بات معروفاً في معظم المسابقات الرياضية الدولية خلال العقود الأخيرة، أن أبعاداً سياسية أحاطت ببعضها لها علاقة بالدول التي ينتمي إليها بعض المنظمين لها أو المشاركين فيها. وجرت العادة في هذه الحالات أن تكون الغالبية الساحقة من تلك الأبعاد ذات طابع سلبي وخلاف
والمعنى الأول الإيجابي الرئيسي الذي لاحظه الجميع واستفاضت في شرحه والإشادة به مقالات وبرامج وتدوينات عربية كثيرة، هو أن اجتماع العرب من مختلف دولهم – رسميين وغير رسميين – على الاهتمام البالغ والتشجيع الشديد للمنتخبات العربية التي شاركت في كأس العالم، وتطور هذا إلى أقصى درجاته مع وصول المنتخب المغربي إلى الدور قبل النهائي للمرة الأولى عربياً وأفريقياً، إنما يعكس حقيقة تاريخية وواقعية ظن كثيرون أنها قد انهارت وهي انتماء مختلف دول العالم العربي بشعوبها وحكوماتها وكياناتها إلى "أمة عربية واحدة" يتوق الجميع إلى استعادة الشعور الفخور بها وتحققها واقعياً.
والأرجح أنه وعبر أكثر من القرن ونصف القرن من ظهور فكرة القومية العربية في ظل الدولة العثمانية ومروراً بالمؤتمر العربي الأول بباريس عام 1912 وبكل مفكري القومية العربية الكبار مثل نجيب عازوري وساطع الحصري وميشيل عفلق ونديم البيطار وعصمت سيف الدولة وقادتها من السياسيين مثل جمال عبد الناصر، أن أحداً منهم لم يكن يضع في أفكاره أو يتصور في تحركاته أن كرة القدم يمكن أن تصبح أحد محركات الفكرة الوحدوية العربية. ويؤكد ما يجري عربياً بمناسبة كأس العالم أن مراجعة طرق وسبل الدعوة للقومية العربية وتثبيتها قد باتت أمراً ضرورياً في ظل المتغيرات الجديدة واقعياً ووسائل التواصل الاجتماعي إعلامياً واتصالياً.
ويبدو هنا المعنى الثاني الرئيسي على ردود الأفعال العربية الشعبية والرسمية المفعمة بالحماس الفائق للمنتخبات العربية المشاركة في كأس العالم وخصوصاً المنتخب المغربي بعد نتائجه التاريخية، وهي التطلع والطموح البالغين لدى العرب أجمعين – حكومات وشعوباً ومؤسسات مجتمعية – لتحقيق الإنجاز، أي إنجاز، يضعهم في مصاف العالم المتقدم من حولهم. ولا شك أن اعتبار إنجازات منتخبات الدول العربية الثلاث وفي مقدمتها المنتخب المغربي، إنجازاً عربياً للجميع وليس لدولة منها يدخل ضمن المعنى السابق ذكره، إلا أنه على الوجه الآخر يبدو الشعور بافتقاد الإنجازات الكبيرة والمتميزة وفي كل المجالات، شاملاً الجميع سواء على مستوى الدول وشعوبها أو العالم العربي إجمالاً. من هنا يأتي معنى البحث عن الإنجاز الذي يمكن الافتخار به حتى لو كان في عالم الرياضة واسع الجاذبية بين كل شعوب العالم.
وربما ارتبط هذا المعنى للإنجاز العربي المشترك من أنه منذ بداية كأس العالم عام 1930 وعبر 21 بطولة، فازت الدول الأوروبية المتقدمة بعدد 12 مرة، والبرازيل التي تعد من بين أقوى 10 اقتصاديات في العالم بعدد 5 كؤوس، وتوزعت الكؤوس الأربعة الباقية مناصفة بين دولة متوسطة في الاقتصاد العالمي هي الأرجنتين وأخرى نامية وهي الأوروغواي. ويوضح التحليل الأولي لعبارات الفخر والتهنئة العربية – الشعبية والرسمية – للمنتخبات العربية وبخاصة المنتخب المغربي، أنها تحمل الرغبة العارمة في أن يكون هذا الإنجاز الكروي من ناحية مقدمة لوضع العرب في مصاف الشعوب والدول الأخرى المتقدمة، ومن ناحية ثانية أنهم قاربوا على عتبات التحدي لهذه الدول، بعد عقود طويلة من علاقات معقدة معها شابها الاستغلال والتبعية بل والاستعمار في كثير من الحالات، وبخاصة في ظل الهزائم التي تكبدتها منتخبات تلك الدول بأقدام المنتخبات العربية الثلاثة (تونس، والمغرب والسعودية).
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة