أزمة الأزمات في العقل السياسي العربي أنه يفسر كل شيء يخالف هواه ومصالحه على أنه «مؤامرة»
أزمة الأزمات في العقل السياسي العربي أنه يفسر كل شيء يخالف هواه ومصالحه على أنه «مؤامرة».
تفسير المؤامرة، أو ما يعرف بالتفسير التآمري للأحداث والتاريخ، مريح لأصحابه لأنه -بالدرجة الأولى- يعفي أصحابه من مسؤولية ما يعملون ويلقي بها على كاهل الخصوم أو الأعداء أو الذين يختلفون معهم في الرأى أو المصلحة.
الخطر الأكبر في الإصرار على التفسير التآمري لغضب الناس أنه يؤدي -في هذه الحالة- إلى صدام محتوم بين قوى راغبة في تغيير المظالم، وقوى حاكمة ترفض تماماً القبول أو الاعتراف بأي خطأ على أساس أن «الغضب» ليس مبرراً ولا يستند إلى حق لأنه مؤامرة!
أخطر ما في اتباع نظرية التفسير التآمري «أنك بهذا المفهوم لا تخطئ أبداً؛ لأن «الآخر» هو المخطئ المتآمر الشرير».
وبهذا المفهوم لن يحدث أبداً أن تعترف بالخطأ، وبالتالي ينعدم أي أمل في الإصلاح، لأن أولى خطوات إصلاح الخطأ هي الاعتراف به وتحديد مسؤولية المخطئ.
بهذا المفهوم، فإن غضب الناس ضد المظالم غير مفهوم، ورفض الناس للفساد غير مقبول، وثورة الجماهير في الشوارع والساحات مؤامرة، وانتقاد أصحاب الإرادة الحرة والضمائر النقية للمظالم وعدم الإنصاف هو «قيام أقلام مأجورة بخدمة مشروعات خارجية شريرة».
بهذا المفهوم، فإن المتظاهر السلمي عميل للخارج، والشباب الثائر يحصل على وجبات مجانية من جهات شريرة، ومنظمات المجتمع المدني تقبض من السفارات.
هل هذا يعني أن الجميع ملائكة ونبلاء وأطهار؟
بالقطع لا.. دائماً وأبداً في كل زمان ومكان، وفى كل التحولات الاجتماعية وحركات الاحتجاج والثورات هناك من يسعى جاهداً لاختراق الصفوف وسرقة الانتفاضة الشعبية واختطاف الثورات في اتجاه مضاد.
وتدرس الجامعات المتخصصة في العلوم السياسية ضمن مناهجها في العلوم السياسية ما يعرف باسم «نظرية المؤامرة».
ووفقاً للعالم السياسي مايكل باركون فإن هذه النظرية تقوم على فرضيات أساسية هي:
أن الكون كله محكوم بتصميم ما، لذلك لا يوجد أي فعل يقوم على الصدفة ولا شيء هو كما يبدو. وعليه فإن كل شيء مرتبط ببعضه البعض.
أخطر ما في فلسفة نظرية المؤامرة أنها تصبح مسألة «إيمان» أصحابها بها وليست مسألة بحث عن «دليل يعتمد على حقائق وثوابت».
ويبقى دائماً -في مثل هذه الحالات- السؤال الجوهري الحاكم والحاسم: «هل ثارت الناس عن حق أم عن باطل؟ هل غضب الناس مشروع أو مفتعل؟ هل حركتهم تلقائية تعبر عن وجع وألم وشعور بالظلم؟
باختصار: هل احتجاجات الناس في شوارع بغداد وبيروت والخرطوم والجزائر -في بداياتها- كانت طبيعية تلقائية حقيقية؟
مثلها مثل كل حركات الاحتجاج الجماهيري تسعى قوى محلية، دينية، قبلية، مناطقية، طائفية، حزبية، لاستغلال حركة الجماهير لصالحها.
هذا أمر طبيعي يحدث منذ بدء معرفة التاريخ الإنساني الغضب الجماهيري ضد السلطة.
يبقى الأهم دائماً مدى وعى الجماهير بحقيقة أهداف ثورتها، ودرجة مناعتها ضد الاختراق، وحصانتها ضد البيع أو الشراء من قبل قوى مشبوهة أو عملاء سفارات أجنبية.
عند حدوث أي انتفاضة جماهيرية فإنه من الطبيعي أن تحاول كل أجهزة الدول الكبرى والدول ذات المصلحة المباشرة في الاختراق والتأثير بكل الطرق بهدف السيطرة وتحويل مسار حركة الجماهير لما يخدم مصالحها.
هذا أمر يحدث، وسوف يستمر في الحدوث من فنزويلا إلى تشيلي إلى هونج كونج، ومن تونس إلى ليبيا، ومن سوريا إلى العراق، ومن السودان إلى لبنان.
إنها حركة مد وجزر، كر وفر، ثورة وثورة مضادة، سعي للاختراق ورفض كامل له، صراع بين قوى وطنية وقوى عميلة، بين من يسعى للتآمر وبين من يقاوم تلك المؤامرة.
مأساة السلطة في كثير من دول العالم هي أنها في معظم الأحيان تختار الحل الأسهل وهو تفسير غضب الجماهير على أنه مؤامرة خارجية.
الخطر الأكبر في الإصرار على التفسير التآمري لغضب الناس أنه يؤدي -في هذه الحالة- إلى صدام محتوم بين قوى راغبة في تغيير المظالم، وقوى حاكمة ترفض تماماً القبول أو الاعتراف بأي خطأ على أساس أن «الغضب» ليس مبرراً ولا يستند إلى حق لأنه مؤامرة!
التاريخ -بالتأكيد- مليء بالمؤامرات والمتآمرين.
والتاريخ أيضاً -بالتأكيد- ليس كله مؤامرة من الغير تعفينا من تحمل مسؤولية الأخطاء والخطايا!
نقلاً عن "الوطن المصرية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة