من صعدة إلى إسرائيل.. مكاسب وهمية للحوثي تفضح السرديات المضللة
بعد عقدين من تفجير حروب تمرد صعدة وانقلابها على الشرعية، يسعى الحوثيون لتحقيق سرديتهم المضللة ورفع رصيدهم السياسي باليمن والمنطقة بالاشتباك مع إسرائيل.
المليشيات الانقلابية رفعت سردية مواجهة "قوى الاستكبار العالمي" ضد إسرائيل وأمريكا خلال حروب التمرد الستة في صعدة (2004-2009) وكان هدفها أساسا جذب القبائل للقتال إلى جانبهم، أما في المحافل الدولية فعمدوا لسردية مضللة تقدمهم كـ"أقلية مضطهدة".
كما تمدد الحوثيون نحو صنعاء ثم انقلبوا على الشرعية أواخر 2014، بزعم محاربة "الفساد"، ودوليا اعتمدوا سردية "الحرب على الإرهاب" ثم تغيرت عند انطلاق "عاصفة الحزم" لدعم الشرعية بقيادة السعودية للترويج الدعائي للحرب أنها "عدوان على الشعب اليمني".
وفصل الحوثيون بين الدعاية المحلية والخارجية، حيث ركزت الداخلية على الخطاب الديني المشحون لتشجيع القبائل للمواجهة الدائمة لـ"الأعداء"، ووصف المناهضين بـ"المنافقين والمرتزقة"، أما خارجيا فتبنوا تصورات مختلفة كنوع من التضليل المتعمد للمجتمع الدولي.
ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ظهرت سردية أخرى للحوثيين تتبنى "نصرة الفلسطينيين" وتتفق دعائيا مع شعارهم المناهض لأمريكا وإسرائيل، وتعكس ذات سردية ما يسمى "محور المقاومة" بقيادة إيران ضد الهيمنة الغربية.
وخلال هذه الرحلة الطويلة التي خلفت وفق تقديرات أكثر من 500 قتيل ومئات آلاف الجرحى وتشريد الملايين من اليمنيين، استغل الحوثيون هدنة أممية هشة لاشتباك محدود الأثر مع إسرائيل بشن أكثر من 220 هجوما، خلف أحدها قتيلا واحدا و10 جرحى، في المقابل ردت إسرائيل بضربات انتقامية لتدمير منشآت نفطية وعسكرية مما تسبب بسقوط 107 بين قتيل وجريح ومفقود، وفق آخر حصيلة.
وعلى عكس السردية التي أرادها الحوثيون أن الحرب مع إسرائيل سترفع رصيدهم السياسي، تعرضت المليشيات لهجوم شعبي داخلي غير مسبوق وذكروها بمحطات إرهابها في حروب اليمن، وهو مؤشر دفع زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي للخروج لنفيه والتأكيد أن "القصف الإسرائيلي لن يختلف عن القصف الأمريكي البريطاني".
لكن وفقا لخبراء فإن مليشيات الحوثي تراهن على أذرع إيران لتخفيف خسائرها حال تكررت ضربات "اليد الطويلة" لإسرائيل، على أن تستثمر الجماعة هذه الحرب لتقوية موقفها السياسي وسردياتها الدعائية المضللة في اليمن والمنطقة بزعم حربها ضد "هيمنة الغرب".
حلم الحرب الطويلة
محللون سياسيون يمنيون أكدوا أن مليشيات الحوثي لن تتوقف عن طيشها؛ لأنها تشعر الآن أن حلمها بالانخراط في حرب "طويلة وممتدة" مع إسرائيل قد تحقق وبأفضل ما يمكن، بهدف استغلالها لابتلاع باقي مناطق اليمن.
"غير أن الحوثيين الآن صار لديهم اشتباك مع إسرائيل؛ وهذه حالة مفيدة ومثالية للحوثي من ناحية الشعارات وانعكاسات هذا الوضع على مستوى السيطرة الداخلية والنفوذ الإقليمي والكلفة المحدودة عليه كجماعة"، وفقا لمراقبين.
المحلل السياسي اليمني، عمار علي، اعتبر أن "أول اشتباك إسرائيلي حوثي قد يعزز الرصيد السياسي للمليشيات الانقلابية، إلا أنه لن يخلو من الضربات القاصمة بدليل أن استهداف ميناء الحديدة كان بعد تحوله لشريان للأسلحة والأموال المهربة، هو ما مثل ضربة قوية".
وأشار علي في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إلى الهجمات الحوثية المماثلة لقصف ميناء الحديدة والمتمثلة بقصف ميناء الضبة وميناء النشيمة، وحرمان الحكومة اليمنية الشرعية من مواردها ثم محاربة ميناء عدن وإجبار التجار على تحويل شحناتهم البحرية إلى الحديدة بالقوة.
وقال إن "الحوثي لن يحقق سياسيا أكثر مما حققه "حزب الله" الذي جر لبنان للحرب مع إسرائيل من قبل ومن المحتمل أن يجرها لذلك مجددا".
وأضاف أن "الأصوات في اليمن التي هاجمت الحوثي إثر الاشتباك مع إسرائيل كانت دلالة واضحة على وجود وعي بأن مشكلة اليمن والمنطقة برمتها هم وكلاء إيران وخاصة في اليمن".
وعن سرديات الحوثي المضللة دوليا والتي ساهمت في إنقاذه من السقوط الكبير أواخر 2018، قال علي إن المجتمع الدولي والدول الغربية لا تتحرك وفقا لسياقات دعائية نسجتها الجماعة، وإنما وفق مصالحها فقط، حيث إنه سابقا لم يستهدف مصالحها؛ بل وخدمها.
وقال المحلل السياسي اليمني"بمجرد تغير موقف مليشيات الحوثي وفقا للتصورات الإيرانية، وبدأ قرصنة واستهداف السفن بالبحر؛ وقصف إسرائيل اختلف التعامل معه، ورأينا ضربات جوية من أمريكا وبريطانيا على مواقع الحوثيين، ثم تقوم إسرائيل بضربات مباشرة للمرة الأولى في تاريخ البلاد".
وأضاف أنه "رغم ذلك لم تدخل أمريكا بكل طاقتها العظمى في معركة قادرة لاجتثاث الحوثي بوقت قياسي، وبالمثل إسرائيل وهذا محكوم بتأثير رد المليشيات التي توعدت به لرفع الحرج عنها، ومتوقع أن تطال مصالح هذه الدول بالمنطقة بالتعاون مع وكلاء إيران بالعراق وسوريا ولبنان" حتى لا تتحمل المليشيات وحدها كلفة دفع الثمن".
نتيجة متوقعة لمغامرات الحوثي
من جهته، يصف مدير مركز "south 24 للدراسات والأخبار" في عدن، يعقوب السفياني ما قام به الحوثيون خلال الشهور الماضية بأنها كانت "مغامرات وأفضت إلى نتائج كارثية بحق اليمنيين، والمنطقة عموما".
وقال السفياني لـ"العين الإخبارية" إن "مغامرات الحوثي بدأت باستهداف الشحن الدولي عبر البحر، وإطلاق الصواريخ والمسيرات على السفن التجارية، وصولا إلى الاشتباك مع القوات الأمريكية في المنطقة، ومهاجمة القطع العسكرية الأمريكية في البحر الأحمر".
وأضاف "كل هذه المغامرات كان من المتوقع أن تفضي في نهاية المطاف إلى إدخال اليمن في أتون معارك إقليمية وصراعات خارج سياق الأزمة المحلية المستمرة منذ 2015، وتسبب الحوثي بإضافة طبقة إقليمية لما هو موجود من صراعات أكبر تتجاوز الأزمة اليمنية.
تطور الصراع
وحذر السفياني من تطور هذا الصراع الإقليمي، مضيفا أن "الأمر يعتمد على المدى الذي سيذهب إليه الحوثيون بتوجيهات من الممول والداعم الرئيسي في طهران والتي تراهن على تحويل وكيلها الحوثي للاعب فعال بالمنطقة".
وأشار إلى أن "إيران لم تكتفِ بدور الحوثيين على الساحة اليمنية، بل هي تريد من الحوثيين -كوكيل في المنطقة- الانخراط في صراعات إقليمية مع إسرائيل والولايات المتحدة، وهو جوهر سردياتهم ومخططاتهم".
وقال السفياني "كما تريد طهران أن ينفذ الحوثي أجنداتها بضرب الأمن القومي العربي وخلق حالة من الاضطراب في المنطقة؛ لتمرير وتصدير مشروع الثورة إلى المنطقة وهو مشروع -كما دلت الشواهد- لا يزدهر ولا ينتشر إلا في ظل الفوضى والخراب".
والسبت الماضي، قصفت إسرائيل عدة أهداف حوثية في الحديدة منها منشآت نفطية ما زالت مشتعلة حتى اليوم، وذلك غداة مقتل إسرائيلي وإصابة 10 آخرين بطائرة مسيرة حوثية استهدفت تل أبيب وذلك للمرة الأولى منذ انخراط الحوثي بزعم "نصرة غزة" في مهاجمة السفن بالبحر الأحمر.