في الأخير، تجديداً للفكرة، فإن الأفكار الكبيرة والمنتظرة عبر مراحل الزمن، تنتظر من الكبار أن يتقدموا خطوة للأمام.
على اليمن الإفادة القصوى من التجارب السابقة غير المنفصلة عما يحدث الآن، وفي المستقبل، وخطأ كبير تجاوز أخطاء التاريخ أو نسيانها، فلا يوصل إلى الوعي إلا وعي الأخطاء قبل الإيجابيات.
في الأخير، تجديداً للفكرة، فإن الأفكار الكبيرة والمنتظرة عبر مراحل الزمن، تنتظر من الكبار الذين عرفوا الزمن وتحولاته أن يتقدموا خطوة للأمام أو خطوات نحو وقت ملاءمة الشرط، وضمن المسار السياسي أولاً وثانياً وعاشراً.
لا تفسر الأحداث بمعزل عن سياقاتها التاريخية والواقعية، فهي بالضرورة متصلة بما سبق بقدر تأثيرها في ما يلحق، وكل استنتاج خارج سياقاته ومقتضيات صيرورته، فإنما يدخل في دائرة التعسف والقسرية والافتعال، ومن هنا، فإن الأحداث المقلقة التي يشهدها جنوب اليمن هي أولاً تراكمات لسنوات طويلة من الإهمال والتهميش، وغني عن البيان أن الوحدة التي كان أمل اليمنيين فيها كبيراً، وكانت تمثل مطلباً أساسياً في وجدانهم وخطابهم لسنوات عديدة، فشلت فشلاً ذريعاً في الممارسة والتطبيق، وجاءت بمثابة صدمة أخرى للجنوبيين الذين عانوا قسوة الدولة الماركسية ليعانوا مجدداً من اعتبارهم شريكاً صغيراً في الوطن الواحد.
الوحدة ليست شعاراً براقاً فقط؛ إنها حياة جديدة وواقع جديد، وفيما تطلع الشعب اليمني إلى الوحدة كطريق لقاء وتنمية وأداة خلاص، انتظرتهم نقيض ذلك طرق تتربص بها المتاهات من كل صوب.
على اليمن الإفادة القصوى من التجارب السابقة غير المنفصلة عما يحدث الآن، وفي المستقبل، وخطأ كبير تجاوز أخطاء التاريخ أو نسيانها، فلا يوصل إلى الوعي إلا وعي الأخطاء قبل الإيجابيات.
والوحدة التي بدأت بمشروع سياسي قاده الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، والرئيس السابق علي سالم البيض، انتهت بعد حرب 1994 لتترتب عليها وحدة مفروضة بالسلاح، ولا يخفى على أحد أنه وبعيداً عن الإطار الأيديولوجي لمشروع الوحدة، فإن المشروع عجز في الواقع عن بناء أنموذج ناجح أو جاذب يجتمع حوله الشمال والجنوب.
وبعد الانقلاب الحوثي على الدولة اليمنية، وفي ظل الفوضى العارمة التي اجتاحت المفاهيم والمؤسسات والثوابت، أصبح الشرخ بين ما يريده الجنوبيون لمستقبلهم، وما يجدونه في مشروع الوحدة عميقاً، ومن الصعب تجسيره.
وبينما لم يكن موضوع الجنوب في بداية الأزمة إثر انقلاب الحوثي ذا أولوية أمام المجتمع الدولي، بدليل أنه لم يكن من الموضوعات الرئيسية المطروحة في اجتماعات الكويت الماراثونية، إلا أنه أصبح الآن إحدى الأولويات الأساسية في معالجة تداعيات الأزمة اليمنية منذ الانقلاب الحوثي.
لا يسعنا هنا إلا أن نثمن دور أبناء الجنوب وتضحياتهم في تحرير الأرض ودحر العدوان الحوثي، والتصدي للتطرف وللإرهاب الذي عاث فساداً في العديد من المحافظات، لكن تبقى النصيحة الخالصة للجنوبيين أن مطالبهم ومظلومياتهم المتراكمة، لا يمكن أن يتم التعامل معها من خلال العنف وتقويض الدولة الشرعية في اليمن.
