رحلة طويلة قطعها اليمن على خرائط العالم من جنوبه إلى شماله لإنجاز اتفاق برعاية أممية ودعم من التحالف العربي حتى انبثق هذا الاتفاق
أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً بالإجماع بخصوص اليمن تأييداً ودعماً لاتفاق ستوكهولم الذي تمخض عن حوار الدولة اليمنية مع مليشيا الحوثي في السويد، القرار 2451 الصادر يوم الجمعة الماضي يؤكد المرجعيات الثلاث والقرار الأممي 2216، ويسعى لضمان تنفيذ اتفاق ستوكهولم.
في القرار الأممي الجديد حديث صريح عن منع زراعة الألغام ومنع تجنيد الأطفال وحرية حركة المواطنين، وهذه ثلاث لا يفعلها في اليمن سوى مليشيا الحوثي، والأهم في القرار الأممي أنه يسعى لنشر مراقبين لرصد الخروقات مع تقارير أسبوعية ومقترحات للأمين العام نهاية الشهر الجاري، وهو بهذه التفاصيل يزيد من التضييق على الحوثي ويضيق هامش المناورة الذي كان يتلاعب به في السابق.
هناك تحركات مريبة تتم شرق اليمن بينما العالم كله منشغل بغربه وبالحديدة وموانئ اليمن المطلة على البحر الأحمر، وهي نشاطات في غالبها مضادة للدولة اليمنية والتحالف العربي، وهي تسعى لإيجاد بؤر للتوتر يراد لها الاستمرار طويلاً في مستقبل اليمن
رحلة طويلة قطعها اليمن، دولةً وشعباً، على خرائط العالم من جنوبه إلى شماله لإنجاز اتفاق برعاية الأمم المتحدة ودعم من التحالف العربي حتى انبثق هذا الاتفاق المعني أساساً بمسألتين أساسيتين لبناء الثقة واختبار قدرة مليشيا الحوثي على الالتزام بأي اتفاق، الأولى تبادل الأسرى. والثانية الخروج من الحديدة.
اللافت أن الاتفاق محدد بمدد زمنية منصوص عليها فيه، مما يجعل مساحة المناورة بالنسبة إلى الحوثي ضيقة، وأن الحوثي الذي ملأ اليمن بالملازم والإيديولوجيا والنظام الإيراني وقطر خنع وسلّم وقرر الانسحاب وبدأ يتحدث عن وطن وشعب، في لغة لم يكن يعرفها ولا يعترف بها حين قام بانقلابه المشؤوم قبل سنوات معدودة، وحين سام الشعب اليمني سوء العذاب بعنجهية وطغيان.
ما قبل اتفاق ستوكهولم، ووصولاً إليه، كانت الانتصارات العسكرية للجيش اليمني ومقاومته والتحالف العربي تسجل نجاحات كبرى على الجبهات كافة، وتحديداً في الساحل الغربي ومدينة الحديدة ومينائها ومينائي الصليف ورأس عيسى، وأيقن الحوثي بالخسارة وتم قطع تمويله ومنع تسليحه وخنق قواته المنهارة، وأصبح الوقت ضده على طول الخط، فقرر الاستسلام وإن بشكل اتفاق برعاية الأمم المتحدة، ليستمر بتضليل أتباعه بأنه قادر على الاستمرار أكثر.
ما بعد اتفاق ستوكهولم، هناك أسئلة كبرى عن مدى قدرة الحوثي على الالتزام بالاتفاق الذي وقعه بعدما حضر التوقيع الأمين العام للأمم المتحدة وبعدما قدم المبعوث الأممي لليمن مارتن غريفيث تقريره عن الاتفاق لمجلس الأمن، وبعد صدور قرار مجلس الأمن 2451، وبعد الترحيب العريض الذي حظي به الاتفاق والقرار الأممي على المستوى الدولي وفي مقدمته الدولة اليمنية ودولتا التحالف العربي السعودية والإمارات، وكثير من دول العالم، هل ستفي المليشيا التابعة لإيران بالتزامها هذه المرة أم أنها ستنكث العهود كما تعودت؟
المتحدث باسم التحالف العربي ذكر بالأرقام عشرات الخروقات التي قامت بها مليشيا الحوثي بعد اتفاق ستوكهولم، وهي شنشنة نعرفها من أخزم، كما كانت تقول العرب، وهي طبيعة راسخة لدى هذه المليشيات الانقلابية، فهي مجرد مليشيا منظمة استطاعت السيطرة على عاصمة الدولة ضمن ظروف معينة سابقاً وعاثت فساداً وقتلاً وتدميراً وإرهاباً في المناطق التي تسيطر عليها داخل اليمن.
ترحيب التحالف العربي باتفاق ستوكهولم والقرار الأممي الجديد هو ترحيب حذر، وهذا أمر طبيعي نظراً إلى معرفة التحالف الوثيقة والعميقة بهذه المليشيا وفكرها وسياساتها وتكتيكاتها وتحالفاتها المعادية، وذلك أن المؤمن لا يُلدَغ من جحرٍ مرتين، وأن سوء الظن من حسن الفطن، وأن الجبهات الأخرى لن تتوقف، ومحاصرة الحوثي ستستمر، مع سياسة العصا والجزرة؛ الترحيب بأي خطوة باتجاه السلام والعقاب الشديد لأي إخلال بالاتفاق.
في المنظور الاستراتيجي الذي يصنع الحلول الكبرى لتجاوز المشكلات الصغرى، أعلنت السعودية الجديدة بمبادرة من خادم الحرمين الشريفين عن كيان البحر الأحمر وخليج عدن، لتعزيز الأمن والاستقرار والتنمية في المنطقة، وفيه كل الدول العربية المحيطة بالبحر الأحمر من الجهتين الشرقية حيث السعودية واليمن والأردن، والغربية حيث مصر والسودان وإثيوبيا وجيبوتي والصومال، وهناك فرص حقيقية لتنمية البحر الأحمر ومشاريع ضخمة تقودها السعودية على كامل البحر الأحمر من شماله إلى جنوبه، وهي تحتاج إلى شركاء في التنمية والتطلع إلى المستقبل وفق رؤية ولي العهد السعودي للشرق الأوسط كي يصبح «أوروبا الجديدة».
الأمر المؤكد أن هذه المليشيا الإيرانية لا تعرف إلا لغة القوة، لغة السلاح القادر على كسر الإيديولوجيا، والقوات المسلحة القادرة على هزيمة «المَلازم» والخسائر الكبرى على كل الجبهات التي تحطم المعنويات وتقضي على الخرافات، ولولا القوة لما خضع الحوثي ولما وقع على أي اتفاق، هذه حقيقة كبرى يجب أن تكون حاضرة في أي قراءة للحدث.
في الصورة الكبرى ثمة أمران رئيسان، الأول أن مشروع «أوروبا الجديدة» في الشرق الأوسط الذي أعلنه ولي العهد السعودي هو مشروع للتنمية والبناء واستشراف المستقبل وصناعته، وهو مشروع لا يمكن أن يقوم إلا بحلول السلام ونشر الاستقرار في المنطقة. والثاني أن مشروع إيران هو التخريب والتدمير ودعم «استقرار الفوضى» في كل دول المنطقة. الأول مشروع للمستقبل ومتسق مع القوانين الدولية، بينما الثاني مشروع للماضي ومعاكس للقوانين الدولية وداعم للإرهاب، ومليشيا الحوثي منخرطة بكليتها في المشروع الثاني.
هناك خطر كبير يجب الانتباه إليه في اليمن، وهي جماعة «الإخوان المسلمين» سواء المحلية منها أو الدولية، فهي تسعى بكل طاقتها لأن يكون لها وجود قوي في اليمن خاصة في مناطق النفط شرق اليمن، وفي هذا تم تناقل تصريح لمندوب فرنسا لدى الأمم المتحدة فرنسوا ديلاتير، بعد صدور قرار مجلس الأمن قال فيه «إن فرنسا تخشى أن تستغل جماعات إرهابية يمنية ترتبط بـ(الإخوان المسلمين) التوصل لاتفاق السلام في الحديدة غرب اليمن للسيطرة على منابع النفط في حضرموت وشبوة شرق اليمن».
المؤكد أن هناك تحركات مريبة تتم شرق اليمن بينما العالم كله منشغل بغربه والحديدة وموانئ اليمن المطلة على البحر الأحمر، وهي نشاطات في غالبها مضادة للدولة اليمنية والتحالف العربي، وهي تسعى لإيجاد بؤر للتوتر يراد لها الاستمرار طويلاً في مستقبل اليمن.
أخيراً، فمستقبل اليمن يجب أن يعود للدولة اليمنية والشعب اليمني، وفي سبيل ذلك يمكن التغاضي عن بعض الحلول المرحلية التي تدفع بهذا الاتجاه حتى تستقر الأمور ويعود اليمن لدولته وشعبه.
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة