إحصائية لـ«العين الإخبارية».. 136 هجوما انتحاريا باليمن خلال 10 سنوات
إرهاب يزحف على الفراغ والفوضى الأمنية في اليمن، سجل إحصاءات «صعبة» و«لافتة»، سواء فيما يتعلق بعدد الهجمات أو أساليبها أو ضحاياها.
وحلّ اليمن في الأعوام الأخيرة ضمن أكثر 10 بلدان في العالم من حيث الهجمات الإرهابية، إذ وصل عددها خلال 5 سنوات فقط إلى 2093.
136 هجوما انتحاريا
لكن أرقام هذه الهجمات التي أحصتها «العين الإخبارية» من التقارير السنوية لـ«مكتب مكافحة الإرهاب» التابع لوزارة الخارجية الأمريكية للفترة من 2018 وحتى 2022، لم تذكر الهجمات الانتحارية رغم الإشارة المتكررة إلى أنها كانت "الأكثر فتكا بنحو 4.7 مرة من غير الانتحارية" في اليمن.
وفي الـ١٦ من الشهر الجاري استهدف انتحاري بسيارة مفخخة مقرا للواء الثالث دعم وإسناد في القوات الجنوبية، في بلدة "الفريض" في مودية بمحافظة أبين، ما أسفر عن مقتل وإصابة 36 جنديا.
ويُعد هذا الهجوم هو الأول منذ 6 أشهر، وبالتحديد منذ صعود المتطرف سعد العولقي إلى زعامة "القاعدة" في اليمن، خلفا لخالد باطرفي الذي أعلن التنظيم الإرهابي وفاته الغامضة في مارس/آذار 2024.
وخلال فترة سيطرة باطرفي على "القاعدة" سجل اليمن 10 هجمات انتحارية وأُحبط الكثير منها.
ولجأ التنظيم خلال تلك الفترة إلى تنفيذ هجماته عبر تفجير سيارات مفخخة عن بُعد، وكان آخر هجوم شارك فيه انتحاريان في 15 مارس/آذار 2022, واستهدف موكب قائد الحزام الأمني في أبين العميد عبداللطيف السيد.
والهجوم الأخير الذي وقع في أبين هو واحد من بين نحو 136 هجوما انتحاريا ضرب اليمن خلال الفترة من يناير/كانون الثاني 2015 وحتى 16 أغسطس/آب 2024, وفقا لإحصائية خاصة أعدتها "العين الإخبارية" من مصادر إعلامية وتقارير لجهات دولية ومحلية متخصصة بشؤون الإرهاب.
وتشير هذه الإحصائية إلى أن الهجمات الانتحارية ارتفعت خلال عقد تحديدا منذ عام 2015 بشكل قياسي، إذ كانت هناك زيادة تصل لنحو 49 هجوما انتحاريا عن الهجمات التي شهدتها الفترة الممتدة من 1988 وحتى 2014، التي بلغت نحو 87، وفقا لتقارير.
"سلاح الإرهاب المفضل"
خلفت الهجمات الانتحارية في العقد الأخير باليمن نحو 1182 قتيلا وأكثر من 1585 مصابا، وهي حصيلة جمعتها "العين الإخبارية" من خلال الأرقام المعلنة للضحايا بعد وقوع التفجيرات من قبل الجهات المختلفة في البلاد.
لكن الأرقام قد تزيد أو تقل في الإحصائيات الرسمية النهائية غير المعلنة من قبل السلطات.
ويقول مراقبون إن هذه الهجمات التي أطلق شرارتها "القاعدة" في اليمن، وصعّدها "داعش" إلى أعلى مستوى، قبل أن تصبح نمطا معقدا للحوثيين لخدمة أهداف المليشيات السياسية، تركت تأثيرات صادمة على الأرواح والممتلكات.
وعبر الرصد، تبين أن تنظيمي القاعدة وداعش وحتى الحوثيين، اعتمدوا السيارات المفخخة التي يقودها انتحاريون غالبا، ضد أهداف ثابتة محصنة، أو السيارات المفخخة المتوقفة ضد أهداف متحركة.