وليس إلا حديث العارف بالجنوبيين ومنظومة قيمهم منذ رفعوا راية "لا إله إلا الله" بأخلاقهم وحسن تعاملهم، ناشرين رسالة السماء في أقاصي الأرض، حتى أشرقت الأرض بنور ربها في تلك البقاع البعيدة.
كما أنه لا وحدة بالقوة، فلا تحقيق لنقيضها الموضوعي بالقوة، ولا يعول في هذه الحالة إلا على إرادة أهل الجنوب التي يفترض الآن، وبعد كل هده التجربة، أن تتجه سياسياً، وأن تتجه صوب جهة الحكمة والمنطق والعقل.
يقال ذلك مطلقاً، ويقال خصوصاً في ظل الخطر الأكبر المتمثل في استمرار العدوان الحوثي، ومن هذا المنطلق، فإن الهجوم الجبان على معسكر الجلاء لا يكون الرد عليه من خلال الزحف على قصر المعاشيق، فالجنوب وبعد تاريخ أليم لا بد من أن تتم معالجة مطالبه سياسياً، وضمن الحوار اليمني، وإن تضمن ذلك حقه في تقرير المصير، حيث الانتقال من وضع إلى وضع لا يمكن أن يكون بالفوضى العارمة التي يشهدها اليمن، وسبيله هو الانخراط في الحوار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة حتى مع بطء هذا المسار وصعوبته.
التزام الهدوء والحكمة اليوم مطلب ملح، والقضايا العادلة لا يمكن إدراكها وقطف ثمار الاشتغال عليها إلا عبر الوسائل القانونية والسلمية التي تضمن أمام المجتمع الدولي، أنه أمام إرادة جنوبية جامعة، وضمن المسار السياسي للأزمة اليمنية ككل.
وعلى الرغم من اختلاف الأطروحات وتناقضها على الساحة اليمنية، فإن الفيصل يجب أن يكون شرعياً وسياسياً وتحت مظلة المجتمع الدولي، وليس من خلال قرارات الأمر الواقع.
وكلنا يعرف عبر تجربة اليمن مع "الوحدة" النتائج الوخيمة لفرض كل أمر واقع، بدءاً من فرض الوحدة بالقوة، إلى انقلاب الحوثي واستيلائه على الحكم بالقوة، وفي الحالتين وفيما بينهما كثير كان المواطن في الشمال والجنوب المتضرر الأكبر.
ندرك تماماً مطالب أهل الجنوب وتجربتهم المريرة، وندرك مدى صبرهم وإصرارهم، ويبقى أن العنف والاقتتال لا يمثلان السبيل لمعالجة هذه التراكمات، وما نيل المطالب بالتمني، لكن للغايات النبيلة وسائلها النبيلة.
وإذا كانت الأوضاع اليمنية نتيجة التوزيع الجديد لمراكز القوى على الأرض هيأت وتهيئ اليمن للعودة إلى المسار السياسي، فإن حق تقرير المصير بين "المعاشيق" وما يلوح في الأفق، مطلب يطرح ضمن المسار السياسي، ويتحقق عندما تتحقق شروطه في النسق الكامل.
في الأخير، تجديداً للفكرة، فإن الأفكار الكبيرة والمنتظرة عبر مراحل الزمن، تنتظر من الكبار الذين عرفوا الزمن وتحولاته أن يتقدموا خطوة للأمام أو خطوات نحو وقت ملاءمة الشرط، وضمن المسار السياسي أولاً وثانياً وعاشراً.
إن مقاومة العدوان الحوثي لا تكون بما يُسعده ويحقق أغراضه. الطريق واضح، ومستقبل الأمل، مع التزام الحكمة، والحكمة يمانية، أقرب من حبل الوريد.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة