كشف النزاع الدائر في أوكرانيا أخطاء سياسات الغرب، خاصة ازدواجية المعايير.
لا سيما وأن هذا الغرب دأب على منح نفسه سلطة محاكمة الآخرين وتقييمهم لإعطائهم شهادات نجاح أو فشل في مجالات "حقوق الإنسان والديمقراطية والعدالة".
لكن فجأة، يتحول "المرتزِقة" إلى "متطوعين" في أوكرانيا، بحسب وسائل إعلام غربية رسمية، وحتى تصريحات ومواقف صادرة عن صناع القرار في أوروبا أحياناً، بشرط أن يكون هؤلاء المرتزقة "يقاتلون إلى جانب القوات الأوكرانية" ليحصلوا على اسم مخالف للحقيقة، بل إن تسهيلات لوجستية مُنحت علناً لمن يريد القتال في أوكرانيا من قبل أجهزة الدولة في بعض دول الاتحاد الأوروبي.
بعض الإعلام الغربي فضح نفسه بنفسه، مثلا حين عبّر مراسلون تابعون له على الأرض في أوكرانيا عن رأيهم حول ماهية اللاجئين الأوكران، وعدم القبول بمقارنتهم بـ"اللاجئين العرب أو المسلمين"، هؤلاء القادمين من بلدان مزقتها حروب مدعومة من الغرب نفسه، كالعراق وأفغانستان وسوريا.
الديمقراطية الغربية المزعومة بات قادتها، أو من يطيب للبعض تسميتهم بـ"قادة العالم الحُر"، يمدون أوكرانيا بالسلاح، كسبيل وحيد لحل نزاعها مع روسيا، بعدما حوّل هؤلاء أوكرانيا إلى بلد يستضيف صراعا بالوكالة نيابة عن الناتو.
ودائما ما كان يُبدي البعض في الشرق الأوسط انبهاراً غير مبرر بالغرب، لكنّ عربيا مثلي يقيم في الغرب منذ سنوات يجد زيف هذا الانبهار، كوني أعيش -ومثلي آلاف- تجربة يومية تتناقض كمّاً وكيفاً مع الدعاية التي يُراد تسويقها عن بلدان الغرب باعتبارها قاربت الكمال.
فالقضاء الغربي أحياناً مُسيَّس لدرجة لا حدود لها، إن ارتبطت المسائل بمصالح الغربيين أو حاجاتهم، وأجهزة الأمن السرية في دول أوروبية تتدخل دائماً في كل شاردة وواردة، حتى في حياة اللاجئين ويومياتهم، وتلك قضايا لا يُسلط الإعلام الغربي أو العربي الضوء عليها، رغم تبعات الضرر الذي تتركه في حياة ملايين البشر.
ولنا في إرسال إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل مدة وفداً رفيع المستوى إلى "كراكاس"، عاصمة فنزويلا، خير دليل على ازدواجية المواقف، فالمصلحة الأمريكية ضربت بكل شعاراتها حول الديمقراطية وحقوق الإنسان، التي رفعتها في وجه الرئيس الفنزويلي، عُرض الحائط، فقط حين صارت واشنطن بحاجة إلى نفط هذا البلد الأمريكي الجنوبي بعد توقيع عقوبات دولية على روسيا ونفطها.
وقبل مدة قصيرة فقط، كان الغربيون يحاضرون أمام العالم في غلاسكو الاسكتلندية حول خطر الطاقة الأحفورية على المُناخ العالمي وضرورة عدم الاعتماد على النفط، ولكن حين هبَّت رياح الصراع في أوكرانيا سارع الغربيون أنفسهم إلى مناشدة دول منظمة "أوبك" المصدِّرة للبترول زيادة الإنتاج من أجل خفض الأسعار المرتبطة بهذا المنتج العالمي بالغ الأهمية.
ومن المؤكد أنه حين ينتهي الغرب من تصفية الحسابات مع موسكو، سيشرع بالمصالحة معها، وإقفال صفحة الخلاف الكبير.. عندها ستخسر كثير من الدول الصغيرة، التي انساقت نحو التمترس وراء المعسكر الغربي.
وبناء على كل ما ذُكر، لا يمكن لي إلا الإعجاب بالموقف العربي الجاد والحكيم حيال أزمة أوكرانيا، لا سيما موقف دول الخليج العربي بقيادة السعودية والإمارات، فهذا الموقف أكسب هذه الدول مزيداً من الاحترام المستحق، كونهم اختاروا بوصلتهم لتتجه نحو الدعوة للحوار والسلام ومنع اتساع رقعة النزاع العسكري.
لا أُشيْطن الغرب أو أتهمه بما ليس فيه، ولكنني ذكرتُ للقارئ العربي بعض الحقائق في دقائق، وفي مقابل ذلك نرى هناك في الخليج العربي حكما رشيدا وقيادات متعقّلة لمصالح شعوبها والآخرين، وهناك نظرة مستقبلية بعيدة المدى يحكمها منطق التعايش والسلم والأخوة الإنسانية، تسبر أغوار الفهم العام والشامل لمكتسبات الحاضر والقادم من الأيام، وهذه يحق لنا كعرب الاعتزاز بها، كونها تمثل صمام أمان للعالم أجمع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة