قصة أول مدينة صناعية في العالم.. كيف غيرت مانشستر حياة البشر؟
كانت مدينة مانشستر الإنجليزية أول مدينة صناعية عرفها العالم، ومنها انطلقت ما عرفت بالثورة الصناعية.
من مصانعها الشاهقة ومستودعاتها وشوارعها المزدحمة، ظهرت طرق جديدة للعيش والعمل والتفكير، مما أدى إلى تحول الحياة في مانشستر، ثم في جميع أنحاء العالم.
في أوائل القرن التاسع عشر، أدى النمو السريع لصناعة القطن في مانشستر إلى توسع المدينة في القطاع الصناعي، ووضعها في قلب شبكات التصنيع والتجارة العالمية الجديدة.
وقام المصنعون والباحثون عن الربح بتطوير آلات تعمل بالطاقة ومطاحن متعددة الطوابق لإنتاج أقمشة قطنية عصرية وقيمة لبيعها في جميع أنحاء العالم، هذه الدفعة، أدت لتفاعل العلم والصناعة وتداخلا لتكوين مدينة تجريبية مبتكرة أصبحت أول مدينة صناعية على الإطلاق.
وكغيرها من التجارب الأولى، في بدايتها كان الابتكار والأرباح يسيران جنبا إلى جنب مع عدم المساواة والاستغلال، في مصانع مانشستر، حيث كان يكدح آلاف العمال طوال الوقت باستخدام الآلات، ولتشغيل هذه الآلات كان للعبودية دور بارز في إمداد مصانع مانشستر بالقطن اللازم لتشغيل المصانع، في المزارع في منطقة البحر الكاريبي وأمريكا الجنوبية والولايات المتحدة، حيث أُجبر الملايين من العبيد على زراعة القطن وتزويد المصانع في مانشستر به.
أيضا كانت هناك عواقب لنمو مانشستر الصناعي، بعد أن لحقت بها بقية المدن في أوروبا والعالم، أبرزها تأثير الثروة الصناعية الملوث للأرض على المناخ.
أسباب جعلت مانشستر مهد الصناعة في العالم
وفي حين أن أهمية المدن الصناعية الكبرى مثل غلاسكو ونيوكاسل ليست محل شك، فمن المعروف على نطاق واسع أن مانشستر كانت أول قوة صناعية في بريطانيا والعالم، وشبهت بالمحرك الرئيسي للتغيرات الزلزالية التي شهدتها أوروبا في القرن التاسع عشر.
وقبل مناقشة الدور الرئيسي الذي لعبته مانشستر في الثورة الصناعية، نسلط الضوء أولا على بعض التغييرات التي طرأت على المجتمع الأوروبي والتي جعلت الأمر برمته ممكنا.
ويأتي التحول الرئيسي الأول من التغيرات التي دفعت مانشستر لتكون الأولى في مجال الصناعة في ذلك الوقت، في إجمالي عدد سكان بريطانيا.
في منتصف القرن الثامن عشر، كان عدد سكان بريطانيا متواضعاً، إذ بلغ نحو تسعة ملايين نسمة؛ وبعد مائة عام، بحلول منتصف القرن التاسع عشر، تضاعف عدد السكان.
ويبدو أن هذا الارتفاع في معدلات السكان يرتبط على نطاق واسع بالانخفاض الكبير في معدلات الوفيات، فقد بدأ الوعي المتزايد بالمخاوف الطبية في منع وفيات الرضع والوفيات المبكرة بين البالغين.
وهكذا، مع الزيادة السكانية، افتتحت الأبواب لفرص عمل أكبر، إذ كانت هناك حاجة إلى المزيد من الطعام، والمزيد من الملابس، والمزيد من الوظائف، ما دفع مدينة مثل مانشستر لإيجاد حلول لهذا الأمر.
حيث أدت هذه الطفرة في الأعداد إلى ظهور الحاجة إلى الابتكار، عبر تقنيات زراعية جديدة، وتنظيم جديد للعمل، وقدمت مانشستر الظروف المثالية لمثل هذا الابتكار والتطور الصناعي، لسد الحاجة في مختلف القطاعات.
