بؤس النزوح باليمن.. طلاب في العراء وفيضانات تجتث المخيمات
منذ أعدم الحوثيون زوجها 2019، فرت "فاكهة الدودحي" مع أطفالها إلى مبنى من أعمدة خرسانية في الضالع، جنوبي اليمن، لتفاقم الأمطار مؤخرا مأساة نزوحها.
وتركت الأمطار والسيول تداعيات كارثية لآلاف الأسر اليمنية التي فرت من بطش مليشيات الحوثي الإرهابية، إلى مناطق آمنة بعيدا عن خطوط النار، لا سيما تلك التي تقطن المخيمات أو المباني المكشوفة التي تفتقر للجدران والتي تعرضت لأضرار كبيرة.
وتصف "الدودحي" وهي أم لـ9 أطفال لـ"العين الإخبارية"، قائلة: "أصبحنا بلا مواد غذائية ولا مواد إيواء، حيث دمرت الأمطار الغزيرة والرياح الشديدة كل شيء.. ينتابني الخوف كثيرا على أطفالي عندما نظل عرضة للعواصف".
وتستوطن "فاكهة" وأطفالها إلى جانب أكثر من 400 عائلة في "المدينة السكنية"، وهو موقع نزوح يتألف من مباني هيكلية، يستخدم فيه النازحون الغطاء البلاستيكي وقطع الكرتون والأحجار والخشب كحائط لصد الأمطار ويقع في بلدة "سناح" في مديرية "قعطبة" شمالي محافظة الضالع.
ومن حسن حظ السيدة أن وجدت مأوى لأطفالها في موقع النزوح هذا والذي رغم تردي العيش فيها، كما تقول، إلا إنه ليس أسوأ حالا من تلك الأسر التي اجتثت السيول مخيماتها من جذورها كما حدث لنحو 513 عائلة في المحافظة ونحو 20 ألف عائلة في مأرب وأبين.
وتستذكر النازحة اليمنية اليوم الأسود الذي أعدم فيها الحوثيون زوجها على خلفية الانتفاضة الشهيرة التي قادتها الفتاة "أصيلة الدودحي" 2019 رفضا لجبروت المليشيات، حينها دفعت الثمن مع عمها فيما فرت الأم للنجاة بأطفالها بعيدا عن بطش الانقلابين.
ضحايا أطفال وغياب التدخلات
ما يؤرق حياة الأسر في موقع النزوح في بلدة "سناح" هو حالات سقوط الأطفال المتكرر من طوابق المباني الذي تفتقر لحاميات الجدران ما أدى إلى وفاة الكثيرين كان آخرها قبل 20 يوما، بحسب مندوب للوحدة التنفيذية للنازحين في الضالع.
وعن تداعيات الفيضانات يقول المندوب الميداني في الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في الضالع بسام الجيلاني لـ"العين الإخبارية"، إن "الوضع سيئ للغاية وبشكل لا يمكن تصوره، منذ بدء المنخفض الجوي الشهر الماضي لم تصل أي مساعدات أو مواد غذائية لهذه الأسر".
كما لم نسجل كمتطوعين ميدانيين أي تدخل من قبل وكالات العون في مواقع النزوح كافة على مستوى محافظة الضالع والتي أصبح فيها العيش صعب جدا.
ويدلل الناشط المجتمعي بالأضرار التي لحقت بـ"مخيم العسقة"، وهو واحد من عشرات المخيمات، هناك "اجتثت السيول نحو 25 خيمة كانت تسكنها الأسر، فيما دمرت العشرات جزئيا واتلفت الأمطار المواد الغذائية".
أما في موقع "المدينة السكنية" في "سناح" الذي نتطوع في الإشراف عليه، تضررت نحو 400 أسرة نازحة من بلدات تقع في خطوط النار الملتهبة كـ"الفاخر" و"مرزخة" و"صبيرة" و"العود" وتعيش بلاء مواد غذائية ولا ماء وفي مباني مكشوفة للأمطار والعواصف.
وانتقد الناشط المجتمعي مشاريع بعض المنظمات الدولية والمحلية والتي تتدخل في الجانب التوعوي في وقت تفتقر الأسر للغذاء والمأوى فضلا عن ضياع جيل بأكمله بعيدا عن التعليم والتي كان يفترض كون من أولوياتها.
