تشكيل مجلس الرئاسة اليمني، يوم الخميس الماضي، خطوة لتجميع القيادات اليمنية وتمثيل كل الأطياف والمكونات اليمنية في أجهزة وسلطة واحدة.
ولهذا فللمجلس أهمية قصوى في تمهيد الطريق أمام تسوية للأزمة في اليمن، في أكثر من زاوية، أبرزها أن تكون تحركات الحكومة اليمنية باسم كل اليمنيين دون استثناء، الأمر الذي يمنحها قوة وتماسكاً في مواجهة أي محاولات لإفشال الحل السياسي.
ومن زاوية أخرى، فإن اجتماع كل اليمنيين في منظومة واحدة يغلق الباب أمام أي اختراقات خارجية أو تفاهمات ثنائية خارج هذه المنظومة.
ففي تلك الحالة ستكون أي تصرفات أو تحركات مكشوفة أمام الجميع.
أضف إلى ذلك، أن الشراكة تعني أن أي حلول أو تفاهمات، بل وأي خطوات مرحلية وقرارات سيتخذها المجلس الرئاسي، ستراعي مصالح ومواقف كل الأطراف لأنها مُمثلة فيه، وستكون لكل الأطراف مصلحة مباشرة في تثبيت وتدعيم ما يتم التوافق حوله من تحركات، لأنها حينئذ لن تكون فردية، وإنما جماعية ومدعومة من الكيان الرسمي الجامع، الذي يمثل السلطة الشرعية في اليمن.
أيضا فإن تشكيل مجلس الرئاسة يعني إشراك هذه المكونات في تحمل مسؤولياتها أمام الشعب اليمني، ليس فقط بشأن المستقبل والسعي إلى إيجاد حلول عملية وقابلة للتطبيق، لكن أيضاً فيما يتعلق بالجوانب المختلفة في حياة اليمنيين، خصوصاً الصعوبات والتحديات الخاصة بإدارة الدولة وتسيير أمورها في ظل العراقيل التي تضعها مليشيا الحوثي الإرهابية للتضييق على الشعب اليمني.
من الجوانب المهمة في إعلان تشكيل مجلس الرئاسة أنه يحدد الصلاحيات والاختصاصات تفصيلاً، وتحديداً ما يتعلق بإدارة الدولة.
بمعنى أنه ليس مجلساً شرفياً، وإنما مجلس حكم وإدارة بأوجهها العملية ومتطلباتها في مختلف القطاعات.
لذلك كان من الإجراءات المدروسة أن يكون تشكيل المجلس مصحوباً بتشكيل هيئات أخرى مكمّلة، أولها "هيئة التشاور والمصالحة"، وهي أقرب إلى مجلس شورى أو جمعية عمومية تضم مختلف تكوينات المجتمع اليمني.. ومهمتها مساندة المجلس الرئاسي وتوفير البيئة المحيطة الملائمة من خلال جمع القوى الوطنية، بما يعزز فرص وقف النزاع المسلح والتصارع بين الأشقاء اليمنيين.
وبذلك تمثل الهيئة، التي تتكون من 50 عضواً، حاضنة اجتماعية وظهيرا سياسيا لمجلس القيادة الرئاسي، وقناة تواصل بين المجلس والشعب اليمني.
وبالتوازي مع الهيئة، الكيان السياسي الداعم، تقرر أيضاً تشكيل فريقي عمل تكنوقراط، أحدهما اقتصادي والآخر قانوني.
ومهمة هذا الأخير هي تأطير وصياغة أعمال وقرارات مجلس الرئاسة وهيئة التشاور والمصالحة ووضع القواعد القانونية الحاكمة لعمل كل منهما وتقرير الآليات والإجراءات التنظيمية الملائمة.
وفي المجال الأهم والأكثر حساسية في هذه المرحلة، تضمّن إعلان المجلس الرئاسي تشكيل فريق اقتصادي يضم نخبة من الكفاءات والخبراء المتخصصين، لمباشرة إجراءات عاجلة لتصحيح الوضع الاقتصادي والخروج من المأساة، التي يعيشها اليمنيون في حياتهم اليومية، فضلاً عن تقديم الخطط والقرارات العاجلة والضرورية للمجلس الرئاسي في المجالات التنموية والمالية، وكذلك في التحرك بفاعلية نحو إقرار وتفعيل مبادئ الشفافية والنزاهة في المؤسسات الحكومية.
في التحليل النهائي، يظل الجانب الأهم في تلك الخطوة المفصلية أن تشكيل المجلس الرئاسي لم يكن تحولاً مفاجئاً أو وليد تفكير جديد، وإنما يجسد عملياً جوهر ما كانت تسعى إليه جولات الحوار والتشاور بين اليمنيين.. بدءاً بالحوار الوطني، الذي جرى عام 2014، وانتهاء بمشاورات الرياض التي جرت منذ أيام في العاصمة السعودية.
أي إن تشكيل المجلس الرئاسي ونقل الصلاحيات الرئاسية إليه، مرتبط عضوياً بمسار البحث عن حلول سياسية للأزمة، خصوصاً فيما يتصل بالمتطلبات الضرورية المسبقة لإيجاد حل دائم، وتحديداً متطلبات التوافق اليمني-اليمني وتقليص الفجوة بين القوى اليمنية.
من هنا فإن تشكيل المجلس الرئاسي ليس نهاية المطاف في جهود إنقاذ اليمن.. بل هو باب كبير لشق الطريق السليم نحو مستقبل مشرق لليمن واليمنيين.
وبالتالي فإن نجاح هذه الخطوة المهمة لا يكتمل دون اكتمال الإطار الأشمل، الذي يوفر مقومات النجاح، وهو المشاورات اليمنية، التي تجري برعاية سعودية خليجية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة