التجارة العالمية لـ«العين الإخبارية»: نُشيد بالدور الإماراتي في بناء نظام دولي متعدد الأطراف
التجارة جزء أصيل من حل أزمة المناخ وسنشارك بقوة في COP29
أكدت منظمة التجارة العالمية دور دولة الإمارات في بناء نظام تجاري عالمي حيوي ومستدام من خلال دعم مبادرات المنظمة وتعزيز العلاقات الدولية باستضافة المؤتمر الوزاري الأخير للمنظمة في فبراير/شباط الماضي.
وقال المتحدث باسم المنظمة إسماعيل ديينغ، إن دولة الإمارات تواصل القيام بدور نشط وإيجابي في مداولات منظمة التجارة العالمية، مؤكداً أن العلاقة بين الطرفين تعمقت بفضل التعاون الوثيق والدعم الذي أظهرته دولة الإمارات العربية المتحدة في تحمل المسؤولية الكبيرة المتمثلة في استضافة مؤتمرنا الوزاري الثالث عشر في وقت سابق من هذا العام.
- معارك معادن متجددة بين أمريكا والصين.. ما قصة «الأنتيمون»؟
- مواجهة عودة الفقر العالمي.. هل البنك الدولي بحاجة لـ«إعادة تشغيل»؟
وأكد ديينغ إن المنظمة ممتنة للدعم الذي أظهرته دولة الإمارات العربية المتحدة لمبادراتها مثل اتفاقية دعم مصايد الأسماك، والتي صدقت عليها الإمارات العام الماضي، ونأمل أن تشجع قيادتها في هذا الشأن المزيد من أعضاء منظمة التجارة العالمية على تفعيل هذه الاتفاقية المهمة لاستدامة المحيطات قريبا. جاء ذلك في حوار خاص لـ"العين الإخبارية".
وإلى نص الحوار..
في البداية.. كيف ترى أهمية الدور الفاعل لدولة الإمارات في التجارة العالمية؟
عند مراجعة السياسة التجارية لدولة الإمارات العربية المتحدة الصادرة في أواخر عام 2022، لاحظنا استراتيجية الحكومة طويلة المدى لتحويل دولة الإمارات العربية المتحدة إلى اقتصاد قائم على المعرفة، وصاحب هذه الاستراتيجية إدخال تدابير لتحسين سيادة القانون وتحديث البيئة الاقتصادية، وإزالة قيود الملكية على الاستثمار الأجنبي في العديد من القطاعات. وأدى ذلك إلى تحسين تصنيف دولة الإمارات في العديد من المؤشرات العالمية والإقليمية، بما في ذلك سهولة ممارسة الأعمال، والكفاءة والاستقرار المالي، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر.
كما لاحظنا التزام دولة الإمارات القوي بالنظام التجاري المتعدد الأطراف القائم على القواعد ومشاركتها النشطة في مفاوضات منظمة التجارة العالمية، بما في ذلك المتعلقة بالتجارة الإلكترونية وتسهيل الاستثمار.
ويساهم ذلك كله في خلق بيئة تجارية أكثر ملاءمة لكل من الشركات التي تتخذ من الإمارات مقرا لها والتجار الدوليين، وهو ما سيساعد بلا شك في تحقيق الدولة لأهدافها الاستراتيجية.
كيف يمكن أن تسهم التجارة الخضراء في مواجهة تداعيات تغير المناخ؟
أذكر الدعوات المتكررة للمديرة العامة المنظمة نجوزي أوكونجو إيويالا، في مناسبات عديدة، حول مستقبل التجارة الخضراء وهو أمر لا مفر منه، نظرا لأن تغير المناخ هو أحد أكبر التحديات التي تواجه الإنسانية، فإننا نرى آثاره أمام أعيننا.
إن تغير المناخ يشكل تهديدا وجوديا، وللتجارة دور حاسم تلعبه، ولمواجهة التحدي المتمثل في الانتقال إلى صافي الانبعاثات صِفر بحلول منتصف القرن، نحتاج إلى أسواق عالمية مفتوحة ويمكن التنبؤ بها لضمان القدرة على الوصول إلى التكنولوجيات بأسعار معقولة.
والحقيقة أن التجارة الموسعة تعمل أيضا على تعزيز النظم الغذائية العالمية المستدامة وإيجاد سلاسل التوريد المرنة. فمن دون التجارة، لن تتمكن من إزالة الكربون، لأنه من دون ذلك لن تكون هناك إمكانية لنشر التكنولوجيات المطلوبة على نطاق واسع من مكان إلى آخر وخفض التكاليف.
ونؤكد في هذا الصدد على فوائد الاستدامة المترتبة على النظام التجاري المفتوح، إذ أصبح الانخفاض الحاد في أسعار أنظمة الألواح الشمسية منذ عام 2001 ممكنا بفضل الوفورات الناتجة عن التجارة الدولية والمنافسة وسلاسل التوريد العالمية.
ومن خلال خفض الحواجز الجمركية والتنظيمية أمام التجارة في السلع والخدمات البيئية، يمكننا خفض التكاليف بشكل أكبر وتسريع نشر الطاقة النظيفة على نطاق أوسع.
هناك العديد من القضايا المستعصية منها الفشل في التوصل إلى اتفاق بشأن إصلاح التجارة الزراعية.. ما خطتكم للتغلب على ذلك؟
هناك العديد من القضايا التي يصعب كسرها، تغير المناخ مثلا، يشكل تحديا يمكن معالجته من خلال تسخير التجارة كجزء من الحل. أما عن الفشل في التوصل إلى اتفاق بشأن إصلاح التجارة الزراعية، فقد كنا نتفاوض بشأن الزراعة منذ أكثر من عقدين من الزمن.
وهذا الفشل يضر بمصداقية المنظمة، خاصة في ضوء أزمات الأمن الغذائي المتعددة التي يواجهها العديد من الأعضاء نتيجة لتغير المناخ والحروب وغيرها من التشوهات.
والتوصل إلى اتفاق كان قريبا في المؤتمر الوزاري الثالث عشر بشأن برنامج عمل لدفع المحادثات إلى الأمام، ونحن بحاجة إلى البدء في التركيز على ما يمكننا تحقيقه في مؤتمرنا الوزاري المقبل في الكاميرون.
ويعتقد أعضاء المنظمة أن الحد من التشوهات في قطاع الزراعة وتعزيز الإنتاجية بشكل تنافسي من شأنه أن يسهم بشكل كبير في تحقيق أهدافهم المتعلقة بالأمن الغذائي.
أمر آخر هو التجزئة، كيف يمكن مواجهة الضغوط الناشئة عن المخاوف الجيوسياسية؟
هناك ضغوط متزايدة على الشركات لإعادة توطينها، وعلى تعديل سلاسل التوريد الخاصة استجابة للمخاوف الجيوسياسية المتزايدة.
ولم نشهد تراجعا واسع النطاق خلف الحدود الوطنية، إلا أننا نرى أن التجارة بين الكتل المتشابهة تنمو بشكل أسرع من التجارة عبر هذه الكتل.
فعلى سبيل المثال، نمت التجارة الثنائية بين الولايات المتحدة والصين بشكل أبطأ بنسبة 30% منذ عام 2018 مقارنة بتجارتهما مع بقية العالم. كما يتجه الاستثمار الأجنبي المباشر بشكل متزايد نحو الاقتصادات التي يُنظر إليها على أنها صديقة.
وتشير تقديرات خبراء الاقتصاد لدى المنظمة إلى أن فصل الاقتصاد العالمي إلى كتل جيوسياسية من الممكن أن يؤدي إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 5% في الأمد البعيد، مع خسائر أكبر تتكبدها البلدان النامية والأقل نمواً.
كما أرى أن تجزئة تدفقات البيانات في قطاع واحد فقط من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض الصادرات العالمية بنسبة 1.8% والناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو 1%.
ولمنع ذلك، يتعين علينا أن ندافع عن النظام التجاري المتعدد الأطراف ومنظمة التجارة العالمية ونعززهما من أجل إبقاء الحواجز التجارية منخفضة وغير تمييزية ويمكن التنبؤ بها.
ما المقصود بدعوة مديرة المنظمة حول "إعادة العولمة"؟
إعادة العولمة تعني العمل نحو عولمة أكثر شمولاً تسمح لمجموعة واسعة من البلدان بالمشاركة في سلاسل القيمة العالمية. وتؤدي هذه المشاركة الأوسع إلى تقليل مخاطر الاعتماد على أي دولة موردة واحدة، بينما تتيح للشركات في الدول النامية فرصة الاستفادة من شبكة إنتاج أكثر تنوعا.
ما دور المنظمة في الحفاظ على استقرار مسارات التجارة العالمية؟
إن منظمة التجارة العالمية هي المكان الذي يمكنه مساعدة البلدان على إدارة وحل خلافاتها بشأن التجارة. وتراقب المنظمة الوضع في جميع أنحاء العالم، إذ حذرت مرارا وتكرارا من تأثير الصراع على التجارة العالمية، وخاصة اضطرابات الشحن التي تشكل مصدرا جديدا للتأخير والضغوط التضخمية، كما تأخذ إحصاءاتنا وتوقعاتنا التجارية في الاعتبار هذه الاضطرابات الناجمة عن الصراع.
ما تقديرات المنظمة لنمو التجارة العالمية؟
أصدر الخبراء الاقتصاديون للمنظمة في أبريل/نيسان الماضي توقعاتهم التجارية السنوية التي تشير إلى انتعاش تجارة السلع العالمية تدريجيًا هذا العام بعد الانكماش في عام 2023 الذي كان مدفوعًا بالآثار المتبقية لارتفاع أسعار الطاقة والتضخم.
