تفيد تقارير الأمم المتحدة المنشورة منذ مطلع سنة 2021 بوقوع ما يقرب من 100 هجوم إرهابي في مالي.
وهو رقم يؤشر إلى تدهور الوضع الأمني في البلاد. وتم استهداف القوات والهيئات الأمنية العاملة في مالي بما لا يقل عن 92 هجوماً، وقع أكثر من نصفها في منطقتي موبتي وسيغو، اللتين تُعدّان مركز نشاط إرهابيي كتائب "تحرير ماسينا" التابعة لتنظيم القاعدة في الساحل. أما البقية فقد ارتُكبت في مناطق تمبكتو وكيدال وميناكا وغاو، وهي المدن التي اعتاد تنظيم أنصار الدين بقيادة، إياد أغ غالي، والموالي للقاعدة في الساحل على تنفيذ هجماته فيها.
وكما تشير الأرقام إلى ذلك، تفاقمت الحالة الأمنية كثيراً. وبمقارنة الوضع بالسنة الماضية، زادت الهجمات بمقدار خمسة أضعاف. وإذا نظرنا إلى الأمور بهذه الطريقة، قد يبدو لنا للوهلة الأولى أن سياسات مكافحة الإرهاب في مالي قد فشلت، لكنها ليست كذلك. يجب ألا يغيب عن الأذهان أن الحرب على الإرهاب في سوريا والعراق لم تنتهِ، بل انتقلت إلى أفريقيا، خاصة إلى المنطقة الوسطى والساحل. ويواصل المقاتلون المحليون والأجانب على حدّ سواء التوافد إلى المنطقة والانخراط في صفوف القاعدة وداعش، مما يسهم في تعويض الخسائر البشرية وحتى في بعض الحالات زيادة عدد مقاتليهم.
ورغم تأخره بسنوات، يبدو أن الغرب أصبح يدرك حجم مشكلة الإرهاب في منطقة الساحل. وعلى خطى فرنسا، بدأت بلدان كثيرة المشاركة في مكافحة الإرهاب. وأرسلت إستونيا والجمهورية التشيكية والسويد والمملكة المتحدة قوات إلى المنطقة، كما أعلنت الدنمارك، هذا الأسبوع، استعدادها لإرسال قوات خاصة.
صحيح أن الجيش المالي وقوة برخان الفرنسية وبعثة الأمم المتحدة "مينوسما" قد تكبّدوا خسائر في الأرواح، ولكن الصحيح أيضاً أن الإرهابيين سجلوا ذات الخسائر في صفوفهم. وفي يناير/كانون الثاني الماضي، انتهى القتال الذي دار في موندورو وبوليكيسي بتحييد 30 إرهابياً. وفي الهجوم الذي وقع في 3 فبراير/شباط الماضي، بالقرب من بوني، قُتِل 20 آخرون.
وفي الهجوم على بعثة "مينوسما" الأممية في 2 أبريل/نيسان الجاري بمنطقة أغلهوك بمالي، لقي 4 جنود بالجيش التشادي مصرعهم، وجاء الرد على العملية بقتل 40 إرهابياً بينهم أحد قادة جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" يدعى عبد الله أغ الباكا، بحسب بعض المصادر، بينما تُشير أخرى إلى أن القيادي المقتول هو أبو خالد التونسي.
وفي 5 أبريل/نيسان الجاري، نجح الجيش المالي في تحييد ستة إرهابيين آخرين في مافوني (سيغو). وفي في اليوم التالي، هاجم إرهابيون الجيش المالي في كونا أثناء مرافقتهم لقافلة، ما تسبب في مصرع 12 إرهابياً.
وبالتوازي مع الحرب التقليدية، لوحظ تغيير على الحرب الإعلامية. وفي مطلع مارس/آذار، شهد شمال مالي توزيع منشورات تشوّه سمعة القائد الإرهابي، إياد أغ غالي، الذي تم تصويره وكأنه أحد قطّاع الطرق في أفلام الويسترن. وبالإضافة إلى ذلك، تم عرض مكافأة مالية لمن يُدلي بمعلومات قد تقود إليه. إنه أسلوب غريب، ولكنه فعّال كما هو موضّح في كتيبات الدعاية الإعلامية. وقد ينجح ذلك في زرع الريبة والقلق في نفس غالي وجعله يشكّ في كل المحيطين به.
ولم يسلم الزعيم الآخر لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، أمادو كوفا، من هذه الحملة الدعائية أيضاً، إذ تم تداول ملصقات على وسائل التواصل الاجتماعي تفيد بأنه مريض جداً وأن حالته الصحية خطيرة. وسواءً كان الأمر صحيحاً أم لا، سيجبره ذلك على الظهور والخروج عن صمته. وإذا استمر الوضع على ما هو عليه لفترة أطول، فسوف تصدق هذه الشائعات، كما يؤشر الصمت إلى أن الأمور ليست على ما يرام، وهو ما يُعتبر بمثابة نجاح لسياسات مكافحة الإرهاب التي تكون قد انتصرت في هذه المعركة الدعائية.
بالتأكيد لم يتم توظيف الحرب الدعائية والعمليات النفسية في المعركة ضد الإرهاب في أفريقيا، وهذا خطأ فادح، ففي هذه المعارك لا يُصاب القائمون على الحملات الدعائية، ولا يحتاجون إلى الوجود في الميدان، مقابل ذلك، يلحقون أضراراً بالغة بالعدو.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة