عام 2022.. هل أخرج إسرائيل من دوامة الانتخابات؟
عندما عاد الإسرائيليون إلى صناديق الاقتراع في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2022 كان هاجسهم الأكبر أن لا يعودوا إلى هذه الصناديق قريبا.
فالانتخابات كانت الجولة الخامسة في غضون أقل من 4 سنوات دون أن تحسم استطلاعات الرأي العام الكفة لا لمعسكر رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو ولا معسكر المعارضين له.
وأراد الإسرائيليون أن تنتهي الانتخابات إلى تشكيل حكومة مستقرة لأول مرة منذ 4 سنوات ليخرجوا من دوامة الانتخابات التي لم تغير كثيرا من مواقفهم السياسية.
وبتشكيل رئيس الوزراء السابق نتنياهو، الذي يواجه اتهامات ينفيها بالرشوة والاحتيال وإساءة الأمانة، فإن ثمة تقديرات بأن إسرائيل قد خرجت بالفعل من هذه الدوامة التي أنهكت الإسرائيليين.
ويقول الباحثان في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، أوري فيرتمان ومئير الران: "انتهت انتخابات 2022 بفوز واضح للكتلة اليمينية بقيادة بنيامين نتنياهو".
وأضافا في دراسة تلقتها "العين الإخبارية": "نتيجة لذلك، من المرجح أن تخرج إسرائيل من الأزمة السياسية في السنوات الثلاث والنصف الماضية، والتي شهدت خمس انتخابات للكنيست".
واعتبرا "أن الحكومة القائمة على ائتلاف من 64 عضوًا بالكنيست تخلق أساسا متينا إلى حد ما للبقاء وبالتالي لاستقرار الحكومة، هذا مهم للتخطيط طويل الأجل ولإدارة أكثر فعالية لقضايا الأمن القومي الحرجة".
وقالا "من بين أمور أخرى سيمنع الاستقرار الحكومي من وضع تدير فيه الدولة بدون ميزانية وسيساعد صانعي القرار على الشروع في خطوات مثل توسيع اتفاقيات إبراهيم وربما خطوات من شأنها أن تسهم في الفصل السياسي بين إسرائيل والفلسطينيين، في القضايا التي يوجد اتفاق واسع عليها في الجمهور الإسرائيلي، حتى لو كانت القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية قد تثير الجدل داخل الائتلاف الناشئ".
ولكنهما استدركا: "من ناحية أخرى، قد يشكل حزبا "الصهيونية الدينية" و"القوة اليهودية" اليمينيين المتطرفين في الحكومة القادمة تحديات خطيرة لاستقرار الائتلاف، على الأقل في مجالين مهمين من مجالات الأمن القومي".
وأوضحا أن التحدي الأول يتعلق بالقضية الفلسطينية، فيما يتصل بمقاربة متوقعة أكثر صرامة تجاه الفلسطينيين وموقف أكثر تساهلاً تجاه سكان المستوطنات في الضفة الغربية، مما يؤدي على الأرجح إلى زيادة العنف وتدهور محتمل في العلاقات اليهودية العربية داخل إسرائيل".
وأضافا: "ستكون قضية الأماكن المقدسة في القدس في مركز الزلزال، ومن المرجح أن تسرع الاشتباكات واسعة النطاق في كل من الضفة الغربية والقدس، مما قد يؤدي إلى التطرف والعنف بين الجمهور العربي الإسرائيلي".
وتابعا: "التحدي الثاني يتعلق بموقف الإدارة الأمريكية من بروز حزبي الصهيونية الدينية والقوة اليهودية في الحكومة. قد يضر هذا بالعلاقة الخاصة مع إدارة بايدن وكذلك العلاقات الوثيقة مع الجالية اليهودية الأمريكية".
واعتبرا أن هذه الصورة المعقدة "تشير إلى وجود توتر بين استمرارية السياسة الإسرائيلية في قضايا الشؤون الخارجية الأساسية والتغييرات المحتملة في المجال الداخلي، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات العربية اليهودية والخلافات المتوقعة المتعلقة بجوهر إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية".
وقالا: "هنا، من المحتمل أن يكون تأثير الصهيونية الدينية والقوة اليهودية مهمًا على الجو العام المشحون بالفعل وعلى سلوك الحكومة الجديدة وقراراتها بشأن القضايا الحساسة. ومن المرجح أن يكون لنتائج كل هذه التطورات عواقب فورية على الأمن القومي الإسرائيلي ومكانتها الدولية".
هكذا تحقق حسم نتنياهو
ومن جهته قال البرفيسور اوفير كينيغ، من معهد ديمقراطية إسرائيل: "بعد خمس انتخابات في أقل من أربع سنوات، فإن إسرائيل في طريقها إلى الاستقرار السياسي".
وأضاف في دراسة تلقتها "العين الإخبارية: "على الرغم من أن عدد الناخبين منذ عام 2021 لم يتغير بشكل كبير، أسفرت انتخابات 2022 عن فوز واضح لرئيس الوزراء السابق نتنياهو، على الرغم من انقسام الناخبين حول ما إذا كانوا يريدون عودته إلى منصبه".
وأشار إلى أنه "من حيث الأصوات التي تم الحصول عليها كان هناك تكافؤ قريب بين الكتلتين. كتلة نتنياهو تفوقت على الكتلة المناهضة لنتنياهو بنحو 30 ألف صوت. هذا أقل من مقعد واحد في الكنيست. عمليا كانت الانتخابات متعادلة".
وقال: "هنا تدخل النظام الانتخابي. بينما عادةً ما ترتبط أنظمة الفائز الأول (كما هو الحال في الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا ودول أخرى) بنتائج لا تعكس غالبًا تفضيلات الناخبين، يمكن أن يحدث الشيء نفسه في الأنظمة النسبية مثل إسرائيل. هذه المرة، في الواقع، على الرغم من التعادل القريب في الأصوات التي حصل عليها النظام، أنتج نتيجة واضحة: 64 مقعدًا في الكنيست لكتلة نتنياهو".
وأضاف مفسرا: "نتنياهو، كزعيم لليمين والحريديم، كان ذكيًا بما يكفي للوصول إلى يوم الانتخابات في أفضل حالاته. لم تكن أي من القوائم في معسكره في خطر عدم تخطي نسبة الحسم؛ ووقعت جميع القوائم الأربع اتفاقيات تصويت فائضة. بعبارة أخرى، قللت الكتلة بالكامل تقريبًا من خطر إهدار أصواتها".
واستدرك: "في المقابل، كانت الكتلة المناهضة لنتنياهو في حالة سيئة. أدى الانقسام في القائمة المشتركة ورفض ميراف ميخائيلي لخوض العمل وميرتس على قائمة واحدة إلى ترك الكتلة مع ثماني قوائم، خمسة منها كانت متذبذبة مع اقتراب يوم الانتخابات. لم يكن هناك سوى اتفاقيتي تصويت فائضتين، تاركة أربع قوائم أخرى في عزلة فخرية".
وقال بهذا الشأن: "ترتب على عدم الكفاءة هذا ثمناً باهظاً: لأن ميرتس والتجمع الوطني الديمقراطي لم يجتازا العتبة الانتخابية، فقد تم تبديد حوالي 300 ألف صوت. وأدى فشل ميرتس في الوصول إلى الحد الأدنى إلى تحويل اتفاق فائض الأصوات مع حزب العمل إلى حبر على ورق، تاركًا فقط الاتفاق بين هناك مستقبل (برئاسة يائير لابيد) وحزب الوحدة الوطنية (برئاسة بيني جانتس) فعالاً".
واتفاق فائض الأصوات هو اتفاق بين قائمتين مرشحتين للكنيست ويجب أن يكون علنيا وعادة ما يكون ما بين قوائم متقاربة فكريا.
وبموجبه فإنه بعد احتساب أصوات الناخبين واحتسابها كمقاعد في الكنيست تكون هناك أصوات إضافية وكي لا يتم هدرها تذهب إلى قائمة من القائمتين اللتين عبرتا نسبة الحسم وبحاجة لها للحصول على مقعد إضافي.
وفي الكثير من الأحيان زاد اتفاق فائض الأصوات عدد مقاعد قوائم انتخابية.
4 ملفات تحدد مصير الحكومة الجديدة
ومع اقتراب تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة نتنياهو، فإن ثمة 4 ملفات هامة، رصدتها "العين الإخبارية" قد تحدد مصيرها وما إذا كان الإسرائيليون سيعودون مجددا لصناديق الاقتراع.
أول هذه الملفات هي الملف الفلسطيني، إذ تدفع الأحزاب اليمينية المتشددة وعلى رأسها "الصهيونية الدينية" و"القوة اليهودية" برئاسة ايتمار بن غفير باتجاه المواجهة مع الفلسطينيين سواء في المسجد الأقصى أو الاستيطان في الضفة الغربية، وهو ما سيكون له انعكاساته على التطورات على الأرض وعلاقة إسرائيل مع الدول العربية والغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ما قد يضع إسرائيل في أزمة علاقات خارجية.
ثاني هذه الملفات هو الوضع الداخلي الإسرائيلي، إذ بدأ رئيس الوزراء الحالي وقريبا زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد حركة احتجاج شعبية ضد سياسات الحكومة في كل ما يتعلق بالشأن الداخلي، بما في ذلك محاولة "الصهيونية الدينية و"القوة اليهودية" و"يهودوت هتوراه" و"نوعام" فرض التعاليم الدينية اليهودية سواء في قطاع التعليم أو الفصل بين الذكور والإناث في المناسبات المنظمة من قبل الحكومة أو فرض قيود على مباريات الكرة أيام السبت بالإضافة إلى رفض أداء المتدينين الخدمة العسكرية، والخلافات مع يهود الشتات.
وقد تعجل الاحتجاجات في مطالبات شعبية بتغيير الحكومة.
أما الملف الثالث فهو العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تخفِ قلقها من وجود قادة "الصهيونية الدينية" و"القوة اليهودية" في الحكومة القادمة وهو ما اضطر نتنياهو إلى رفض طلب بتسلئيل تولي حقيبة الدفاع، فيما تلمح الإدارة الأمريكية الحالية وأعضاء كونغرس ومنظمات يهودية أمريكية إلى أنهم لن يتعاملوا مع سموتريتش وبن غفير والوزراء والمسؤولين من حزبيهما.
وقد يدفع هذا إلى مقاطعة دولية أوسع، لا سيما من الاتحاد الأوروبي، لسموتريتش، الذي سيتولى حقيبة المالية، وبن غفير، الذي سيتولى حقيبة الأمن القومي، ما سينعكس على مكانة إسرائيل الدولية ويعزز من قوة مجموعة المقاطعة لإسرائيل.
أما الملف الرابع فهو إمكانية إدانة نتنياهو من قبل المحكمة المركزية ومن ثم المحكمة العليا بملفات الفساد وهو ما سيضطره للاستقالة من منصبه وبالتالي يستوجب عودة الإسرائيليين لصناديق الاقتراع ما لم يخرج من حزب "الليكود" او غيره من الأحزاب من هو قادر على تشكيل حكومة.
وبموجب القانون الإسرائيلي فإن الانتخابات تجري مرة كل 4 سنوات ما لم يتقرر إجراء انتخابات مبكرة.