حصاد 3 أعوام بين شركاء الانقلاب باليمن.. من التحالف إلى الاقتتال
مع احتفال مليشيا الحوثي الانقلابية بالذكرى الثالثة لاجتياحهم صنعاء، هل يعلن الحوثي انقلابا ثانيا على شركائه الانقلابيين؟
في مثل هذا اليوم قبل 3 أعوام اجتاحت مليشيا الحوثي الانقلابية بالتواطؤ مع أتباع المخلوع علي عبد الله صالح، العاصمة اليمنية صنعاء منقلبة على السلطة الشرعية برئاسة عبد ربه منصور هادي.
اليوم ومع احتفال الانقلابيين بالذكرى الثالثة لاجتياحهم صنعاء، تبدّل المشهد بين شركاء الانقلاب من التحالف ضد السلطة الشرعية إلى الاقتتال الداخلي؛ فهل اتخذت مليشيا الحوثي قرارا بانقلاب آخر على شركائه الانقلابيين؟
لا تزال مظاهر الأزمة بين مليشيات الحوثي في اليمن وحزب المؤتمر الشعبي (جناح الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح)، قائمة بالتزامن مع الاحتفالات التي يقوم بها الانقلابيون لإحياء الذكرى الثالثة لاجتياح صنعاء، في ظل غموضٍ يلف ملابسات إعلان الحوثيين تشكيل فريق للتواصل مع حزب صالح حول الخلافات الحاصلة بينهما.
وعلى الرغم من عدم تسجيل أي إشكالات أو مواقف معترضة على تحضيرات الحوثيين لمهرجان احتفالاتهم، فإن التحركات المترافقة معها أعادت الأنظار إلى أجواء التوتر التي رافقت مهرجان حزب المؤتمر المؤتمر الشعبي (جناح صالح) في ذكرى تأسيسه الـ35 في يوم 24 أغسطس/آب الماضي وما تلى ذلك من تحركات ومظاهر توتر رفعت من احتمال تطور الأزمة إلى صدام مسلح بين الطرفين.
حلفاء لا يجمعهم إلا الحقد
في قراءة زمنية لبداية الصراع بين طرفي الانقلاب يقول المحلل السياسي اليمني بليغ المخلافي: إن خلاف حلفاء الانقلاب كان منذ الوهلة الأولى، وإنه ليس هناك ما يجمع بينهما سوى الحقد على شعب أراد أن يبني دولته المدنية.
ويشير المخلافي، في حديث لبوابة "العين" الإخبارية إلى أن أكبر انشقاق بدأ بروزه بشكل علني بين الانقلابين، كان من اجتماع أعضاء مجلس النواب الموالين لصالح الذي شكل مصدرا لشرخ جديد بين تحالف الحوثي/صالح.
الاجتماع، بحسب المخلافي، أعلن بشكل واضح أن صالح شريك فيما يرتكبه الحوثيون في البلاد، وهي الدائرة التي نفى صالح مرارا أن يكون جزءا منها.
ومثلت ما أطلق عليها اللجنة الثورية التابعة لمليشيا الحوثي مصدرا مزعجا للتحالف الانقلابي؛ فعودة العمل بالدستور (كما جاء في إعلان العمل بالمجلس) يزحزح اللجنة من العمل، وبذلك اندلعت أعمال سخط بين الموالين لصالح والحوثيين في المؤسسات الواقعة تحت سيطرتهم.
انقلاب جديد
يقول مراقبون إنه تسود أوساط الشق الموالي للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح ضمن حزب المؤتمر الشعبي العام مخاوف شديدة من أن يشهد تاريخ 21 من سبتمبر/أيلول الجاري وما بعده، والذي يصادف ذكرى سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، انقلابا جديدا ينتزع ما بقي بأيديهم من سلطة وسلاح، بعد أن وصلت الضغوط على زعيم المؤتمر مستوى غير مسبوق، وقد تكون بصدد تحقيق أهدافها في شلّ حركته ودفعه إلى الاستسلام.
ويرى المراقبون أنه يُحتمل أن تحوّل ما بعد احتفال الحوثيين بيوم النكبة إلى عملية احتلال ميداني لصنعاء بعد جملة من الضغوطات التي تعرّض ويتعرض لها صالح بلغت حدّ مواجهته، بينما يقول الحوثيون إنها وثائق وملفّات فساد ضخمة من شأنها إدانته أمام القضاء، فضلا عن إجهازها على ما بقي من سمعته السياسية ومصداقيته أمام جمهور حزبه.
