العالم يودع حقبة «السلام الاقتصادي» في 2023.. الحرب أولى من التجارة
شهد عام 2023 تصاعدا في التوترات الدولية التي وصلت إلى حد الحروب أو حافتها، بين قوى عظمى ارتبطت لعقود بتعاون تجاري أفاد جميع الأطراف.
وحسب صحيفة "فاينانشيال تايمز" فإن حقبة السلام المبني على التعاون الاقتصادي بين الدول، والتي تم تدشينها عقب الحرب الباردة، أضحت موضع تساؤل جوهريا الآن.
- أفضل 10 أسهم يُنصح بشرائها لاستغلال انتعاشة «وول ستريت» في 2024
- إيطاليا تعاقب «ميتا» لتورطها في الترويج للقمار عبر إنستغرام وفيسبوك
وأوضحت أن عام 2023 كان مليئاً بالصراعات والعنف المروع بين روسيا وأوكرانيا والغرب، فضلا عن خطر حدوث صراع بين القوى العظمى في بحر الصين الجنوبي (أمريكا والصين وتايوان)، فضلا عن انفجار العنف في فلسطين وإسرائيل.
اختبار حقيقي لمبدأ "التحول من خلال التجارة"
وأوضحت الصحيفة: "منذ تسعينيات القرن العشرين فصاعدا كان مبدأ "التحول من خلال التجارة Wandel durch handel" هو المبدأ الذي يتبناه صناع السياسات في جميع أنحاء الغرب، وفي ظل الهيمنة العسكرية الأمريكية كان هناك اعتقاد واثق بأن القضايا الجيوسياسية يمكن التعامل معها من خلال التنمية الاقتصادية".
ولفتت الصحيفة إلى أن رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر في روسيا وصل إلى قمة كبيرة عام 2021، مسجلا 500 مليار دولار (في دليل على جدوى التعاون التجاري لروسيا)، كما حاولت إدارات كلينتون وبوش وأوباما جعل بكين "صاحبة مصلحة مسؤولة"، بينما روج رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق شيمون بيريز لرؤية "الشرق الأوسط الجديد"، حيث يمكن معالجة الانقسامات المريرة -كما حدث سابقا في أوروبا- من خلال النمو الاقتصادي والاعتماد المتبادل.
ومع ذلك، فإن حدود الاتحاد السوفياتي السابق والشرق الأوسط وشرق آسيا أضحت عرضة لزعزعة الاستقرار، بينما القاسم المشترك بينها هو أنها -بعد الحرب الباردة- كانت مواقع للجهود الرامية إلى إحلال السلام من خلال الاقتصاد.
وقد ربط مبدأ التحول من خلال التجارة أجزاء مهمة من اقتصاد الولايات المتحدة والصين في وحدة واحدة، وفي روسيا خلق حياة جديدة للملايين. وفي الشرق الأوسط أصبحت تل أبيب تشبه التقاطع بين بروكلين ووادي السيليكون، وكان النمو الاقتصادي في إسرائيل جذابا للغاية، مع جهود لتوسيع السلام بينها وبين دول المنطقة.
العنف السياسي
لكن رؤية التجارة الثنائية كانت دائما عرضة للتعطيل بسبب العنف السياسي، وفقا لفاينانشيال تايمز.
ففي الشرق الأوسط أدى صراع إسرائيل مع الانتفاضة الثانية إلى زرع بذور التطرف لدى حماس، بينما أعلنت روسيا عزمها على المقاومة العنيفة لأي توسع آخر للنفوذ الغربي من خلال حملتها العقابية ضد جورجيا في أغسطس/آب 2008.
وفي عهد شي جين بينغ ركزت الصين بشكل جديد تماماً على جيش التحرير الشعبي، باعتباره مركزاً للقوى الداخلية والخارجية.
ولا يقتصر الأمر على أن القوات العسكرية تتحدى صيغة السلام الاقتصادي. بل زود النمو المتنافسين في العديد من مناطق الصراع بالموارد، فاستمرت أعمال تصدير الطاقة في روسيا بتغذية آلتها الحربية، بينما أصبحت الصين أخطر من أن تفرض عقوبات عليها، وحاولت إسرائيل تحصين نفسها ضد الضغوط الأجنبية من خلال تعزيز قوة صادراتها وبناء احتياطي ضخم من النقد الأجنبي.
الاقتصاد وسيلة للتنافس لا للسلام
وخلصت الصحيفة إلى أن النمو الاقتصادي لا يولد السلام، بل هو وسيلة للتنافس، بينما الضعف الاقتصادي يولد الضعف.
ولفتت إلى أن الإحراج الاقتصادي الذي تعرض له الغرب خلال الأزمة المالية في عام 2008 كان سبباً في تشجيع الصين على توسيع نفوذها.
كما كان الوضع الاقتصادي الكارثي في أوكرانيا هو الذي أثار المناورات المحمومة بين كييف وموسكو في عام 2013، والتي أدت إلى أزمة الميدان والتوغل الروسي.
وفي الشرق الأوسط كانت الهشاشة الاقتصادية وتراجع التنمية في فلسطين سبباً في إفراغ حل الدولتين من أي معنى.
ومع ذلك، فإن الخطأ لم يكن في الاعتقاد بأن الترابط الاقتصادي ينتج تغييراً اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً حقيقياً، بل لقت فعل ذلك، لكن الخطأ هو تصور أن هذا التحول كان عملية ذات اتجاه واحد من شأنها أن تؤمن النظام تلقائيا، وأن هذا النظام سيكون على هوى الغرب.