تعليم في العراء
في موقع النزوح في بلدة "سناح"، تطوعت 3 فتيات لتعليم الأطفال النازحين الذين يفترشون الأرض في العراء إلى جوار مباني موقع النزوح وذلك لتعلّم القراءة والكتابة.
وبلغ عدد الطلاب الملتحقين في تجمعات مختلطة متلاصقة في هذا الموقع وحده، نحو 575 طالبا وطالبة بينهم 230 من الإناث وجميعهم يفتقرون للمستلزمات الدراسية فيما يحمل آخرين كتبهم بأكياس بلاستيكية.
وعلى بعد أمتار من موقع تجمع الأطفال، يقع حوض كبير للصرف الصحي تفوح منه روائح سئية وتسبب اختلاطه بمياه الأمطار الأمراض والاوبئة لعديد النازحين.
وتقول إحدى المتطوعات في تعليم الإطفال لـ"العين الإخبارية"، إنه ليس أمامهم من خيار إلا تعليم الأطفال في العراء في هذه الباحة القريبة من مياه الصرف الصحي المختلطة بمياه الأمطار إذ لا فصول دراسية ولا مستلزمات.
وأضافت: "صحيح جلبت الفيضانات بعض الشقاء إلينا، لكن الحرب الحوثية التي نسمع دوي مدافعها كل ليلة هي السبب خلف هذا المأساة وبقاء هؤلاء الأطفال بلا تعليم".
وفي مواقع النزوح في مأرب والضالع وأبين، تحتاج الوحدة المعنية إدارة مخيمات النازحين تشيد 150 فصلا دراسيا من كونتيرات وخيام مع المستلزمات التعليمية، وأكثر من ألفي مقعدا دراسيا للطلاب من أجل عدم تفويت العام الدراسي الجاري.
وضع مزر بمخيمات مأرب
ما يعيشه النازحون من مليشيات الحوثي في الضالع لا يختلف كثيرا عن أحول المشردين في مخيمات النازحين في مأرب والتي تضرر فيها من الفيضانات عدد 18 ألفا و729 أسرة إلى جانب 1300 أسرة نازحة بمحافظة أبين.
وتصف الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين بمحافظة مأرب تداعيات الفيضانات بأنه "مزر للغاية إثر المنخفض الجوي الذي جعل من الوضع كارثة حقيقية" في نحو 197 مخيما وموقعا للنازحين.
ووجهت الوكالة الحكومية نداءات إنسانية بشكل متكرر لطلب مساعدة النازحين المنكوبين البالغ عددهم أكثر من 18 الفا و729 أسرة منها 5974 أسرة تضررا كليا"، فيما لقي نحو 11 مصرعهم بالسيول والصواعق الرعية خلال شهري يوليو وأغسطس الماضيين.
ومن بين نحو 3 ملايين نازح في مناطق الحكومة اليمنية، تحتضن مأرب نحو مليوني نازح في عديد المخيمات أكبرها مخيم الجفينة الذي يستضيف 11000 أسرة والذي تضرر كليا، بحسب تقرير للأمم المتحدة.
ودعت الحكومة اليمنية الوكالات الأممية والمنظمات الدولية العاملة في الجانب الإنساني إلى مساندة جهودها في التخفيف من آثار الفيضانات إلى جانب الكارثة الإنسانية التي تعيشها البلد إثر حرب الانقلاب الحوثي.
من المتوقع أن يصل معدل هطول الأمطار التراكمي في محافظات وسط اليمن خلال الـ5 أيام المقبلة إلى 100 ملم، مما قد يعرض حوالي 8100 شخص للخطر مع احتمالات بحدوث مزيد العواصف فوق مناطق سبق وغمرتها الفيضانات حتى منتصف الشهر الجاري.
واليوم الأربعاء، لقي شخصين مصرعهم وهم أب وابنه في صاعقة رعدية في بلدة "المجازه" في الروضة بمحافظة شبوة حيث شهدت نحو 7 أمطار متفاوتة الغزارة.
وكان مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة باليمن أعلن الأربعاء الماضي، إن أعداد الأسر المتضررة من الفيضانات والأمطار الغزيرة ارتفعت إلى 51,000 أسرة في 16 محافظة، وغالبيتهم من النازحين والمشردين داخليا من مليشيات الحوثي المدعومة إيرانيا.
aXA6IDE4LjExOS4yNDguMjE0IA==
جزيرة ام اند امز