أوكرانيا قبلة لقادة العالم في 2022.. دبلوماسية القطارات
قبل أيام قليلة على الحرب الشاملة الروسية، ألغت خطوط الطيران الدولية الرحلات إلى أوكرانيا وسحبت طائراتها.
ومنذ 24 فبراير/شباط، وبسبب القتال والتهديد الصاروخي من روسيا، توقف السفر الجوي في أوكرانيا تماما.
ومنذ ذاك الحين، اعتمد البلد الذي مزقته الحرب اعتمادا كليا على شبكة النقل البري الخاصة به، لاسيما السكك الحديدية، لنقل المساعدات الإنسانية والأسلحة وغيرهم. وبالتالي، كانت سكك حديد أوكرانيا المكلفة بمهمة إجلاء حوالي أربعة ملايين شخص من المناطق الخطيرة في البلد، بما في ذلك مليون طفل و112 ألف حيوان أليف.
وفي الوقت نفسه، كانت كييف بحاجة لدعم قوي من الحلفاء الأجانب. لذا بدأت الشركة الوطنية للسكك الحديدية أيضًا نقل الرؤساء الغربيين ورؤساء الوزراء إلى العاصمة الأوكرانية. ووصفت رحلات السكك الحديدية التي تنقل الوفود الأجنبية بـ"الدبلوماسية الحديدية"، بحسب موقع "نيو فويس أوف أوكرانيا".
دبلوماسية السكة الحديد
وتمت أول زيارة لقادة أجانب منذ بداية الحرب الشاملة في 15 مارس/آذار؛ حيث جاء رئيس الوزراء البولندي ماتيوز موراويكي، ونائب رئيس الوزراء البولندي ياروسلاف كاتشينسكي، ورئيس الوزراء التشيكي بيتر فيالا، رئيس الحكومة السلوفينية آنذاك يانيز يانشا، إلى كييف.
ومنذ ذاك الحين، نظمت سكك حديد أوكرانيا حوالي 200 رحلة لوفود أجنبية، وكان من بين ركابها أنتوني بلينكن، وبوريس جونسون، وإيمانويل ماكرون، ورجال أعمال ناجحين، ومشاهير مثل ريتشارد برانسون وأنجلينا جولي.
وأجرى "نيو فويس أوف أوكرانيا" حوارا مع دميترو بيزروتشكو رئيس قسم تخطيط النقل في سكك حديد أوكرانيا، حول كيف سافر كبار المسؤولين الغربيين إلى كييف خلال الحرب.
ورأى بيزروتشكو أن أول زيارة إلى البلاد لمسؤول كانت أصعب الزيارات لأن حينها كان المفهوم الكامل بـ"الدبلوماسية الحديدية" لازال قيد التشكيل "واضطررنا لترتيب رحلة، وتجهيز السيارات، وترتيب عمليات الصعود والنزول بالمناطق المحظورة في غضون ساعات قليلة".
وقال في حواره: "تمت مناقشة بعض الأمور مع الأجهزة الخاصة مباشرة على متن القطار. الرحلة الأول جاءت برؤساء وزراء ثلاثة دول مرة واحدة وبالتالي كان ضروريا ضمان تنسيق الأجهزة الخاصة البولندية والسلوفينية والتشيكية مع الأجهزة الأوكرانية."
وأضاف: "هذه الرحلة، بالإضافة إلى أغلبية الزيارات الدبلوماسية خلال فترة الحرب، كانت سرية للغاية، كان لايزال هناك أعمال عدائية حول كييف، لذا لم ننبس بكلمة واحدة حتى كانت الوفود أمام عدسات الكاميرات بالفعل بجوار الرئيس. وفي شركة السكك الحديدية نفسها، عشرة أشخاص كحد أقصى دائما ما كانوا يعلموا بشأن الرحلة والموجودين على متنها."
وأوضح أن الأولوية كانت للجدول الزمني الواضح وسلامة مثل تلك الرحلات، حيث كان يمكن تعديل المسار والسرعة بسرعة حسب الظروف، "وعادة ما يكون هناك تمويه وترتيب محدد بوضوح للأفراد على متن الرحلة."
واعتبر بيزروتشكو أن السكك الحديدية أصبحت أكثر من وسيلة نقل؛ حيث تعتبر المستوى الأول من العلاقات الدبلوماسية بين الدول؛ حيث "إننا نمضي وقتا أطول على متن الرحلة مع الضيوف أكثر بعشر مرات من الوقت مع الرئيس. وعلاوة على ذلك، يقع على عاتقنا مهمة تشكيل الانطباع الأول لدى الضيف عن أوكرانيا، وأن نكون آخر من يصافحه عند مغادرته لحدودنا."
وتابع: "بالتالي، ركزنا على الخدمة والرعاية. يستقبل ضيوفنا عاملون بالسكك الحديدية يتحدثون الإنجليزية، وبطاقات بريدية معدة خصيصا، ومجموعة من الكتب للناشرين الأوكرانيين والدوليين، وصحف وسينما عند الطلب."
وقال بيزروتشكو في الحوار إنهم نادرا ما قدموا الطعام، لكنهم تولوا زمام المبادرة في هذا الشأن، وأنشوا تعاونا مع الطاهي يفهين كلوبوتينكو، بحيث يتمكنوا بمساعدته من التعريف عن البلد من خلال المطبخ الأوكراني.
على سبيل المثال، أعرب رئيس الوزراء البريطاني السابق عن تقديم للبرش المدخن، لكن كان الطبق الأكثر شعبية بين جميع الوفود السيرنيكي (فطائر الجبن). وبالإضافة إلى الطعام، بدأوا أيضًا العمل على "تعطير" السيارات الفاخرة بمساعدة إحدى شركات العطور، التي اختارت عطرا يتكامل بنجاح مع نظام التهوية بالسيارة ويحيد الأشياء غير الضرورية.
وفيما يتعلق بمرافقي قادة العالم وما إذا كانوا يصطحبون طاهاتهم وأخصائي الأزياء الخاصين بهم معهم، أوضح أن الوفود تصل في أعداد صغيرة: وزراء، سفراء، والملاحق الصحفية، والحراس. على سبيل المثال، كان يرافق رئيس الوزراء السلوفيني يانيز جانشا شخص واحد، لكن عادة ما تأتي أكبر الوفود من الجانب البولندي.
"لكن الأمر لا يتعلق بالطهاة أو أخصائيي الأزياء بكل تأكيد – لا وقت لذلك خلال الحرب، جميع الدبلوماسيين يدركون هذا"، بحسب ما قال بيزروتشكو.
ولدى سؤاله عن حدوث أي طوارئ خلال زيارات قادة العالم إلى أوكرانيا، أوضح أنه يجرى التفكير لكل شيء لحظة بلحظة، لذا لم تكن هناك عدة حالات طوارئ، لكن بعض الحوادث.
على سبيل المثال، خلال أول رحلة للوفد البريطانية، "لم نضع في اعتبارنا أن جميع الضيوف سيتناولون الشاي مع الحليب، وبالتالي نفذ الحليب الموجود قبل عبور الحدود بين بولندا وأوكرانيا. لذا اضطررنا لإيقاظ مدير أحد المحطات الحدودية في الرابعة صباحا لتقديم حليب الصباح لرئيس وزراء المملكة المتحدة."
كما أشار إلى موقف مثير آخر حدث خلال زيارة فرقة "يو تو"، والتي في طريق عودتها من أوكرانيا طلبت إيقاف القطار في إحدى المحطات، حيث عزف النشيد الوطني الأوكراني الساعة التاسعة صباحا.
ولدى نهاية عزف النشيد، اقترب عازف الجيتار الأسطوري، إيدج، من أحد الجنود الأوكرانيين، وبعد محادثة قصيرة أعطاه الجيتار الخاص به. أما الممثل والمخرج الأمريكي شون بن، أعاد تنظيم مسار رحلته بالكامل وبرنامج الفاعليات الخاص به لقضاء يوم في لفيف.
قطار المحطة الأخيرة
عندما يسافر الساسة الأجانب إلى كييف بالقطار، غالبا ما يستقلون قطارا أوكرانيا بالمحطة الأخيرة من رحلتهم من الحدود البولندية نظرا لاختلاف عرض السكك الحديدية الأوروبية والأوكرانية. وعادة ما يرافق الوفود أفراد الأمن الخاصين بهم بالإضافة إلى حراس الأمن الأوكرانيين.
ومن المفترض أن تكون السرية بالغة الأهمية؛ فزيارة أبريل/نيسان التي أجراها وزير الخارجية الأمريكي بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن أعلن عنها للمرة الأولى بعدها – خوفا من وقوع هجوم صاروخي روسي.
وبالتالي، لابد أن فرق الأمن الأوكرانية والبولندية لم تكن مسرورة من إعلان رئيس الوزراء البولندي موراويكي لزيارته بينما كان لايزال في طريقه إلى كييف.
وقال رئيس هيئة السكك الحديدية الأوكرانية، أوليكساندر كاميشين، بعدها لقناة "سي إن إن" الأمريكية، إن إظهار التضامن مرحب به، لكن كان الإعلان عنها مبكرا بعض الشيء.
وأضاف كاميشين: "كان هذا مهم جدا بالنسبة لنا، حتى وإن كان ساذجا". ومنذ الحرب، يعمل كاميشين وزملاؤه من قطار يغير موقعه باستمرار.
وأشار إلى أنه لا يخبر أولاده حتى، ونصحهم بعدم كشف مكانهم كذلك، مضيفا: "يجب أن يفهم الجميع أن هذه حرب. لكن لا يمكنني توجيه رؤساء الوزراء."
ولا يمكنه كذلك توجيه أوامر لرؤساء المفوضية الأوروبية، على ما يبدو. فقد أعلنت أورسولا فون دير لاين عن زيارتها قبلها عبر "تويتر" – في نفس اليوم الذي أدى فيه هجوم صاروخي روسي على محطة قطار في مدينة كراماتورسك بشرق أوكرانيا إلى مقتل أكثر من 50 شخصا.
وجرى الإعلان عن نقطة انطلاق رحلتها مسبقا أيضا: محطة القطارات في بلدة برزيميسل البولندية، على بعد حوالي 13 كيلومترا فقط من الحدود الأوكرانية.
لكن حتى في حالة الحفاظ على السرية، لا تستطيع شركة السكك الحديدية الأوكرانية ضمان سلامة ضيوفها من كبار الشخصيات وأنه لن تكون هناك هجمات صاروخية، غير أنها تحاول توفير الراحة لهم قدر الإمكان.
وبحسب تقرير لإذاعة راديو أوروبا الحرة، كانت إحدى العربات الفاخرة التي استخدمت خلال الأشهر القليلة الماضية بنيت عام 2014 لنقل السياح الأثرياء إلى القرم. وربما خدمت هذا الغرض بضع مرات قبل ضم روسيا لشبه الجزيرة في نفس العام.
أما العربات الأخرى التي يتم استخدامها تعود إلى الحقبة السوفيتية لكن تم تحديثها قبل بضعة أعوام. والعديد منها يحوي أسرة كبيرة وشاشات تليفزيون مسطحة.
وبحسب "دويتشه فيله"، يعتبر الأمر الأكثر أهمية هو الرمزية، والصور، والكلمات، وبادرات التضامن، والأهم التطمينات بأن بلدان هؤلاء الساسة تقف بقوة إلى جانب أوكرانيا.
aXA6IDMuMTI5LjIxNi4xNSA= جزيرة ام اند امز