كل الأشياء العجيبة قد تجدها في هذه الأرض، التي تجمع التناقضات، ما بين مختلف الثقافات والأشياء التي تعتبر موروثا لشعب إثيوبيا العريق.
وقد تتشابه بعض عادات الإثيوبيين مع ثقافات أخرى في المنطقة، أو مناطق أخرى خارج قارتنا السمراء، ولكن رغم أوجه الشبه تلك، هناك أشياء يتميز بها الإثيوبيون وحدهم.. وتعتبر فريدة من نوعها.
القُرط، بضم القاف، كلمة إثيوبية ترتبط بالثقافة الإثيوبية، وخاصة الأطعمة الشعبية التي يتم تقديمها ويفتخر بها الإثيوبيون، إذ يكرمون ضيفهم بها، وقد يراها البعض عجيبة من أعاجيبهم لغرابة منظرها والسر الذي وراءها، ولكن في إثيوبيا هي من الأطعمة الشعبية المشهورة، ويسميها البعض في عدد من المناطق بـ"البروندو".
قد تندهش حين ترى أحدهم يأكل "البروندو"/القُرط.. فهي قطع لحم تُقدَّم في المطاعم والبيوت على شكل مكعبات.. وهي لحم بقري أو لحم ماعز أحمر خالٍ من الدهون، ويؤكل هذا اللحم -وهنا بيت القصيد- دون أن يتعرض لعملية طهي على نار.
في القُرط يتم اختيار نوع من اللحم الصافي بلا ذرة دُهن.. ويختاره خبراء الماشية، إذ يعرفون أي مناطق اللحم تكون مطلوبة في هذه الأكلة، التي يتم تقديمها مقطّعة مع خليط من الفُلفل الأحمر والأخضر، بالإضافة إلى بعض أنواع البهارات محلية الصنع، وتؤكل مباشرة بعد خلطها بهذا الخليط دون أن تمسّها نار الطبخ، وهي من أكثر الأطعمة التي تروج في المناسبات والأعياد والاحتفالات المختلفة.. لحم طبيعي دون تدخل إلا من بهارات حارة جدا تصنع طعما حاميا ولذيذا.
القُرط يعتبر طعام الأباطرة والملوك في إثيوبيا، حيث يتم تناوله منذ قديم الزمان في قصور أباطرة إثيوبيا، والتي تحولت أجزاء منها لمتاحف، مثل قصر الإمبراطور منليك الثاني على جبل أنطوطو، فتجد هنالك مكانا مخصصا لوضع القُرط في كل جزء من أجزاء القصر، لأن ملوك وأباطرة إثيوبيا كانوا يأكلونه في كل الأوقات، ويتم الترحيب بضيوفهم عبر هذه الوجبة.
ولا يزال القُرط يحافظ على مكانته كوجبة إثيوبية تاريخية متوارثة في كل المواقع والاحتفالات المختلفة في البلاد، حتى الأجيال الحالية تتناوله، بل هنالك مطاعم في العاصمة أديس أبابا تحاول أن تتفرّد بتقديم وجبة القُرط، التي دائما ما تشد فضول الضيوف والزوّار القادمين لإثيوبيا، نظرا لغرابة تناولها غير منضجة على النار، لكنه فعل الثقافة، دائما ما يضم ما لا يُصدَّق وما لا تفسير له.. إنه الحياة بطبيعتها كما ورثها البشر جيلا بعد جيل، كلٌّ في بُقعته ومكانه وموروثه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة