لم تعد الرياضة تنفصل بأي حال من الأحوال عن السياسة؛ فكثير من مباريات الرياضة تجري في أروقة السياسة ودهاليزها قبل أن تنتقل للملاعب.
لم تعد الرياضة تنفصل بأي حال من الأحوال عن السياسة؛ فكثير من مباريات الرياضة تجري في أروقة السياسة ودهاليزها قبل أن تنتقل للملاعب والساحات الرياضية، وكثير من مباريات السياسة تجري فوق ملاعب الكرة.
يوم الأربعاء الماضي وقبل يوم من انطلاق كأس العالم لكرة القدم، أبرز الأحداث الرياضية على الإطلاق، تم التصويت على من سيحظى بشرف استضافة نسخة 2026 من أبرز المسابقات الرياضية وأكثرها متابعة، كان التنافس بين ملفين، أحدهما يمثل دولة عربية شقيقة هي المغرب، وآخر يمثل قارة بأكملها هي أمريكا الشمالية وأطرافه هي أمريكا وكندا والمكسيك، قواعد المنطق كانت تقول إن الملف الثلاثي كان هو المرشح بقوة للفوز نظرا لفارق الإمكانيات المهول بين دولة وقارة، خاصة إذا كانت هذه القارة تضم أكبر قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية في العالم، وسبق أن نظمت بنجاح نسخة سابقة من المسابقة عام 1994، ومعها دولتان يتمتعان باقتصاديات كبرى وبنى تحتية ومنشآت أهلت إحداها لتكون واحدة من مجموعة الدول الصناعية الكبرى السبع، وأهلت الأخرى لتصبح واحدة من بين 5 دول فقط تحظى بشرف استضافة هذا الحدث العالمي مرتين، عامي 1970 و1986
انتصرت قواعد المنطق بالفعل ونال الملف المشترك 134 صوتا مقابل 65 صوتا لملف المغرب، هنا يبقى السؤال: هل كان حتميا أن تنتصر قواعد المنطق في عملية اختيار من سيحظى بشرف استضافة هذا التجمع الكروي الأكبر والحدث الرياضي الأبرز؟
ما زالت هناك خطوات على الفيفا اتخاذها من أجل تصحيح الأوضاع وتلميع صورته وتبرئة ذمته من حقبة السويسري جوزيف بلاتر التي تفشى فيها الفساد، وأولى هذه الخطوات وأهمها هو ألا يقف أمام الضغط الدولي في حال كان هناك إجماع على التصويت مجددا على مونديال قطر
محاولة الإجابة عن هذا السؤال تنقلنا فورا إلى ما دار في مدينة زيورخ السويسرية في الثاني من ديسمبر 2010 حين اجتمعت اللجنة التنفيذية للفيفا لاختيار الدولة المستضيفة للنسخة الثانية والعشرين من البطولة عام 2022 من بين خمس دول تقدمت بملفاتها، وقتها كانت تتوافر أيضا قواعد المنطق؛ فمن بين الدول الخمس المتقدمة كانت هناك 4 دول كبرى تمتلك من المقومات الاقتصادية والبشرية ما مكن 3 دول منها من تنظيم نسخ ناجحة من المسابقة.. كان جليا وقتها أن بونا شاسعا من الإمكانيات يفصل بين الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا من جانب، وما تملكه قطر من جانب آخر، وهي في الحقيقة لم تكن تملك شيئا وقتها سوى وعود ثبت كذبها، وكانت النتيجة المنطقية المتوقعة وقتها أن تخرج قطر من الجولة الأولى من التصويت وأن تتنافس الدول الأربع الأخرى فيما بينها للوصول إلى فائز منها، كان هذا ما يجب أن يكون لو تم إعمال قواعد المنطق، لكن نظرا لأن ما تم إعماله في عملية التصويت هو قواعد الفساد، خرجت الدول الأربع تباعا بكل ما تملك، وفازت دويلة قطر وهي لا تملك شيئا سوى سجل سيئ من انتهاكات حقوق العمال وسجل آخر أكثر سوءا في دعم الإرهاب واستضافة الإرهابيين، منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا لا تزال تتكشف خيوط الفساد والمؤامرة التي حاكتها قطر للفوز بشرف لا تستحقه، فساد تجاوز تقديم رشاوى لشراء أصوات أعضاء اللجنة التنفيذية للفيفا كي يصوتوا لصالحها، إلى شراء ذمم رؤساء دول كبرى لعب أحدهم دورا مشبوها في هذه الصفقة وأصبح سفيرا لفساد قطر الرياضي في أوروبا، فساد تجاوزت أصداؤه تحقيقات صحفية كبرى في أعرق الصحف الدولية إلى تحقيق في البرلمان البريطاني، أعرق البرلمانات الأوروبية، وليس أدل على حجم الفضيحة من أن بين الأعضاء الـ14 من أعضاء اللجنة التنفيذية للفيفا الذين صوتوا للملف القطري في الجولة الأخيرة 13 منهم إما سجنوا أو ما زالوا قيد المحاكمة أو وقفوا مدى الحياة ومنعوا من ممارسة أي نشاط متعلق بكرة القدم أو اعتبروا فاسدين بشكل واضح، ولعل هذا الانهيار الكارثي الأكبر في تاريخ كرة القدم هو ما دفع الفيفا إلى اعتماد إجراءات جديدة أكثر نزاهة وشفافية تعطي لجميع أعضاء الكونجرس العام البالغ عددهم 211 عضوا الحق في التصويت على ملفات الدول الراغبة باستضافة الحدث العالمي، وهي الإجراءات التي تم اعتمادها على تنظيم مونديال 2026.
خلاصة القول إن إعمال قواعد الفساد داخل الفيفا خلال فترة طويلة أعطى من لا يملك حقا في استضافة هذا الحدث حتى وإن كان "دويلة" لم تمتلك بعد جميع مقومات الدولة وأهمها السيادة على أراضيها، وحرمت من يستحق حتى وإن كانت دولة بحجم قارة كأمريكا، وهو الخلل الذي بدأت في علاجه الإدارة الجديدة للفيفا عبر تغيير طريقة اختيار الدولة المنظمة، لكن الفيفا لم يتخلص بعد من آثار الفساد الذي استشرى بين جنباته خلال سنين طوال، وما زالت هناك خطوات على الفيفا اتخاذها من أجل تصحيح الأوضاع وتلميع صورته وتبرئة ذمته من حقبة السويسري جوزيف بلاتر التي تفشى فيها الفساد، وأولى هذه الخطوات وأهمها هو ألا يقف الفيفا أمام الضغط الدولي في حال كان هناك إجماع على التصويت مجددا على مونديال قطر وتطبيق قواعد الاختيار الجديدة عليه في ظل اتهامات الفساد غير المسبوقة التي شابت عملية التصويت قبل 8 سنوات، خاصة في ظل المستجدات التي جعلت من قطر دويلة منبوذة عربيا وخليجيا، الأمل في هذه الخطوة يبدو قائما وقريبا، خاصة مع اعتراف جياني إنفانتينو رئيس الفيفا خلال الإعلان عن نتائج المجموعات المشاركة في كأس العالم وقوله: "مع كامل الأسف هناك ماضٍ سيئ، ويجب أن نتعلم من ذلك وأن نركز على القادم".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة