الحُديدة وسلام اليمن.. "عروس" البحر الأحمر المنسية
لم تعد الحديدة تلك المحافظة الحالمة الرابضة غربي اليمن، وإنما شوهت مليشيا الحوثي ملامحها فحولتها لساحة معركة منسية يتخللها سلام وهمي.
تلقب بـ"عروس" البحر الأحمر لجمال معالمها السياحية وشريطها الساحلي، وتبعد عن صنعاء نحو 230 كلم نحو الجنوب الغربي، لكن بريقها خفت فتحولت إلى محافظة منسية على أعتاب الحرب والهدنة، في ثنائية تناور بها المليشيا لشرعنة سيطرتها.
وبالأشهر الأخيرة من العام الماضي، دخلت المحافظة المشمولة بـ"اتفاق ستوكهولم" المبرم في 18 ديسمبر/كانون الأول 2018 بين مليشيا الحوثي والحكومة الشرعية، جولة حرب أكثر عنفا، ومع ذلك ظل رحى المعارك خارج الاهتمام الدولي.
ويُعزى ذلك، إلى تهدئة هشة حولها الحوثيون إلى سلام وهمي بفرض قيود مشددة على بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة، ومراوغة في إعادة الانتشار وشن "حرب لم تتوقف" عبر هجمات برية ومدفعية خلفت آلاف الضحايا، وفق سكان محليين لـ"العين الإخبارية".
كما أجبروا وفد الحكومة المعترف بها على تعليق عمله حتى اللحظة مع بعثة الأمم المتحدة والحوثيين، إثر قتل المليشيا عمدا ضابط ارتباط حكومي لدى عمله في نقطة رقابة أممية في أبريل/نيسان الماضي.
وبعد مطالبات حكومية للبعثة الأممية بالتحقيق المحايد بالحادثة، خرجت الأمم المتحدة للمرة الأولى مؤخرا للكشف عن عدم "التحقيق الكافي"، مؤكدة أنها "لم تتمكن من الوصول لمكان الجريمة منذ ارتكابها".
واعترفت الأمم المتحدة على لسان نائبة رئيس بعثتها لدعم اتفاق الحديدة، دانييلا كروسلاك، في تصريحات إعلامية شاركتها البعثة عبر موقع تويتر، بأنه "لم يتم تنفيذ إعادة الانتشار كما هو متفق عليه".
واعتبرت المسؤولة الأممية أن "اتفاق الحديدة" يأتي ضمن "حزورة" (أحجية) العثور على السلام في اليمن، مشددة على أنه "لا يمكن إبعاد الحل في الحديدة عن الحل الشامل" محليا وإقليميا ودوليا، في إشارة ضمنية لفشل تنفيذ الاتفاق على الأرض.
الحديدة ومعركة مأرب
مع حلول العام الجاري، كثفت مليشيا الحوثي اجتماعاتها بالبعثة الأممية التي تتخذ مقرا لها في مناطق الانقلابيين، وذلك بهدف شرعنة سيطرتها على الحديدة والتفرغ لاجتياح مأرب في ضوء مخاوف حوثية من حسم عسكري لتحرير "عروس" اليمن على البحر الأحمر.
وكشف مصدر حكومي لـ"العين الإخبارية" أن المليشيا بدأت باليومين الماضين مناورة جديدة تزعم مناقشة إنشاء "منطقة محايدة"، وهو مقترح طرحه وفد الشرعية قبل أكثر من عام يقضي باتخاذ "مطار الحديدة الدولي" مقرا مشتركا للبعثة وللجنة إعادة الانتشار.
وأوضح المصدر أن المليشيا رفضت بشدة المقترح الحكومي حينها لكنها تحاول حاليا إحياءه إثر تعنتها، وذلك للمراوغة والحصول على حصانة لسيطرتها على الحديدة وكسب الوقت لحشد المقاتلين صوب مأرب لاجتياحها.
وليست هذه المرة الأولى، فقد سبق أن خاضت المليشيا، منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، نقاشات أحادية بزعم إقامة "منطقة منزوعة السلاح" بمحيط مدينة الحديدة، في مسعى لتأجيل حرب منسية تدخل عامها الثالث، وضمان أبدي لسيطرتها على المدينة والموانئ وذلك قبيل أسابيع فقط من هجوم واسع النطاق لاجتياح مأرب في فبراير/شباط الماضي.
وتشترك الحديدة ومأرب بأهميتهما الاستراتيجية في خارطة معادلة أزمة اليمن، إذ تعد الأولى شريان الحوثي العسكري وساحة تهديدات إيران للمصالح الدولية بالبحر الأحمر، أما الثانية فهي غنية بالغاز والنفط وتعتبر آخر معاقل الحكومة الشرعية شمالا.
ومع مضي المليشيا الانقلابية -بدعم إيراني- نحو اجتياح مأرب وتحدي إرادة المجتمع الدولي، يرى خبراء أن تفعيل الحسم العسكري بات ضروريا وخيارا مرا في محافظة الحديدة لإنقاذ عملية السلام باليمن.
الحديدة المفقودة
خلال بضعة أشهر، وصلت القوات المشتركة بدعم من التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، إلى قلب مدينة الحديدة ومشارف موانئها الثلاثة (الحديدة والصليف ورأس عيسى)، لكن توقيع "اتفاق ستوكهولم" أوقف التحرير لتصبح المحافظة قطعة معزولة وبحكم المفقود أيضا.
وبحسب دراسة تحليلية دولية حديثة فإن قيود وانتهاكات الحوثيين لـ"اتفاق الحديدة" كان التحدي الرئيسي، بالإضافة إلى تجزئة صياغة "ستوكهولم"، ما جعل البعثة الأممية بمرمى تهمة التحيز.
الدراسة الصادرة باللغة الإنجليزية عن "معهد أبحاث السلام" في أوسلو للباحثة جوليا باليك، اعتمدت شهادات ضباط في البعثة الأممية وسكان محليين، أكدت أن قيود المليشيا الحوثية تسببت بعدم قدرة المراقبين الدوليين على جمع المعلومات والأدلة ورصد انتهاكات وقف إطلاق النار، في إشارة لتحول التهدئة إلى مظلة للجرائم الحوثية ضد المدنيين.
كما كانت السبب في عدم قدرة الأمم المتحدة على لعب دور بناء لزرع الثقة بما فيه التحرك لسماع شهادات المواطنين الذين يتساقطون بخروقات الحوثي.
وأوضحت الدراسة التي اطلعت عليها "العين الإخبارية"، أن الحوثيين تدخلوا في التلاعب بشهادات السكان المحليين وفرضوا قبضة أمنية مشددة أجبرتهم على التردد والخوف خشية هجمات حوثية انتقامية.
وقال أحدهم: "سيقتلونني إذا رأوني أتحدث إلى أجنبي بتهمة الخيانة"، وفقا للدراسة.
ونقلت عن مراقب دولي ببعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة، قوله إنه عند مغادرته، كانت قيادات الانقلاب تنتظره في المطار لمصادرة قرص تخزين يحتوي على معلومات عن انتهاكات حوثية لحقوق الإنسان واتفاق ستوكهولم، مضيفا: "كنا نعيش في مقار الحوثيين تحت حمايتهم وبالقوة".
aXA6IDMuMTIuMTQ3LjEyIA== جزيرة ام اند امز