ويبين التسلسل الزمني للهجمات الانتحارية أن 107 هجمات من أصل 136 جرى تنفيذها بسيارات مفخخة، وقادها انتحاريون، ما يبرز هذه الآلية كسلاح هجومي وتكتيك يعتمده "القاعدة" و"داعش" بشكل كبير.
فيما لجأ الحوثيون إلى السيارات المفخخة المتوقفة والمركونة وتفجيرها عن بُعد، نظرا لامتلاك المليشيات قدرات استخباراتية تُمكنها غالبا من التجسس ومراقبة الأهداف.
وإلى جانب السيارات المفخخة وقع نحو 12 هجوما بأحزمة انتحارية ناسفة، طالت غالبا تجمعات للجنود داخل المعسكرات أو خارجها أو حتى للمواطنين مثل المصلين في المساجد.
كما استخدم داعش والقاعدة، في 17 هجوما، الدراجات النارية وحالها مثل المركبات المفخخة، إما يقودها انتحاري وإما يتم التحكم بتفجيرها عن بُعد، والأمر ذاته ينطبق على العبوات اللاصقة أو المموهة المزروعة بالأرض.
فيما أُدرج هجومان صاروخيان وبطائرات مفخخة للحوثيين ضمن هذه الهجمات الانتحارية لتزامنها مع هجمات أخرى للقاعدة وداعش وقعت في توقيت واحد وضد هدف واحد، مما أظهر أنها كانت منسقة إلى حد كبير، وفقا للبيانات التي حللتها "العين الإخبارية".
دور التحالف
وقعت هذه الهجمات وفقا لتسلسلها، بواقع 31 هجوما عام 2015، فيما شهد عام 2016 أعلى نسبة من الهجمات الانتحارية بمعدل 43، ويعزى ذلك إلى ما يشبه الصفقة بين الحوثيين وتنظيمي القاعدة وداعش في حرف بوصلة الهجمات نحو المناطق التي طردوا منها.
لكن جهود التحالف العربي في مكافحة "الإرهاب" ابتداء من عدن منتصف 2015 وحتى تحرير المكلا في أبريل/نيسان عام 2016, قلّصت نمو هذه التنظيمات، ووجهت لها ضربات موجعة حتى تراجعت في عام 2017 إلى 19 هجوما، وانخفضت في 2018 إلى 11 هجوما و7 في 2019، فيما لم يشهد عام 2020 إلا 3 فقط، منها آخر هجمات "داعش" قبل انهياره.
وظهر "داعش" في اليمن عام 2014, عندما عين التنظيم المركزي أبوأسامة المهاجر محمد السياري، قائدا له في اليمن.
ومنذ 2015 وحتى 2018 تصدر هذا الفرع الإرهابي أكثر الهجمات فتكا ودموية، ابتداء من صنعاء، قبل أن يحرف بوصلته جنوبا خاصة عدن.
ففي واحدة من الهجمات الانتحارية لـ"داعش" عام 2016 سقط قرابة 140 قتيلا وجريحا بهجوم في عدن، ما جعل قوات التحالف العربي تضعه على سلم أولويات جهود مكافحة الإرهاب جنبا إلى جنب مع المعركة ضد القاعدة و"الحوثي".
واستطاعت قوات التحالف في أبريل/نيسان 2018 تحديد رأس الأفعى والعقل المدبر للهجمات بالسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة في المناطق المحررة.
وقدم التحالف معلومات استخباراتية لأمن عدن، ما جعل مدير أمن المحافظة سابقا رئيس جهاز مكافحة الإرهاب باليمن حاليا اللواء شلال شائع يقود العملية بنفسه للقضاء على قائد "داعش" الميداني أو ما يعرف بـ"أمير ولاية عدن أبين" صالح ناصر الباخشي، الملقب بـ"الحديدي"، بعد تحديد مقر إقامته السري.
ولم يمر أقل من عام حتى نفذت قوات خاصة للتحالف العربي بقيادة السعودية ومشاركة قوات يمنية مداهمة أوكار تنظيم "داعش" في القطن بحضرموت والغيضة في المهرة، واعتقلت قائد التنظيم في اليمن أسامة المهاجر، مما أسهم في تراجع هجماته إلى أدنى مستوى.
ومنذ عام 2020 لم يسجل أي هجوم لتنظيم "داعش".
أما تنظيم القاعدة فشكل مقتل قائده قاسم الريمي بضربة أمريكية مطلع عام 2020 واحدة من أهم الضربات الموجعة للتنظيم، فضلا عن مساحات كثيرة فقدها في أبين وشبوة كانت تعد من أهم معاقله.
ومنذ عام 2021 ظهر نشاط مليشيات الحوثي علنا ليس فقط عبر التحالف مع تنظيم القاعدة وتدعيم صفوفه بالسلاح والمعتقلين من قياداته في السجون وإنما في تنفيذ الهجمات الانتحارية، إذ شهد هذا العام نحو 9 هجمات نفذ نصفها الحوثيون بجانب تنظيم القاعدة.
والأمر ذاته كان في عام 2022, الذي شهد 8 هجمات، إذ استغل الحوثيون جهود الهدنة والسلام وترتيب بيت الشرعية للتخلص من عدوهم التاريخي اللواء ثابت جواس قائد قاعدة العند العسكرية بسيارة مفخخة.
فيما تراجعت الهجمات عام 2023 إلى 4، ولم يسجل في أول 8 شهور من 2024 سوى هجوم واحد.
القاعدة تتصدر
إلى ذلك، تصدر تنظيم القاعدة الهجمات الانتحارية من 2015 إلى 2024, إذ نفذ أكثر من 46% من هذه الهجمات، فيما حل "داعش" ثانيا بنسبة تصل لـ32%.
فيما كان الحوثيون مسؤولين عن أكثر من 15% بالإضافة لتنفيذهم هجمات أخرى، ولم تتبين الجهة التي تقف خلف عدد آخر من الهجمات.
ويقف تنظيم "داعش" الذي كان غالبية عناصره منشقين أساسا عن تنظيم القاعدة، خلف 47 هجوما انتحاريا في هذه الفترة، وشارك في جميع الهجمات انتحاريون إما عبر قيادة السيارات المفخخة وإما بالأحزمة الناسفة، باستثناء هجوم واحد بسيارة متوقفة استهدف موكب محافظ عدن اللواء جعفر محمد سعد عام 2015، مما أدى لمقتله مع مرافقيه.
أما تنظيم القاعدة فيقف خلف 63 هجوما انتحاريا، منها نحو 32 نفذها عناصر التنظيم بسيارات مفخخة قادها انتحاريون وأتبعها هجمات مسلحة. فيما نفذ الهجمات الأخرى الأخرى بسيارات مفخخة متوقفة أو دراجات نارية مفخخة، أو أحزمة ناسفة أو عبوات دقيقة التوجيه.
بينما شنّ الحوثي أكثر من 20 هجوما، نصفها بسيارات مفخخة متوقفة أو درجات نارية مفخخة. ونُسب إلى المليشيات اغتيال قائد قاعدة العند العسكرية اللواء ثابت جواس في مارس/آذار 2022.
كما نفذ الحوثيون هجمات أخرى منسقة غالبيتها مع تنظيم القاعدة، وهجوما واحدا نفذه بشكل منسق مع تنظيم "داعش"، وهجمات مشتركة أخرى عبر شخصيات مختلطة الولاء، منها عبر أذرع مقربة من الإخوان كما حدث عام 2021، عندما أدار الحوثيون ٣ هجمات بسيارات مفخخة نفذها عناصر القاعدة والإخوان، منهم ضباط مقربون من القيادي الإخواني أمجد خالد، وفقا لأمن عدن والقضاء اليمني.