وعلى وجه التحديد، من المتوقع أن يرتفع حجم التجارة السلعية العالمية بنسبة 2.6% في عام 2024 و3.3% في عام 2025 بعد انخفاضه بنسبة 1.2% في عام 2023. ومع ذلك، فإن الصراعات الإقليمية والتوترات الجيوسياسية وعدم اليقين في السياسات الاقتصادية تشكل مخاطر سلبية كبيرة على التوقعات.
وخالفت منطقة الشرق الأوسط هذا الاتجاه في العام الماضي مع نمو قوي في الواردات بنسبة 10٪ تقريبًا بينما انخفضت الصادرات بنسبة 1.6٪ بالنسبة لعام 2024، يتوقع الاقتصاديون لدينا أن تنتعش الصادرات بزيادة قدرها 3.5% بينما ستتباطأ الواردات إلى نمو بنسبة 1.2%. غير أن المنطقة معرضة بشدة لمخاطر سياسية. ويهدد الصراع في الشرق الأوسط الشحنات البحرية عبر البحر الأحمر وقناة السويس، مما يعطل الروابط التجارية بين أوروبا وآسيا.
ما أهمية النظام العالمي متعدد الأطراف؟
باختصار، الاستقرار والقدرة على التنبؤ والشفافية، حيث تدرك الشركات في جميع أنحاء العالم، من أكبرها إلى أصغرها، أنها عندما تمارس التجارة بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية، فإن التدابير الجمركية وغير الجمركية المطبقة تتوافق مع التزامات الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، وأنها لن تتعرض للتمييز في تطبيق هذه القواعد ولن تخضع لقيود تعسفية.
كما يعلم هؤلاء أنه يتم إخطار منظمة التجارة العالمية بهذه الالتزامات والقواعد واللوائح ويتم الإعلان عنها للأعضاء الآخرين وشركاتهم لمراجعتها، وإذا لزم الأمر، لإثارة المخاوف في هيئات منظمة التجارة العالمية المناسبة.
وفي حال وجود نزاع حول كيفية تطبيق عضو آخر لهذه التدابير، فيمكن حل النزاع من خلال منظمة التجارة العالمية وطلب التعويض في حالة عدم احترام قواعد منظمة التجارة العالمية.
بالنسبة للجمهور بشكل عام، فإن الاستقرار والقدرة على التنبؤ والشفافية في التجارة التي توفرها منظمة التجارة العالمية يعني أنهم يستفيدون من انخفاض الأسعار من خلال التجارة التنافسية وتوفير المزيد من الخيارات فيما يختارون شراءه.
وهذا يعني أن أحدث التقنيات والابتكارات متاحة بحرية أكبر، واستفادة عمالهم من توفير فرص العمل من خلال الأسواق الموسعة التي يوفرها نظام تجاري مفتوح.
ويعتبر سعي 20 دولة للحصول على عضوية منظمة التجارة العالمية وفقا شاهدا على أهمية المنظمة ونظامها القائم على القواعد، وخاصة بالنسبة للأعضاء الأفقر والأصغر. وإلا فإنها تصبح عُرضة لأهواء الأعضاء الأكثر قوة الذين يستطيعون فرض تدابير الحماية متى شاءوا.
ما آخر التطورات بشأن فرض إجراءات عقابية على الصين بسبب صناعة الرقائق؟
لا توجد إجراءات نزاع حالية فيما يتعلق بصناعة الرقائق في الصين. وهناك بعض أعضاء منظمة التجارة العالمية، مثل الولايات المتحدة، التي فرضت قيودا على بيع الرقائق المتقدمة ومعدات التصنيع إلى الصين، حيث رفعت الصين قضية نزاع في منظمة التجارة العالمية ضد الولايات المتحدة. ولا تزال هذه الإجراءات في مرحلة التشاور، حيث سيحاول الجانبان التوصل إلى حل متفق عليها.
ماذا عن مشاركة المنظمة في قمة المناخ COP29 هذا العام؟
تبعا لما كانت عليه المشاركة منذ اليوم الأول لانطلاق مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين في دبي العام الماضي، سيشمل مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين المقرر انطلاقه في أذربيجان في 14 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل مرة أخرى قضية التجارة كموضوع رئيسي.
وكما هو الحال في العام الماضي، طُلب من منظمة التجارة العالمية دعم رئاسة أذربيجان لمؤتمر الأطراف لتشكيل المناقشات حول هذا الموضوع.
ويجب أن تكون التجارة جزءا أصيلا من حل أزمة المناخ. ويتضمن ذلك أول مبادرة لرئاسة مؤتمر الأطراف لجعل التجارة عنصرًا أساسيًا فيها، وهي مبادرة باكو لتمويل المناخ والاستثمار والتجارة (BICFIT) الحوار، والتي تم إطلاقها في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، وتشمل المواضيع الأخرى دور التجارة في الاستفادة من تمويل المناخ. حيث مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين يمثل لحظة رئيسية للدول لنشر جميع الأدوات المتاحة لها لضمان تحقيق الأهداف المناخية الجماعية. ويجب أن يشمل ذلك التجارة.