«إكس بي-70 فالكيري» قاذفة المحركات الستة تفشل في تدمير الاتحاد السوفياتي
في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين، خططت القوات الجوية الأمريكية لإنتاج طائرة بديلة للقاذفة الثقيلة "بي-52 سترافورترس".
واستقر الرأي على القاذفة "إكس بي-70 فالكيري" ذات المحركات الستة الأسرع من الصوت والقادرة على حمل الصواريخ النووية الأمريكية، وتوفر وسيلة موثوقة لشن ضربات نووية ضد أهداف في الاتحاد السوفياتي.
وكان مقررا أن تكون أسرع طائرة مقاتلة تم بناؤها على الإطلاق، وقادرة على إطلاق أسلحة نووية بسرعة تزيد على 3 أمثال سرعة الصوت ومن ارتفاعات تصل إلى 21 كيلومتراً.
تمت صناعة نموذجين فقط منها، وهي من تصميم وصناعة شركة نورث أمريكان، قامت بأول طيران لها في عام 1964.
وزن الطائرة فارغة يبلغ 115 طنا، ويتم دفعها بعدد 6 مُحركات تيربوجيت، وتصل سرعتها لـ 3 ماخ (3 أضعاف سرعة الصوت).
تم تصميمها لتستطيع استيعاب 22 طنا من القنابل والصواريخ التقليدية والنووية.
يبلغ أقصى مدى الطائرة 7000 كم، وتستطيع التحليق على ارتفاع 21 كم.
وتم إطلاق أول طائرة (إكس بي-70) الملقبة بفالكيري بعد مسابقة تسمية في بالمديل، كاليفورنيا، في 11 مايو/أيار 1964، مع جناحيها اللذين يزيد طولهما على 100 قدم، وستة محركات نفاثة من جنرال إلكتريك في الخلف، وطول 185 قدماً، كانت واحدة من أكثر الطائرات إثارة للإعجاب على الإطلاق.
ومن بين سماتها المميزة كانت أطراف الأجنحة التي ظلت أفقية عند سرعات دون سرعة الصوت، لكنها تنثني للأسفل بمجرد الوصول إلى سرعة تفوق سرعة الصوت لتقليل المقاومة، عناصر التصميم الرئيسية لها، مثل الأجنحة على شكل دلتا والهيكل الطويل النحيل، التي تكررت في الكونكورد وتوأمها السوفياتي (توبوليف توني 144)، والتي كانت تحتوي حتى على جناحين صغيرين أو زعنفتين خلف قمرة القيادة مباشرة -تماماً مثل (إكس بي-70)- ما يمنح الطيارين تحكماً أكبر في السرعات المنخفضة.
تم تصميم هذه الطائرة لتقوم بدور القاذفة الأسرع من الصوت التي تستطيع الطيران على ارتفاعات عالية جداً تصل لأكثر من 20 كم وبسرعات عالية للهروب من صواريخ الدفاع الجوي السوفياتية في ذلك الوقت.
كانت سرعة وارتفاع الطائرة B-70 كافيين لجعلها غير معرضة لخطر بطاريات الصواريخ السوفياتية S-75، وحتى شبكة S-25 المخصصة للدفاع عن موسكو، وكان من الممكن أن تضعها بعيدًا عن متناول طائرات Su-15 الاعتراضية ومقاتلات MiG-19 و MiG-21 التي تم الاعتماد عليها للدفاع عن المجال الجوي السوفياتي، وحتى طائرات Tu-28 الاعتراضية الضخمة التي دخلت الخدمة منذ عام 1964 والقادرة على الوصول إلى ارتفاعات 20 كيلومترًا، ربما كانت ستواجه صعوبات لاعتراض قاذفات B-70.
وقد أدى عدد من العوامل إلى إنهاء برنامج B-70 - ليس أقلها التكلفة الباهظة التي بلغت 750 مليون دولار لكل طائرة - أي ما يعادل أكثر من 5 مليارات دولار اليوم.
وقد ثبت أن تصميم النموذج الأولي يواجه صعوبة بالغة في التطوير إلى مستوى موثوق به للاستخدام القتالي، وتسبب الضغط على قمرة القيادة جراء الطيران بسرعة 3 ماخ في أضرار جسيمة عند محاولة القيام بذلك.
كما وفرت التطورات في تكنولوجيا الباليستية العابرة للقارات - وهي وسيلة أخرى لإطلاق الأسلحة النووية لم يكن هناك دفاع ضدها في ذلك الوقت - بديلاً أقل تكلفة بكثير وأكثر موثوقية في كثير من النواحي للقاذفة الثقيلة التي تبلغ سرعتها 3 ماخ.
كما هدد التقدم السريع في تقنيات صواريخ الدفاع الجوي السوفياتية وظهور الصواريخ القادرة على الوصول لارتفاعات عالية وبسرعات فائقة أدى إلى تغيير في طريقة تفكير خبراء وزارة الدفاع الأمريكية الذين ألغوا مشروع هذه القاذفة وفضلوا تصميم وبناء قاذفات قنابل بسرعات عادية ولكن تستطيع الطيران على ارتفاع منخفض حتى تهرب من موجات الرادار المُعادية وتتخذ من تضاريس الأرض ساتر لها وهو ما أدى لظهور قاذفات “بي 2 سبيريت” الخفية الأقل من سرعة الصوت القادرة على الطيران على ارتفاعات منخفضة.
كان تطوير الاتحاد السوفياتي لجيل جديد من الطائرات الاعتراضية في شكل طائرات ميج-25، والتي كانت قادرة على تجاوز سرعة 3 ماخ ونشر صواريخ جو-جو ضخمة من طراز R-40 برؤوس حربية تزن 100 كجم، سبباً في تقويض جدوى فالكيري.
نهاية أول طائرة أسرع من الصوت
أُنهيت تجربة (إكس بي-70) بسبب حادث مميت وقع في عام 1966، أثناء جلسة تصوير نظمتها شركة جنرال إلكتريك، عندما اصطدمت الطائرة الثانية، والأكثر تقدماً، من طائرتي فالكيري في الجو بطائرة أصغر، وهي (إف-104 إن)؛ ما أسفر عن مقتل طيارها بالإضافة إلى أحد طياري (إكس بي-70) بينما نجا الآخر من إصابات خطيرة.
سجلت طائرة فالكيري المدمرة 46 رحلة فقط، وأنهت الطائرة الأخرى مسيرتها بعد 83 رحلة، العديد منها مع وكالة ناسا كمنصة اختبار أسرع من الصوت، وما يزيد قليلاً على 160 ساعة في الجو.
تمت آخر تلك الرحلات في 4 فبراير/شباط 1969، لنقل الطائرة من مركز أبحاث الطيران أرمسترونغ التابع لناسا في كاليفورنيا إلى قاعدة رايت باترسون الجوية في أوهايو، حيث انضمت الطائرة إلى مجموعة متحف القوات الجوية.