وفي مانشستر كانت هناك قنوات ومواد أولية للإنتاج مثل خام الحديد والفحم، وفي عام 1769، افتتح ريتشارد أركرايت أول مصنع للقطن في مانشستر، وكان يعمل به حوالي 600 شخص.
ما جعل القطن هو مركز انطلاق الثورة الصناعية في مانشستر دون منازع، وكان اختراع مجموعة متنوعة من الأنوال الميكانيكية وأدوات النسيج مثل "جيني الغزل" يعني إمكانية تسريع عملية إنتاج القطن البطيئة بلا هوادة.
وفي غضون سنوات قليلة فقط، حدث نمو في عدد سكان مانشستر ما أدى لنمو في نشاطها الصناعي.
ريتشارد آركرايت والد أول نظام صناعي في العالم
كان للمخترع الإنجليزي ريتشار آركرايت، فضلا كبيرا في انطلاق الصناعة في مانشستر، كرائد في قطاع الغزل والنسيج.
وكان ريتشارد أركرايت أول من بدأ عملية تحول في صناعة المنسوجات وخلق رؤية لمستقبل التصنيع المعتمد على الآلة والمعتمد على المصنع، ما جعله والد أول نظام مصانع في العالم.
ومنذ أوائل القرن الثامن عشر، كان المصنعون يبحثون عن طرق مبتكرة لتلبية الطلب المتزايد باستمرار على الأقمشة والغزل القطني.
وفي عام 1767، حدث تقدم كبير عندما ابتكر رجل الأعمال من لانكشاير، ريتشارد أركرايت (1732-1792)، آلة غزل بسيطة ولكنها رائعة.
هذه الآلة الفريدة من نوعها التي حلت محل عمل الأيدي البشرية، أتاحت غزل خيوط القطن بسرعة أكبر وبكميات أكبر من أي وقت مضى.
ظهر هذا الابتكار الثوري، حين التقى أركرايت بجون كاي، وهو صانع ساعات ماهر يتمتع بالقدرة التقنية اللازمة لبناء الآلات في العام نفسه.
ومع كاي، طور أركرايت أول نموذج أولي لآلة الغزل، وتم تصميم الماكينة في البداية ليتم تشغيلها بقوة حصانية، حيث قامت بكرات الماكينة المتحركة بسحب ألياف القطن، لتقليد حركة أصابع الغزال اليدوي.
بعد ذلك، تقوم مغازلها الدوارة بلف القطن وتحويله إلى خيوط ولفه على بكرة.
فخر مستمر للمدينة الأولى في عديد المجالات
ويقول موقع "مانشستر بايتس"، أن مدينة مانشستر تبقى مصدر فخرا لعديد من عمال اوروبا كونها المركز الصناعي الأول في العالم.
ويعود ذلك لما حظيت به المدينة من تضامن في بداية نشأتها الصناعية، الذي جاء مع كونها مركزًا صناعيًا.
وفي حين عززت المصانع والصناعات الثقيلة ثروات أصحابها، فمن المفارقة أن النمو الاقتصادي يعني أن المزيد من الرجال والنساء (وحتى الأطفال) اضطروا إلى العمل في ظروف مرهقة وخطيرة.
ولكن من هذه القوى العاملة الهائلة جاء أبطال في القطاع الصناعي انطلقت شرارتهم من داخل مانشستر، فمن الحملات ضد العبودية إلى حركة حق المرأة في التصويت التي تدعو إلى التصويت لصالح النساء وأوائل جماعات حقوق الحيوان، عرف مواطنو مانشستر كيفية تنظيم أنفسهم سياسيًا للنضال من أجل ما يؤمنون به، ومنهم انتشرت هذه التوجهات بأنحاء العالم.
المصدر الآخر للفخر بهذه المدينة، يكمن في كون المدينة موطنًا للعديد من الأشياء الأولى التي شهدها العالم، مثل آلات الإنتاج، وأول قنوات بريطانيا المائية، وأول سكة حديد للركاب، وانتاج أول غواصة في بريطانية، وظهور النظرية الذرية، وحتى دوري كرة القدم أنطلق من مدينة مانشستر لبقية العالم.
وكل هذه الأشياء مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالثورة الصناعية ومكانة مانشستر كمركز لها.