يقول المحلل السياسي وليد الصالحي: إن الذين قاموا بالانقلاب هم جناحان متساويان في الجرم، متضامنان في المسؤولية القانونية، أحدهما ظاهر وهم مليشيات الحوثي التابعة لإيران، والآخر كان مستترا إلى أن تعرى وانكشف، وهم مليشيات الحرس العائلي وأنصار المخلوع.
ويضيف الصالحي لبوابة "العين" الإخبارية أن أي تكتيكات هزيلة هي محاولات فرار من المسؤولية يجتهد بها المخلوع، ولن تنطلي على الشعب اليمني العظيم؛ لذا فإن الذين سيحتفلون بيومهم الأسود هم طرفا الانقلاب؛ سواء رفعت شعارات الصرخة وصور الخميني أو شعارات الخيل وصور المخلوع؛ لذا وجب التوضيح.
ويشير إلى أن سرد هذا لا يعني نهائيا أن طرفي الانقلاب يعيشان "شهر عسل"، وأنهما منسجمان، بل بالعكس فإن الفجوة بينهما تتسع والصراع على أشده وسيزداد إلى أن ينهي أحدهما الآخر.
ويوضح أن ما ظهر على السطح منذ 24 من أغسطس/آب الماضي ما هو إلا قمة جبل الجليد، وما زالت المساعي الإيرانية متواصلة في طمر بقية الجبل حتي لا ينكشف عمق الخلاف وينفرط الانقلاب ويتحول إلى صراعات ودول تحكمها مجاميع إجرامية صغيرة داخل أزقة وحواري صنعاء الحزينة وشوارعها.
ويحذر الصالحي من أن حشد اليوم الأسود هو قنبلة موقوتة ستنفجر ولن تبقي ولن تذر إذا أشعل فتيلها أحد الشريكين، خصوصا أن ماضيهما مجتمعين أو مفترقين مليء بالغدر والطعن في الظهر ونقض العهود والمواثيق، وليس على المتابع سوى استحضار الأمس القريب ومواصلة الاستحضار إلى الأمس المشؤوم الذي نبت فيه هذا النبت الشيطاني داخل جسد الدولة اليمنية وظل ينخر فيها.
رسالة الحوثي إلى صالح
يقول الكاتب والمحلل السياسي محمد القادري لبوابة "العين" الإخبارية: إن الحوثيين من خلال احتفاليتهم في السبعين يريدون إيصال رسالة لحليفهم صالح، مفادها أنهم هم الأقوى والأبرز على الساحة.
ويضيف أن الانقلاب الحوثي على صالح أمر لابد منه، ومستقبل الشراكة سينهار في الساعة المناسبة التي حددها الحوثي، كوقت ملائم للقضاء على صالح والتفرد بالساحة كطرف وحيد يتصالح مع الشرعية والتحالف، مقابل حصوله على الشراكة في السلطة معهم.
ويرى القادري أن المؤتمر وصالح متخوفان جدا من شعبية الحوثي، ومن الأعداد التي قد تحضر احتفالهم إذا كانت مقاربة لحشدهم في فعالية ذكرى تأسيس المؤتمر أو متفوقة عليها، وسيقارنون ويقيسون ذلك بمدى قوتهم الجماهيرية التي ما زالوا يحتفظون بها في الشارع الشعبي في ظل تنافسهم على ذلك مع حليفهم الحوثي.
ويوضح أن احتفالية الحوثي بيوم النكبة بانت ضعيفة مقارنة بفعالية صالح السابقة، والأمر الآخر يعود لسبب قيام صالح بمحاربة الفعالية بشكل خفي وسري لكي يظهر الحوثي في مستوى أقل منه شعبيا وأضعف جماهيريا".
ويقول مراقبون: إن الحوثيين نجحوا في أول مخطط للإطاحة بالمخلوع صالح عن رئاسة حزب المؤتمر الشعبي العام، وتوقيفه عن ممارسة الحياة السياسية والعسكرية وإعلان استسلامه رسميا.
مصادر خاصة كشفت لبوابة "العين" الإخبارية عن ضغوط حوثية تمارس على المخلوع لتنحيه عن رئاسة حزب المؤتمر الشعبي العام، ومطالبتهم بتولي نائبه عارف الزوكا بدلا عنه، الذي يبدو أنه مرتبط بعلاقات حميمية مع المليشيات الحوثية.
وهو ما يعني خروجه كليا من المشهد السياسي والاجتماعي في اليمن، أو ربما يتم ترحيله خارج اليمن إن صدقت المصادر.
وكان صالح قد فوّض الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي عارف الزوكا، بالإنابة عنه في المناسبات الاجتماعية فيما قد يبدو أنه بداية لتواريه تدريجيا عن المشهد العام في البلاد.
ويؤكد محللون للشأن اليمني أن الرئيس اليمني السابق صالح قرر الفرار باعتباره آخر السبل للنجاة من طوفان يعده غريمه في الانقلاب لجرفه إلى نهاية وخيمة.
أما المحلل السياسي وليد الصالحي فيرى أنه إذا صح هذا الموضوع فإن هذا القرار ينصب في إطار تعقل موضوعي من قبل صالح؛ لتجنيب أنصاره أي قرار استبعاد سواء على المستوى القريب والشراكة في الانقلاب على الشرعية في اليمن أو على المستوى المتوسط من الحصول على نصيب في أي تسوية سياسية مقبلة مع الشرعية في حالة إنهاء الانقلاب وتطبيق القرار 2216.
وتابع: قد يحدث هذا يكون في حال عدم قيام صالح بمناورات تكتيكية، يهدف من ورائها إلى إيجاد موضع قدم مستقبلي له على المستوى الشخصي، خصوصا أن صالح قام بتفويض الأمين العام، ولم يقدم استقالته من رئاسة المؤتمر وإفساح المجال لانتخاب الزوكا.
أمر كبير في قادم الأيام
تؤكد المؤشرات أن المليشيات الحوثية بصدد القيام بأمر كبير في قادم الأيام، فيما سيكون الضحية هذه المرة الرئيس اليمني السابق علي صالح، الذي بالمناسبة كان أقوى أدواتهم لدخول صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014.
وتأتي التطورات الميدانية المصاحبة للتحركات السياسية للمليشيات، ولعل آخرها إغلاقها لصحيفة اليمن اليوم الناطقة (باسم حزب صالح) واعتقال موظفيها واعتقال الإعلاميين المقربين من صالح، لتشير إلى أن الجماعة تعد وتعيد ترتيب أوراقها الداخلية بحيث تصبح لها الكلمة الأولى والأخيرة في المحافظات التي تسيطر عليها.
هذا ما بدا جليا من خلال خطابات زعيم مليشيا الانقلاب عبد الملك الحوثي، والذي بدا متذمرا جدا من شراكة جماعته مع صالح وحزبه، فيما تواصل قيادات موالية للمليشيات شن هجوم إعلامي كبير بحق المؤتمر (جناح صالح) ورئيسه، مطلقة عليهم أوصافا غير مسبوقة من بينها الخيانة والغدر والارتزاق.
وكان تحالف الحوثيين وصالح قد شهد خلافات عاصفة خرجت للعلن على خلفية رفض حزب صالح للخطوات المتسارعة التي أقدم عليها الحوثيون في الآونة الأخيرة، وتركّزت حول تغيير المناهج التعليمية وإعطائها طابعا طائفيا مستلهما من شعارات الثورة الإيرانية، وصولا إلى تغيير تركيبة الجيش اليمني وتحويله إلى جيش عقائدي على غرار الحرس الثوري الإيراني ومليشيا حزب الله.
ويرى مراقبون أن التوترات التي تشهدها صنعاء بين الحوثيين وحليفهم صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام ترتكز حول عدة قضايا في مقدمتها سعي المليشيات الحوثية لتغيير البنية المذهبية والعقائدية في اليمن، والتي سادها التعايش على مدى قرون طويلة بين المذهبين الرئيسيين في البلاد الشافعي والزيدي.
إلى ذلك تشير تكهنات غير مؤكدة أن صالح قام بتكثيف مراسلاته مع أطراف خارجية؛ أملا في أن تتحرك لإزاحة هذا المأزق الذي يواجهه، وذلك مقابل تنازلات كبرى قد يجبر على تقديمها، من بينها التسريع بإحداث اختراق مفاجئ في جبهة صنعاء؛ ما سيدفع المليشيات -بحسب التكهنات- إلى القبول بمبادرات الحل الدولية تلافيا لهزيمة عسكرية وشيكة ستكون قاضية على أحلامها في الحكم والتمكين.