهدف الاستيلاء على السلطة، بقيادة سيد قطب الأب الروحي للتنظيم.
وحكم على زينب الغزالي بالإعدام شنقا في هذه القضية، إلا أن الحكم خفف عليها للمؤبد، وظلت في السجن 6 سنوات حتى وفاة الرئيس المصري جمال عبدالناصر ثم أفرج عنها في عهد الرئيس الراحل محمد السادات.
خلية نسائية إرهابية
ظل التنظيم النسائي في الجماعة خاملا فترة ما بعد الغزالي التي توفت في عام 2005، إلى أن فجرت نيابة أمن الدولة العليا بمصر مفاجأة بالتحقيق مع عدد من رموز الصف الأول من نساء الإخوان في عام 2010، لاتهامهم بتشكيل خلية نسائية بقيادة محمود عزت نائب المرشد وقتها، والقائم بأعمال المرشد العام حاليا.
وحسب نص الاتهام في القضية، التي حملت رقم (202 أمن دولة عليا)، فإن "عزت والمجموعة المقبوض عليها عملوا على استقطاب عناصر نسائية، وضمهن للتنظيم بهدف استغلالهن في نقل التكليفات الصادرة من التنظيم الخاص، والموجهة إلى كوادر الجماعة لتلافي الرصد الأمني على غرار تنظيم زينب الغزالي".
وبعد القضية عاد التنظيم النسائي للخمول، لكن تحولات جذرية طرأت عليه في الفترة ما بعد 2013، أو ما بعد عام سقوط الجماعة إثر ثورة 30 يونيو/حزيران الشعبية بمصر.
وتحكي الإخوانية المنشقة عزة عفيفي قصة خروجها من تنظيم الإخوان، بأنها صُدمت فيما اكتشفته بعد 10 سنوات قضتها داخل التنظيم ندمت على كل لحظة فيها.
وتدلل على أن تنظيم الإخوان مفرخة للفكر التكفيري والإرهابي بواقعة حدثت أثناء وجودها بالتنظيم، حيث تقول لـ"العين": رأتني إحدى الأخوات ومعي رواية حديث الأربعاء لطه حسين، فقرعتني تقريعاً شديداً، لأن كلامه كله كفر، فكيف تقرأين له، فامتنعت تماماً عن قراءته بعد ذلك.
وتابعت "أتذكر أنه في انتخابات الكلية، وأنا في السنة الثانية احتدم الأمر، وجاءت قوات من الشرطة لاقتحام الكلية، ووجدت الشباب من الإخوان وقتها وقد أخرجوا عددا كبيرا من النبابيت وبها المسامير مثبتة، وتم توزيعها على الإخوة استعداداً لمواجهة قوات الأمن إن فكرت في اقتحام الكلية، وكنت وقتها أعتبره عملاً بطولياً، وتجمعنا وقتها حتى يأخذ الأخوة أماكنهم ورفضنا رجاء الأساتذة لنا بالانصراف حتى لا نتعرض للبهدلة عند اقتحام الأمن للكلية، وأصررنا على البقاء للدفاع عن الإخوة إن احتاج الأمر ذلك، اقتداء بالمجاهدة زينب الغزالي، وكنت وقتها على اقتناع كبير بأهمية القضية التي ندافع عنها وعدالتها".
جهود أمنية لحصار "إرهاب الأخوات"
تسعى مصر لمحاصرة نشاط الأخوات بشكل كبير في الوقت الحالي، حيث تم القبض مؤخرا على عدد من العناصر النسائية النشطة داخل التنظيم، أبرزهن علا القرضاوي ابنة الداعية القطري الجنسية المصري الأصل يوسف القرضاوي المتهمة بتمويل التنظيم الإرهابي، والمشاركة في تنفيذ مخطط أعدته جامعة الإخوان لتمويل جماعات العنف داخل مصر، وإنشاء مسارات جديدة للتدفقات النقدية القادمة من الخارج بطرق غير شرعية، لتمويل التحركات الخاصة بعناصر العنف التابعة لجماعة الإخوان، وتمويل عملياتهم.
وكشفت التحقيقات التي أجرتها نيابة أمن الدولة العليا بمصر بالقضية رقم 316 لسنة 2017 حصر أمن دولة أن ابنة القرضاوي كانت تتولى الدعم المباشر لعناصر الجماعة وتمويل تسليحهم، مضيفة أن ابنة القرضاوي كانت تتلقى تكليفات مباشرة بالقوائم المالية، وأرقام الحسابات البنكية غير المعروفة لعدد كبير من قيادات الجماعة.
وفي نوفمبر العام الماضي وجهت الأجهزة الأمنية المصرية ضربة قوية لتنظيم الأخوات السري، بعد أن ألقت القبض على عائشة خيرت الشاطر نجلة نائب المرشد المحبوس بمصر على ذمة قضايا إرهاب، وعدد من الناشطات الإخوانيات، وهن: هدى عبدالمنعم، سمية ناصف، سحر حتحوت، روية الشافعي، علياء إسماعيل، وإيمان القاضي.
aXA6IDE4LjE4OC4xMTAuMTUwIA==
جزيرة ام اند امز