من خلال الخبرة التاريخية في التعامل السياسي مع الحوثيين، لا توجد هناك حلول وسط، هذه هي القاعدة الأساسية التي ينبغي أن يدركها الجميع.
كثيرون باتوا مقتنعين بأن المبعوث الدولي إلى اليمن، مارتن جريفيث، اكتشف أن "الحوثيين" لا يحترمون تعهداتهم ولا الاتفاقيات التي يوقعونها مع خصومهم السياسيين، وذلك عندما أثنى على وفد الحكومة اليمنية لحضوره إلى جنيف، في حين أن الحوثيين اعتذروا عن المجيء لمبررات غير منطقية.
المسألة ليست الطائرة التي تنقلهم إلى جنيف، ولا إسعاف المصابين ولا حتى ضمان عودتهم إلى اليمن كما يدّعون، وإنما فن المراوغة وإفشال كل الجهود الدولية، ولأن حجتهم في الدفاع عن موقفهم ليست مقنعة، وبالتالي سيتم كشفهم أمام الرأي العام العالمي
ومع أن رفضهم الحضور إلى جنيف وتنصلهم من الالتزامات الدولية، ليست الأولى، فهي الفرصة الثالثة لهم بعد جنيف الأولى والكويت، فيبدو أنهم قد اعتادوا على ذلك وفق سياسة كسب الوقت؛ لأنهم ليس لديهم ما يخسرونه، ولأنهم أيضاً ليسوا أصحاب قضية حقيقية، وإنما هم ذراع سياسية لأهداف أخرى في المنطقة، الأمر الذي يفترض على المبعوث الدولي أن يكون له موقف واضح وصارم.
من خلال الخبرة التاريخية في التعامل السياسي مع الحوثيين، لا توجد هناك حلول وسط، هذه هي القاعدة الأساسية التي ينبغي أن يدركها الجميع، وهي في الواقع ناتجة من منهج سياسي تطبقه إيران منذ أكثر من أربعين عاما مع المجتمع الدولي، وهو ما يؤكد لمن لديه شك بأن تصرفات الحوثيين ومماطلتهم منبعهما نظام الملالي في طهران الذي يجيد هذه اللعبة. فكل تعاملاتهم-الحوثيين- السابقة سواء مع حليفهم السابق الراحل علي عبدالله صالح، أو رئيس اليمن الحالي عبدربه منصور، وحتى الاتفاقيات مع المبعوث الأممي السابق قائمة على المراوغة والخداع والخيانة أيضاً، اغتالوا علي صالح ووضعوا عبدربه في الإقامة الجبرية.
في الموقف الأخير، المسألة ليست الطائرة التي تنقلهم إلى جنيف، ولا إسعاف المصابين ولا حتى ضمان عودتهم إلى اليمن كما يدّعون، وإنما فن المراوغة وإفشال كل الجهود الدولية، ولأن حجتهم في الدفاع عن موقفهم ليست مقنعة، وبالتالي سيتم كشفهم أمام الرأي العام العالمي، بأن المسألة لا علاقة لها بالإنسانية ولا بالحقوق السياسية، بل إن الأمر محاولة كسب الوقت في معركة تحرير ميناء الحديدة من الحوثيين، والذي يتلقون من خلاله المساعدات الإيرانية، ويسعون عبر هذه التسويفات إلى تخفيف الضغط الدولي على نظام الملالي في طهران، باعتبار اليمن إحدى الأوراق السياسية التي تلعب بها.
بنظرة أوسع، هناك أفق سياسي دولي وإقليمي يتعدى التفاوض مع الحوثيين، الورقة الإيرانية الجديدة في المنطقة من أجل أن تكون شوكة في الخاصرة الخليجية، ويتعدى ذلك الأفق حدود الدولة اليمنية التي تعاني من فوضى سياسية وأمنية بفعل تجاوزات الحوثيين منذ العام 2015. هذا الأفق يصب في مواجهة المشروع الإيراني في المنطقة بأكملها، وبدأت ملامحها تظهر في كل من العراق حالياً وكذلك في سوريا ولبنان وحتى في الداخل الإيراني، لهذا فهم يتلقون تعليمات مباشرة من طهران؛ لأنهم يدركون أن نهاية وجود نظام الملالي في اليمن ستتلوه نهايات أخرى في دول عربية باتت تواجه التدخل الإيراني من خلال شعوبها، وعلى هذا فإن محاربة الحوثيين هي واحدة من المعارك السياسية في المنطقة ضد التمدد الإيراني عربياً وضد تهديد الملاحة الدولية.
وإذا كان هناك تفهم من قبل دول التحالف لمساعي المبعوث الدولي إلى اليمن مارتن جريفيث الإنسانية، خاصة في مدينة الحديدة، فإن ألاعيب الحوثيين، ومن ورائهم النظام الإيراني، لم تعد تنطلي على دول التحالف العربي ولا المجتمع الدولي، وموقفهم من مفاوضات جنيف كانت متوقعة ومعروفة مسبقا، ولكن المفترض الآن أن يدرك العالم أن ما تفعله هذه المليشيات دليل على أنها لا تفهم غير لغة القوة، وأن مسألة التفاوض السياسي أو مسائل إنسانية أخرى، ليست هي الهدف الأساسي بالنسبة لها.
لا يمكن القبول بأن يبقى الشعب رهينة لعبثهم، ولابد لممثل الأمم المتحدة من البحث عن نهاية لسياسة "إضاعة الفرص" التي يتبعها الحوثيون بإيعاز من طهران التي تتحكم بقرارات هذه المليشيا، وكأنها تستمتع بما يحدث للشعب اليمني من مآسٍ، ولأنه يدرك أن أي حل للملف السياسي اليمني هو مجازفة جديدة لمستقبل النظام السياسي الإيراني في الداخل والخارج.
فرصة أخرى جديدة تضيع، وتنعدم معها رؤية مستقبل نهاية هذا العبث، فالمحاولات التي بذلها الممثل الدولي لإقناع الطرفين للجلوس مع بعض احتاجت إلى جهد ومساع كبيرة منه ومن الدول التي لا علاقة لها بالملف اليمني، ومع ضياع الفرض فإن مأساة الشعب اليمني تزداد صعوبة؛ لذا على المجتمع الدولي ألا يسمح باستمرار هذه المأساة بفعل جماعة خارجة على الشرعية في بلادها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة