ربما طرحت حلقات مسلسل "الاختيار 3" مزيداً من التساؤلات حول جماعة الإخوان وعلاقتها بالفكرة الوطنية عموماً، إلا أنها دفعت بالسؤال الأكبر والأهم، وهو: هل الإخوان فصيل "وطني" فعلاً؟
في اعتقادي أن ذلك هو السؤال الكبير، الذي يجب أن نتوقف عنده بالفحص والدرس والمقارنة، لأن هذه الجماعة المارقة روّجت على مدى تسعة عقود لوصف غير منطقي بأنها "جماعة إصلاحية" تخرج من صلب الفكرة الوطنية المصرية، وخاصة خلال الفترة التي سبقت ثورة يوليو 1952، أما بعد هذا التاريخ فقد وصفت نفسها حتى مطلع الألفية الثالثة بمصطلح أوسع وأضخم يناسب طبيعة المرحلة، وهو "أكبر حركة معارضة سياسية" في كثير من الدول العربية وليس مصر وحدها.
توقفت أمام مقولة مهمة للأديب العالمي نجيب محفوظ، في حواراته مع الكاتب الكبير جمال الغيطاني، عندما قال: "كنت أعرف الإخوان المسلمين، و(مصر الفتاة) وأتابعهما، (مصر الفتاة) بدأت كنشاط شبابي، ومشروع القرش لصناعة الطرابيش، ولكنها كانت تخفي هدفاً سياسياً، وكان زعيمها انتهازياً، أعلن تأييده لمحمد محمود، كيف تؤيد اتجاهاً معتدلاً وأنت تعلن التطرف، وفوجئنا بهم وقد أصبحوا فاشيست، عاديناهم، ولم أتعاطف معهم أبداً.
أما الذين كرهتهم منذ البداية فهم الإخوان المسلمون، الإخوان في البداية كانت جمعية دينية تضم وفديين وغير وفديين، ولكن عندما وجدناهم ينافسون الوفد عاديناهم، كنا نعتبر أي منافسة للوفد بمثابة إضعاف لقوته الضاربة، لم يكن الوفد يرشح أمام مرشحي الإخوان إلا الأقباط.. وكان مرشحو الوفد يكتسحون.. ولم يكن لي أصدقاء من الاتجاهات الأخرى إلا استثناءات محدودة جداً مثل عبدالحميد جودة السحار، الذي كان يميل إلى الإخوان، كان يقول لي تعال قابل الشيخ البنا وبعدين احكم.. لكني لم أكن أطيق هذه السيرة أبدا"!
كنت -ولا زلت- على قناعة بأن وصول "الإخوان" إلى سدة الحكم في مصر كان ضرورة لكشف الحقيقة، وأنه لولا لهثهم وراء "كرسي الحكم"، لكانوا حتى الآن ضمن الجماعة الوطنية، ولما تكشف زيف ادعاءاتهم وأكاذيبهم، وتطلعاتهم "الهزلية".
الخطأ الكبير الذي ارتكبته "الجماعة"، كان دخولها سباق انتخابات الرئاسة، الذي انتهى بفوز محمد مرسي ليكون الرئيس الخامس لجمهورية مصر العربية والأول بعد ثورة 25 يناير، والذي كشفت المقاطع الفيلمية الموثقة بالمسلسل عن حديثه المتضمن تهديدات مباشرة وصريحة بالفوضى!
هذا الخطأ يعبر عن مدى انتهازية الجماعة الفاشية، وفكرها المسموم القائم على التسلق واستغلال كل شيء للوصول إلى أهدافها المشبوهة، ومنذ ذلك اليوم لم تذق مصر أو "الجماعة" طعم النوم..!
كان هناك إحساس عام لدى جموع المصريين، بأن هناك خطأ ما قد حدث، وأن هذه ليست نهاية المطاف، المثير هو تصوير الآلة الإعلامية الإخوانية للمشهد على أنه "انتصار للديمقراطية" والجماعة، التي ظلت على مدى عقود طويلة في موقع المُطارَد من السلطة.
بدأ "مرسي" فترته الرئاسية بمشهد تمثيلي هزلي، لم يستطع فيه أن يؤدي حتى دور "الكومبارس". وقف بين الآلاف في ميدان التحرير ليعيد قسم اليمين الدستورية أمام الجميع، لكن "حماقته" وارتجاله في الحديث أوقعه في أخطاء، كانت البداية لشرخ كبير أولها حديثه عن حقبة "الستينيات.. وما أدراك ما الستينيات؟!"، ثم تأكيده أن "بزوغ الحركة الوطنية المصرية كان في عشرينيات القرن الماضي"، في إشارة إلى تاريخ تأسيس جماعته، التي لم تكن لها علاقة في الأساس بالحركة الوطنية المصرية، بل إن مواقفها الثابتة تاريخياً تتسم في مجملها بالخزي والعار.
مفارقة غريبة أن يقسم مرسي أمام الجماهير يوم 29 يونيو 2012، وترفع له نفس الجماهير الأحذية من نفس المكان يوم 26 يونيو 2013 أثناء إلقاء خطابه بقاعة المؤتمرات.
ما يكشف عنه المسلسل يومياً يدفع بحقائق موثقة عن كم "الحماقات"، التي ارتكبتها هذه الجماعة خلال عام كامل من المرار والمعاناة.. وكان طبيعياً استحالة أن تستمر في الحكم ولو ليوم واحد بعد هذا العام.
نقلا عن موقع الأهرام المصرية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة